فوضى السلاح... غياب الأمان... غياب المدرسة... إن اجتمعت هذه العوامل مع حالةٍ من الوفرة المادية، إلى ماذا يمكن أن تؤدّي؟ هذا السؤال تجيب عليه بدقةٍ ووضوحٍ شديدين شوارع دير الزور ومراهقوها.
شهد ريف دير الزور انتشاراً واسعاً لظاهرة العنف بين الشباب، التي بدأت تتفاقم بشكلٍ واضحٍ جداً خلال العام الأخير من عمر الثورة. عن هذه الظاهرة حدثنا الأستاذ عبد الجليل فرحان، المدرّس في إحدى المدارس الإعدادية في العشارة، فقال: إن ظاهرة انتشار العنف بين الشباب في سنّ المراهقة ليست مقتصرةً على مدينة العشارة فقط، بل تنسحب على كل ما يتبع لدير الزور من مدنٍ وأرياف. ومن يرصد التطوّرات الاجتماعية في هذه المنطقة الآن لا بد أن يجد هذه السلوكات تتسع بشكلٍ يستحقّ التوقف والتفكير. ولهذه الظاهرة أسبابٌ عديدةٌ منها ما هو غير مباشر، يرتبط بالحرب والضغط الذي تولده، وكمّ العنف الذي يشاهده الشابّ كل يوم، كما أن هناك أسباباً مباشرة، إذ يمكن أن نعتبر توفر السلاح وسهولة الحصول عليه من الأسواق بلا رقابةٍ أوّل أسباب انتشار هذه الظاهرة. فمن النادر هذه الأيام أن تجد شاباً فوق الخامسة عشرة من عمره، تتميز عائلته بيسر الحال، ولا يمتلك قطعة سلاحٍ خاصةٍ به. وحتى أبناء العائلات الفقيرة يسعون إلى ذلك. فإن شراء قطعة سلاحٍ يعتبر هدفاً يفكر فيه غالبية الشبان في سنّ المراهقة، هو يفكر كيف يحصل على قطعة سلاحٍ "يحمي بها نفسه". والسبب الثاني وراء هذه الظاهرة هو حالة الفراغ التي يعيشها الشباب الآن؛ فمن لم يلتحق منهم بجبهات القتال، ولا توجد مدارس يصبّ فيها طاقته بالجهد الدراسيّ والتواصل الاجتماعيّ، وفي الوقت نفسه لا توجد أنديةٌ يمكن أن يفرّغ طاقته في أنشطتها؛ لا بدّ وأنه يعيش حالةً من الفراغ القاتل. إذاً فإن فوضى السلاح إذا اجتمعت مع فقدان التوعية والتوجيه ووجود الضغط النفسيّ، بسبب الحرب الدائرة في سوريا بدون أفقٍ للحل؛ لا بدّ أن تؤدّي في النهاية إلى ظواهر سلبيةٍ أهمها العنف الذي يزداد بين الشباب، ويتجلى في صورته القصوى في ارتفاع معدّل الجريمة واستسهال فعل القتل.
السلاح من مصدر حمايةٍ إلى كابوس
وحول أبرز ملامح تلك الظاهرة التقينا بالسيدة نصرة عوّاد، من أهالي بلدة العشارة، والتي تعاني من هذه الظاهرة على المستوى الشخصيّ. وقد قالت: كثرت في الآونة الأخيرة حوادث الشجار بين الشبان، وخاصةً تلك الحالات التي يمكن أن تتطوّر إلى استخدام السلاح. أنا أمٌّ لشابين تحت العشرين، لدى كلٍّ منهما قطعة سلاحٍ اشتريناها له بغرض الحماية من أيّ عارضٍ يمكن أن يحدث، ولكنها تحوّلت إلى كابوس. حتى وهو يمارس الرياضة مثلاً صارت ترافقه. أشعر أنها جلبت لنا القلق أكثر مما جلبت الأمان. ومع ازدياد استخدام الرصاص الحيّ في المشاجرات، صرتُ كلما سمعتُ صوت رصاصٍ أضع يدي على صدري، وأتخيل أن أحدهما قد استخدم مسدسه أو أن شخصاً ما قد استخدم سلاحاً ضدّه.
السيد ثامر الأسود من ريف الميادين، مهندسٌ مدنيٌّ في الخمسين من عمره، تحدث عن آثار تلك الظاهرة عليه بشكلٍ خاصّ، وهو ما يمكن أن ينطبق على كثيرين غيره، فقال: حين أسير في شوارع الميادين صرت أتجنب الاحتكاك بأيّ أحدٍ إلا بالحدّ الأدنى. فالشباب، سواءً أكانوا مسلحين أم غير مسلحين، أشعر أن الواحد منهم قد تحوّل إلى ما يشبه القنبلة الموقوتة، لا تحتاج إلى الكثير من الجهد حتى تخرجه عن طوره. بصراحة، حتى إن كنتُ صاحب حقٍّ أتنازل عن حقي إذا كان الحصول عليه يتطلب الدخول في جدالٍ مع أحد الشبان هنا. انهم يتصرّفون بلا عقلٍ قبل هذه الفوضى، فكيف يفكر أحدهم اليوم وقد باع نصف عقله حين اشترى سلاحاً؟!