- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
فلسطينيو حلب تحت خط الفقر والصبيانية ولواء القدس
مرّت الفصائل الفلسطينية في مدينة حلب، كغيرها من الفصائل الفلسطينية في سوريا، بتقلّبات عدّة، وبتغيرات في مواقفها من الثورة السورية (الحياد –المناصرة بالرأي -المشاركة في القتال في الجانبين)، حكمَتها المصالح السياسية والمالية والخلافات الإيديولوجية بين الفصائل ذاتها، وحساسية التعاطي مع القضية السورية -التي كان ممنوعاً على الفلسطينيين طيلة وجودهم على الأراضي السورية الانخراط فيها أو حتى التعبير عن رأيهم إلّا من خلال القيادة القطرية الفلسطينية لحزب البعث، أو بعض الفصائل الموالية للنظام السوري والمُخترقة من أجهزة أمنه.
وعلى الرغم من مرور أكثر من سنتين على استعادة قوات الأسد السيطرة على كامل مدينة حلب، ومنها المخيمات الفلسطينية (النيرب –حندرات)، إلّا أن واقع الحال لفلسطيني حلب ما زال على حاله، من ظروف اقتصادية سيئة ودمار كامل في منازلهم وارتهان لميليشيا لواء القدس، الحاكم الفعلي في المخيمات، والذي غيّب دور الفصائل الفلسطينية، لينتهي وجود معظم الفصائل الفلسطينية التي وقفت إلى جانب الثورة كحركة حماس، وتحجيم دور من وقف على الحياد.
في هذه المقالة سنحاول الإضاءة على واقع المخيمات والفصائل الفلسطينية في حلب خلال الثورة السورية ومآلاتها الحالية، واعتماد نظام الأسد على تشكيل ميليشيات خاصة به، ودعمها بالمال والسلطة لتهديد الفصائل الفلسطينية الواقفة على الحياد أو تلك المناصرة للثورة السورية وتجنيدهم ضمن فصائل موالية له.
واقع المخيمات اليوم
يحكم لواء القدس (تأسس في تشرين الأول 2013 بقيادة محمد السعيد) مخيمي (النيرب -حندرات)، ويسيطر على كافة مفاصل الحياة فيهما، الاقتصادية والعسكرية، بدعم من نظام الأسد اللامحدود الذي يُقدّمه للواء الذي يضم في صفوفه أكثر من (5000 مقاتل).
لا يُعتبر لواء القدس فصيلاً فلسطينياً، وإنما «قطعة عسكرية» تتبع للجيش السوري، على حد قول «أبو زيد، ناشط سياسي فلسطيني في مخيم النيرب»، استطاع ولأسباب عديدة أن يجذب عدداً من الشبان الفلسطينيين (حتى من المنتظمين في فصائل فلسطينية) إلى صفوفه، كان أهمها ردّة الفعل الفلسطينية على سوء معاملة فصائل الثورة السورية لأهالي مخيم حندرات وطردهم منه عقب دخولهم إليه، وبعض الاضطرابات التي أجّجها النظام السوري داخل مخيم النيرب، وتردّي الأوضاع الاقتصادية وانعدام الموارد المالية وانتشار البطالة، ناهيك عن سيطرة اللواء، وبدعم من حكومة الأسد، على الموارد التموينية والإغاثية التي تُقدّم للمخيم والمحروقات والوقود، إضافة إلى المياه التي عمل اللواء على احتكارها من خلال آبار قام بحفرها وبيعها للمواطنين، كما يُمثّل اللواء صلة الوصل بين عائلات المعتقلين وأجهزة الأمن التي اعتقلتهم، لإخراجهم بمبالغ مالية ضخمة.
«ما زال حال المخيم على حالو»، يقول أبو محمد من سكان النيرب «كنا مفكرين انو بعد ما تخلص القصة بحلب تتغير أحوالنا وتتحسن، لسا كل شي على حالو».
