قبل سيطرة داعش على كامل ريف دير الزور، في النصف الثاني من العام الفائت، ظهر أبو الزبير في مقطعٍ على موقع يوتيوب، مع بعض وجهاء قريته "سويدان جزيرة"، وهم يطلبون من داعش إرسال أحد شرعييها للاتفاق على تسليم المدينة، بعد أن هرب من مدينة دير الزور التي شغل منصب رئيس هيئتها الشرعية، وبعد أن توعّد الدواعش ومناصريهم بالذبح، وأكّد رفضه دخولهم المدينة إلا على جثته، ليردّ أحد الأهالي معلقاً: "والله يفكّر حالو يوسف العظمة هالدثو".
أبو الزبير، أو "أبو الزَّبر" كما كان يدعوه البعض، مولودٌ عام 1985. خريج معهدٍ رياضيٍّ. متزوّجٌ وله ثلاثة أطفال. أنهى خدمته الإلزامية في الشهر الرابع للثورة. ولم يكن يمتلك عملاً. يعرفه المحيطون به بـ"العونطجي" وصاحب المشاكل، ما دفع بأحد أفراد أسرته إلى المساهمة في انتشاله من حالته العبثية، فأخذ يعلّمه بعض الآيات والأحاديث وبعض أركان خطبة الجمعة، ليصبح فيما بعد خطيباً في جامع سويدان جزيرة، نسبةً إلى القرية التي ينتمي إليها، وصار كأمثاله من الخطباء التقليديين الذين يحسبون أنفسهم أفهم المخلوقات، والأرض في نظرهم ما هي إلا تلك الأمتار القليلة التي يعيشون عليها.
وكان أوّل ما بدأ به على المنبر مهاجمة المتظاهرين في عموم المحافظة، ووصفهم بالمخرّبين والخارجين على الحاكم. وأيّد القوّة والقبضة الأمنية الحديدية، حتى استقبل دبابات النظام عند اقتحامها للمحافظة في صيف 2011، برفقة والدته التي رشت الرزّ على العسكر مهللةً ومرحّبةً بالفاتحين. ثم ما لبث الجيش الحرّ، بعد سيطرته على كامل ريف المحافظة، أن كسب ولاء هذا الخطيب، فكانت لعائلة أبو الزبير حصّةٌ من إيرادات آبار النفط في المنطقة، كغيرها من العوائل، بل إنه عمل محاسباً على أحد هذه الآبار. ليبايع بعدها جبهة النصرة التي استقدمته إلى مدينة دير الزور بعد أن تمّت تزكيته من الشيخ مظهر الويس، رئيس الهيئة الشرعية المركزية، ليكون ممثلها في هيئة المدينة، وقاضيها، ومصدر أحكامها ومنفذها. أما ما تبقى من أعضاء الهيئة فكانوا مجرّد أصنامٍ متحرّكةٍ بأمر أسيادها أو، كما يقول المصطلح الدارج، "مُطنبرينها". صَدّر أبو الزَبر نفسه كمكافحٍ للفساد (كما أعلن بشار الأسد في بداية توليه الحكم)، فكثف من الاجتماعات مع المجلس المحليّ والمنظمات الطبية والإغاثية. وطلب من المجلس المحليّ تمويل الهيئة لتسديد رواتب موظفيها. وعندما رفض المجلس، لأن الهيئة لا تتبع للإدارة المحلية، طلب منه كشوفاته المالية، وأصبح يتدخل في كلّ صغيرةٍ وكبيرة، دون أن يمتلك أدواتٍ للمحاسبة سوى التخوين غير المبنيّ على أيّ دليل. وعند سؤال أحد أعضاء المجلس له عن مصير إيرادات النفط الذي تتحكّم به النصرة كان ردّه أنهم يرسلونها للمجاهدين في كلّ مكانٍ، حتى لإخوانهم في مالي، ليقول له أحد المستمعين: "لعما!! ول خلونا نتدفا بالأوّل بعدين ندفي غيرنا".
اختفت، أثناء توليه رئاسة الهيئة، أدواتٌ منزليةٌ مسروقة، يُشكّ في قيامه ببيعها، خصوصاً وأنه أصبح يمتلك المال، وأخذ يبحث في المدينة عن امرأةٍ للزواج ثانيةً، بعد أن استولى على أحد المنازل القريبة من مكان عمله. وفي بادئ الأمر تقدم لخطبة فتاةٍ صغيرةٍ، ولم تستمرّ الخطبة أكثر من أسبوعٍ، ليعود بعدها ويتزوّج امرأةً أخرى، تسكن الآن في قريته مع زوجته الأولى.
باستمرار كان يأمر باعتقال الناشطين بتهمٍ مختلفة، كالعلمانية أو مناصرة داعش. وقد تجتمع التهمتان معاً كما حدث مع بعض الناشطين الذي اختطفتهم الجبهة في ربيع العام السابق من منزلهم بحيّ الحميدية، دون أن تعترف الجهة الخاطفة بمسؤوليتها، واقتادتهم إلى خارج المدينة، لتضطرّ إلى إعادتهم بعد أسبوعٍ تحت ضغط الأهالي والجيش الحرّ، وليستقبلهم هذا "الطنبر"، كما يصفه البعض، موجهاً إليهم تهمة العلمانية التي لا يعلم ما هي، حتى أنه لم يعرف الإجابة عن السؤال الذي طرحه أحد هؤلاء المعتقلين: "شكون تعرف عن العلمانية؟؟"، ليغيّر الموضوع ويتهمهم بالدعشنة!