- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
في المنصورة... الخدمات مستقرّة فرص عملٍ جديدةٌ وانتعاشٌ نسبيٌّ للأسواق
شارع رئيسي بلدة المنصورة
تعدّ المنصورة بوابةً لبادية الشام من الرقة. وكانت فيما سبق سوقاً لقاطني البادية. يعمل معظم سكان المنصورة في زراعة الحبوب والقطن وتربية المواشي. ويتاجر البعض بالمنتجات المحلية ولوازم الزراعة والأعلاف. ويسافر البعض الآخر للعمل الموسميّ في لبنان، أو الدائم في بلدان الخليج.
وخلال الثورة لم تسجل أيّة أحداثٍ حافلةٍ في المنصورة، إذ خرجت بهدوءٍ في مطلع العام الفائت من سيطرة النظام، لتبقى دون إدارةٍ لبضعة أشهر، إلى أن تشكل مجلسها المحليّ ليشغل الفراغ الناجم في هذا المجال. وبمراجعة أعمال هذا المجلس ونشاطاته تبرز صيانة شبكة الطاقة الكهربائية في مقدمة هذه الأعمال، مع بعض الأنشطة الإغاثية للنازحين. فقد استطاع المجلس المحافظة على مستوىً جيدٍ من خدمة التيار الكهربائيّ المقدّمة للسكان، يساعده في ذلك القرب الجغرافيّ من سدّ الرشيد الذي تغذي عنفاته المنصورة وجوارها. وتتلخص أعمال صيانة شبكة التيار الكهربائيّ بإصلاح المحوّلة الرئيسية في وسط البلدة، وربط بعض أحيائها بخطوط تغذيةٍ إضافيةٍ، مثل خط البادية وخط صوامع الحبوب، بغية تخفيف الحمولات وتنويع مصادر التغذية، مما أدّى إلى الحفاظ على جودة الخدمة واستقرارها. ويشهد محمد، وهو شابٌّ من أهالي المنصورة، بعمل مجلسها المحليّ في هذا الجانب. فالكهرباء، بحسب محمد، "لا تنقطع إلا نادراً. وإن انقطعت تقوم الورشة بإصلاح العطل خلال ساعاتٍ فقط".
يمكن القول إن طبيعة السكان المسالمة، وسيرة المنصورة خلال الثورة، فوّتا الفرصة لاندلاع مواجهاتٍ أثناء سيطرة "الدولة" على البلدة. فتابع المجلس المحليّ عمله، وبقي معظم أعضائه في وظائفهم. غير أن النشاط الإغاثيّ تراجع إلى حدٍّ كبيرٍ، بحسب ما يقول أعضاء المجلس، إذ توقفت المنظمات الإغاثية عن إرسال السلال الغذائية إلى المنصورة بعد وقوعها تحت سيطرة التنظيم. وبحسب بعض الأعضاء عمل المجلس، وبتشجيعٍ ومساعدةٍ من قبل بعض الأشخاص المقتدرين مالياً، على تأسيس جمعيةٍ خيريةٍ تعنى بشؤون الأيتام والأرامل فقط. وأسهم المتبرّعون في إعادة تشغيل المستوصف الصحيّ. وعملوا مع المجلس على إقامة مخيمٍ صغيرٍ للنازحين بجوار موقع السدّ. فيما يقلل بعض النازحين من أهمية مشاركة المجلس في أعمال الإغاثة، ويحصرها بتقديم بعض الخيام والأغطية.
رغم الظروف القاسية التي تمرّ بها البلاد، وجدت المنصورة فرصتها الخاصّة نتيجة تغير أحوال الطرقات، عندما تحوّل الطريق الواصل بين المنصورة والرصافة إلى طريقٍ رئيسيٍّ تعبره شاحنات البضائع الضخمة وحافلات نقل الركاب المتجهة إلى المدن السورية المختلفة، مما جعل من هذه البلدة الصغيرة محطّةً هامةً للتجارة وتقديم الخدمات. يقول عبد الله، وهو نازحٌ من حلب، إن أحواله المادية تحسّنت كثيراً بتحوّل المنصورة إلى عقدة مواصلات؛ ففي السابق كانت واردات محلّ صيانة وتصليح السيارات الذي افتتحه لا تكاد تغطي مصاريفه، وبعد تغيرات الطرق ارتفعت واردات عمله بشكلٍ كبير، وهو يفكر اليوم ببناء منزل. "فمصائب قومٍ عند قومٍ فوائد"، كما يقول. وليس عبد الله وحده من تحسّنت أحواله، فتجار التجزئة وأصحاب المطاعم والبقاليات وغيرهم كثيرٌ وجدوا في تغير خريطة المواصلات باباً للأرزاق.
رافق تحوّل المنصورة إلى عقدة مواصلاتٍ رئيسيةٍ نشوء مهنٍ جديدةٍ مثل تكرير النفط الخام وبيع مشتقاته، وهذا عاملٌ كبيرٌ في انتعــــــاش المنطقة. ويذكــر عقلة، من أهالي المنصورة، كيف بدّل النفط حياته؛ إذ كان يسافر لعشرة أشهرٍ إلى لبنان ويعود بحصيلة 100 ألف ليرةٍ سوريةٍ ينفقها في شهرين، ليسافر من جديدٍ في رحلةٍ من العذاب والغربة بعيداً عن عائلته. لكنه توقف اليوم عن ذلك، وتفرّغ لتكرير النفط الخام على حرّاقةٍ بمردودٍ شهريٍّ لا يقلّ عن سبعين ألف ليرةٍ في الشهر الواحد. "والحمد لله" يبتــــسم عقلة، "نحن بألف نعمة في المنصورة. وين كنا ووين صرنا".
في المنصورة وحدها ألف حراقة نفط، يعمل في كلٍّ منها ثلاثة أشخاص، مما يدرّ الدخل على ثلاثة آلاف عائلةٍ من مهنة التكرير وحدها، في ظروف الفقر والبطالة التي تطغى في سوريا حالياً. فمن يستطيع إقناع هؤلاء وسواهم بأن ما يفعلونه هو استباحةٌ لثروةٍ وطنيةٍ عامةٍ، وبطرقٍ ستؤثر سلباً على البيئة والصحة، وفي مقدمة ذلك صحتهم هم أنفسهم؟!