تغيب عن مخيم حندرات معظم الخدمات الأساسية، ويشترك مع غيره من المناطق السورية بغلاء الأسعار وفقدان الأمن، والأهم من هذا كله «فقدان جيل كامل من الشباب»، على حد قول أبو زيد الذي قال «إن معظم من كان قادراً على حمل السلاح في المخيم تم استغلاله من قبل لواء القدس وتجنيده، لم يمانع الأهالي ذلك، فلتأمين بعض من الحياة كان عليك أن تنتسب وإلّا لن يصلك شيء، كل شيء يتوزع بالواسطة والمحسوبيات».
نصف سكان المخيم (البالغ عددهم بحسب إحصائيات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين –الأونروا- عام 2011، ما يزيد عن 25000 شخص) تركوا بيوتهم، بعضهم التحق بركب المعارضة السورية (200عائلة تقريباً، معظمهم من حماس)، وآخرون توجهوا إلى لبنان والأردن ومصر وتركيا والدول الأوروبية، ليُشكّلوا بحسب فادي (أحد العاملين في وكالة غوث –الأونروا) المصدر الرئيسي الذي أبقى أهالي المخيم على قيد الحياة فـ 80% من عائلات المخيم تعتمد على الحوالات المالية التي تصلها من اللاجئين في الخارج.
كما تقدم الأونروا، ومنذ بداية الثورة، مساعدات مالية وإغاثية وتعليمية وصحية لجميع الفلسطينيين على اختلاف انتماءاتهم (حتى المنتسبين للواء القدس)، وتصل هذه المساعدات عبر حوالات مالية إلى مركز حوالات «الهرم» في حلب، بمعدل 20 ألف ليرة للشخص الواحد، بالإضافة إلى مساعدات عينية وإغاثية.
يقول فادي «سابقاً كانت الأونروا تُقدم التعليم حتى إنهاء المرحلة الإعدادية، وكان هناك 118 مدرسة في سوريا بقي منها 42 حالياً، وبعض المعونات الغذائية لبعض العائلات الفقيرة، كانت تسمى «إعاشة» وهي عبارة عن مواد تموينية وحليب أطفال، وبعض الأدوية من خلال المستوصفات الصحية، إلّا أن الأمر اختلف الآن، معظم الفلسطينيين بحاجة إلى مساعدة والأونروا تقدم ما تستطيع».
أبو أسعد (أحد الفلسطينيين الذين يقطنون في مخيم أطمه بإدلب) قال إن وكالة الغوث ألغت التوكيلات القديمة التي فوّض من خلالها المهجرون الفلسطينيون أحد أقاربهم في حلب لاستلام المعونة المالية والعينية، وطالبوا بوكالات جديدة «بدهم ما يعطونا، بيعرفوا ما منقدر نروح عالنظام وانو بيعتقلنا، طيب يفتحولنا مكتب بادلب مثلاً!»، وتساءل أبو أسعد عن أسباب هذا القرار «إحنا ما شلنا سلاح بس إحنا ضد الأسد، ما بيعطونا، وبيعطوا لشبيحة لواء القدس!؟»
أما في مخيم حندرات (تأسس عام 1962 ويُسمى تجمّعاً، ولا يُعترف به من قبل الأونروا كمخيم) هدّمت طائرات الأسد والمعارك والاشتباكات التي حصلت ما يقارب 90% من منازل الفلسطينيين في المخيم (أكثر من ثلثيها مدمر كلياً). ومنذ استعادة قوات الأسد السيطرة على المخيم في 2016، لم يعد إليه سوى 80شخصاً (30 عائلة) من الفقراء الذين سكنوا في البيوت التي ما زال جزء منها صالحاً للسكن، يقول أحمد (أحد سكان المخيم) «حطينا حرامات على الشبابيك والبواب وعايشين، الأجارات غالية بحلب وبالنيرب وما عاد نقدر ندفع». وتحتاج للعودة إلى السكن في مخيم حندرات إلى موافقة أمنية من المختار (يجب أن يكون بعثياً)، ومسؤول لواء القدس في المخيم.
