أحمد مهيدي
تحت الحصار الخانق الذي يفرضه تنظيم داعش على مناطق سيطرة النظام في دير الزور منذ 15 شهراً، ومع الأسعار الخيالية للمواد الغذائية المتوافرة في الأسواق؛ تعيش قرابة 17 ألف عائلة، بحسب أحد أعضاء منظمة الهلال الأحمر. ولكن كيف تتدبر هذه العوائل أمرها!
[caption id="attachment_8530" align="aligncenter" width="1280"]صورة حديثة من حي القصور
عدسة مراد – خاص عين المدينة[/caption] اعتادت أم محمد الاستيقاظ في الثالثة فجراً، لأن أيّ تأخيرٍ عن هذا الموعد قد يحرم عائلتها، المكوّنة من أربعة أفراد، من الخبز ليومٍ كامل، فداء السكريّ يمنع زوجها الستينيّ من القيام بهذه المهمة. «أقف لستّ ساعاتٍ في طابورٍ من 800 شخصٍ لأحصل على ستة رغفان أو ثمانية في أحسن الأحوال». تعود أم محمد في العاشرة لتعدّ الإفطار المكوّن من رغيفي خبزٍ وشايٍ فقط، ثم تذهب إلى السوق لشراء البقدونس أو الجرجير «وجبة الغداء الوحيدة». تخرج مجدّداً إلى أحد محال شحن الكهرباء، حاملةً بطاريةً صغيرةً تستخدمها في إنارة منزلها وموبايل، ثم تكمل طريقها لشراء كيلو حطب. تعود مساءً بعد أن أنفقت 850 ليرةً سوريةً. تنام العائلة دون عشاءٍ لأن 30 ألف ليرة، مرتب زوجها، وهي دخل العائلة الوحيد «بالكاد تكفي ليعيش أربعة أشخاصٍ في هذا الحصار». يعتمد الأهالي في الحصار على رواتب الوظائف الحكومية وعلى الحوالات المالية التي ترد من أقربائهم. سامر معلم مدرسةٍ ينفق مرتبه، البالغ 34 ألفاً، في الأسبوع الأول من الشهر، ويعتمد على الحوالة التي ترسلها أخته من دمشق لسدّ باقي احتياجات عائلته المكوّنة من ستة أفراد. يقول: «في الأسبوع الأول من الشهر يرفع التجار أسعار المواد الغذائية إلى الضعف، ثم يخفضونها في منتصف الشهر، ويخلو السوق تقريباً في الأسبوع الأخير». يحتاج سامر إلى نصف مرتبه لشراء ما يكفيه من الحطب ولشحن بطارية المنزل وهواتف عائلته، بينما ينفق النصف الآخر لشراء الخبز وثلاثة ألواحٍ من الصابون ونصف كيلو من مسحوق الغسيل ومثله من سائل الجلي. الشاي المكرّر وروح السكّر يبلغ سعر كيلو الشاي (25-27) ألف ليرة، لكن 100 غرامٍ كانت تكفي عائلة مراد، الخارج حديثاً من الحصار، لمدّة شهرٍ كامل: «بعد الانتهاء من شرب الشاي ننشر ورقه تحت أشعة الشمس ثم نعيد استخدامها في اليوم التالي، وبعدها ننشر ورقه مجدّداً لنستخدمها مرّةً ثالثة. هذه حالةٌ عامةٌ لدى الأهالي في الحصار». تدفع عائلة مراد، المكوّنة من ستة أشخاصٍ، 5 آلاف ليرةٍ لشراء كيلو من السكّر لكنها لا تستخدمه في تحلية الشاي، فمراد وأخواه في حاجةٍ إلى كمياتٍ من الطاقة تعينهم على نقل المياه من خزانات الهلال في القصور إلى منزلهم في الطابق الخامس، بسبب انقطاع المياه المستمرّ. أما لتحلية الشاي فتستعمل العائلة معلقةً واحدةً من روح السكر للإبريق. وروح السكر مادةٌ كيميائيةٌ لها قدرةٌ عاليةٌ على التحلية تستخدمها معامل المشروبات الغازية وتباع في أسواق الحصار. يسبّب الاستهلاك المستمرّ لهذه المادة سرطاناتٍ وهشاشةً في العظام -بحسب أطباء مختصّين- لكن مراد لا يكترث: «خطر الإصابة بالسرطان ليس أسوأ من العيش في الحصار!». الحشائش وجبة الغداء الرئيسية يزرع الأهالي البقدونس والجرجير والخس والبقلة وبعض الخضروات في المناطق الزراعية الموجودة في أطراف الأحياء المحاصرة، وتباع بأسعارٍ ملائمةٍ ولذلك تعتمد أغلب العوائل عليها لوجبة الغداء. «أشعر أني خروفٌ بسبب أكل البقدونس والخس والجرجير كلّ يوم»، يقول عامر مازحاً. عائلته، المكوّنة من سبعة أشخاصٍ، لا تملك دخلاً، ولذلك يقف مع أبيه وأخويه على طابور الفرن لأكثر من 14 ساعةٍ يومياً يبيعون فيها ما اشتروه من الخبز بسعرٍ مضاعفٍ خارج الطابور. تجني العائلة (600-800) ليرةٍ يومياً، لا تكفي لتناول أكثر من وجبةٍ واحدة. رهن المنازل وبيع الأدوات الكهربائية
يقوم بعض التجار خارج دير الزور بتشغيل أشخاصٍ في الأحياء المحاصرة لشراء الأدوات المنزلية بأسعارٍ بخسة، إذ يباع البراد أو الغسالة أو الفرن بمبلغ 3 آلاف ليرةٍ كحدٍّ أقصى. حسام، الذي يعيش مع عائلته في حيّ الجورة، باع أدوات منزله بعشرة آلاف ليرة: «لا حاجة لها، فالكهرباء مقطوعةٌ منذ بداية الحصار». يوافق على أن المبلغ قليلٌ لكنه يقول إنه يبقى أفضل من رهن بيته مقابل أربعة أكياسٍ من السكر، وزن الواحد منها 50 كغ، كما فعل أحد أصدقائه في حيّ الوادي.