- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
قراءة في وصية عمر الشيشاني
لم تعد الأخبار المعتمدة على التسريبات والتحليل، الصادرين عن دائرة صانعي القرار في تنظيم الدولة الإسلامية، تحتاج إلى دليل أقوى من وصية الشيشاني على صحتها، فالوصية ليست فقط اعترافا بفشل التنظيم في تحقيق أهدافه، بل كذلك وثيقة تثبت فساد قادته قبل عناصره، وافتقاده لأدنى معايير الرقابة واحترام المبادئ التي يدعو إليها.
الوصية التي نشرتها صحيفة النبأ التابعة للتنظيم في عددها الأربعين بتاريخ ٢٦-٧-٢٠١٦ تحتوي على خمس وصايا في عدة مواضيع؛ لم تأت عليها الوصية لو لم تكن شديدة الإلحاح، بحيث شكلت ضغطا على الشيشاني أمير حرب التنظيم. يمكن تقسيم الوصية تبعا لأفكارها إلى ثلاثة محاور، يدور المحور الأول حول الوعظ أو الدعوة والتذكير والدعاء، وهي الأفكار التي يدور حولها نص الوصية في الظاهر، لكنها تشمل الوصية الثانية والرابعة بشكل مباشر. أما المحور الثاني فاعتراف شخصي من الشيشاني، الشخصية الثالثة في التنظيم على مستوى الإعلام، بصيغة اعتذار من الأتباع أولآ، حيث يقول في الوصية الأولى «أقول لجميع المجاهدين الذين كانوا تحت إمرتي: أسألكم بالله ياإخواني أن تسامحوني إن آذيتكم» وثانيا اعتذار من البغدادي «أطلب منك أن تسامحني إن كنت قد خالفت لك أمرا، أو لم أستطع تنفيذه، وأن تسامحني فيما أنفقت من الأموال على العمل، مما لم أتمكن من مراجعتك فيها» والكلام عن أذية الأتباع ورفض الأوامر والتصرف الكيفي بالأموال يعد دليلا على أن شعارات التنظيم ليست سوى محاولة لإقناع السذج والمتحمسين، خاصة حين يصدر هذا الكلام عن وزير الحرب الذي يؤمن بالتنظيم وأهدافه بالمطلق، وساهم في سيطرته على أراضيه في سوريا، وبالمقابل يعول عليه التنظيم إلى أبعد مدى، فهو حقا جبل الجليد الذي يخفيه إعلاميوه بتصدير (منجزات عسكرية) و(تطبيق للشريعة) وفي الفترة الأخيرة (ازدهار صناعي وتجاري وزراعي!) ويغفل عنه الإعلام المضاد حين يركز الأضواء على دمويته التي تعجب الكثيرين على مايظهر.
جاء المحور الثالث على شكل (مناصحة ولاة الأمور)، إذ يخاطب الأمراء «إياكم أن تختاروا بطانتكم ومقربيكم بناء على أصولهم، واختاروهم بناء على تقواهم»، وفي الوصية الخامسة يقول للبغدادي «أسالك أن تتابع بنفسك جميع أمور المهاجرين». يؤكد كلام الشيشاني دقة ملاحظات سابقة حول استعمال المهاجرين في الخطوط الأولى للقتال، بالإضافة إلى العزلة التي تعيشها الجماعات المكونة للتنظيم عن بعضها البعض، في ظل استقطاب وتقريب المتشابهون بالأصل -الجغرافي غالبا- بعضهم البعض، (القوقازي مع القوقازيين، والهندي مع الهنود، والصيني مع الصينيين، والشامي مع الشاميين، والعراقي مع العراقيين، إلى آخر الجنسيات المؤلفة للتنظيم) لتبدو الحدود السياسية التي أزالها، أو يطمح لإزالتها التنظيم، راسخة أكثر بكثير على المستوى الاجتماعي والثقافي والنفسي، وتبدو الأمة التي يبشر بها، وظن دعاته أنهم بذروا بذرتها، ماهي إلا جماعات متجاورة ومتطاحنة أحيانا، يجمعها التمسك بالمكتسبات الجديدة التي حققتها تحت راية التنظيم، بالنظر إلى أن الوصية ترفع سقف التوقعات حول الصراعات الداخلية الصامتة بين القوى داخله. لكن لم يحل سقوط الشعارات الذي عاينه الشيشاني على أرض الواقع، دون الاعتقاد أن خليفته البغدادي قادر على إنقاذ الموقف إن هو علم بمواضع الخلل.
المفارقة أن الجهر بأي من الحقائق التي تناولتها أو لمحت لها الوصية، من (سوء استعمال السلطة، ورفض الأوامر، واختلاس أموال الدولة، والتمييز على أساس البلد أو العرق أو الأصل، والتعيين بحسب درجة الولاء والقربى، دون مراعاة الكفاءة، وإساءة معاملة المهاجرين) قد يودي بمن يجاهر إلى الموت، كما حدث في مرات عدة سابقة.