يبلغ عدد سكان المخيم بحسب الأونروا 6000 شخصاً، إلّا أن مصادر أخرى في المخيم رجّحت وجود أكثر من 8000فلسطينياً في المخيم، جميعهم أخرجوا من المخيم مع دخول فصائل الثورة السورية إليه في نهاية 2014، بحجة «التشبيح والموالاة للأسد». يقول أحمد «لم يكن في المخيم سوى 15 شخصاً يحملون السلاح مع النظام، خمسة منهم حزبيون أما الآخرون فكانوا من حثالة المخيم، وحين دخلت الفصائل المعارضة نادت في المساجد باجتماعنا وإخراجنا من المخيم جميعاً، وأخذت بعض الشبان للتحقيق معهم، وأخرجتهم بعد ذلك». اعتبر الكثير من أهالي المخيم ما حدث إهانة لهم، وتهجيراً جديداً يُضاف إلى رحلتهم الفلسطينية في اللجوء، ما شكل ردّة فعل ظهرت آثارها مباشرة، إذ ارتفع عدد من انضموا إلى لواء القدس في المخيم إلى 200 شخص، بعد أيام فقط من خروجهم.
مدخل مخيم النيرب
الفصائل الفلسطينية في حلب ودورها
حاولت معظم الفصائل الفلسطينية في بداية الثورة الوقوف على الحياد وعدم التدخل في الأحداث الجارية، إلّا أنه وبفعل انتشار الفلسطينيين في معظم الأراضي السورية وقربهم من الحدث، فرض عليهم التفاعل مع الاحتجاجات الشعبية. ويرى أبو زيد أن الفصائل الفلسطينية انقسمت منذ الأيام الأولى للثورة، إلّا أن القاعدة الشعبية كانت تقف إلى جانب الثورة السورية واستنكار القمع والتنكيل، مع المحافظة على الحياد الذي لم يستمر بفعل الكثير من الظروف التي سعى نظام الأسد إلى افتعالها، بدأها باتهام الفصائل الفلسطينية في درعا بتغذية الحراك هناك، واتهام بثينة شعبان لفلسطيني الرمل الجنوبي 2011 بإثارة الاضطرابات، واغتيال عدد من الضباط والجنود الفلسطينيين واتهام قوات المعارضة بقتلهم، بالإضافة إلى تقديم إغراءات مالية لبعض الفصائل للانضمام إلى الميليشيات التي شكّلها نظام الأسد آنذاك.
وانقسمت الفصائل الفلسطينية إلى:
-فصائل معارضة للأسد: لم يتغير موقفها منذ بداية الثورة، وسعت قوات الأسد بمساعدة لواء القدس إلى إنهائها كحركة حماس التي كانت تمثل ثاني أكبر فصيل فلسطيني (من حيث العدد) في مخيمي النيرب وحندرات، على الرغم من عدم وجود مكاتب رسمية لها في سوريا.
كان معظم أبناء حركة حماس (إسلامية التوجه) ومسؤوليها قد خرجوا من مخيم النيرب نهاية 2012، بعضهم قاتل إلى جانب فصائل المعارضة، وتركَ، للملتحقين بركب الثورة، حرية اختيار الفصيل الذي سينتمون إليه، ولذلك لم يكن هناك مركزية أو كتائب فلسطينية خالصة، كما ساهموا بتدريب بعض المقاتلين السوريين.
كان الموقف الرسمي لحركة حماس يقف «إلى جانب الشعب البطل الذي يسعى نحو الحرية والديمقراطية والإصلاح»، بحسب خالد مشعل (رئيس المكتب السياسي للحركة آنذاك) في شباط 2012، وتخلّت بذلك حماس عن علاقتها مع نظام الأسد وإيران وحزب الله، لتصبح «تاريخاً في سوريا»، على حد قول بشار الأسد في نيسان 2015 لصحيفة إكسبرسن السويدية «لا أعتقد أن الشعب السوري سيثق بهم مرة أخرى».
-فصائل مُقاتلة مع الأسد: لم تكن هناك في مدينة حلب فصائل مقاتلة مع قوات الأسد بشكل مباشر، وإنما تمّ ذلك عبر لواء القدس، إذ انضمّ عدد كبير من أبناء حركة (فتح أبو عمار، أكبر الفصائل الفلسطينية في مخيم النيرب) إلى لواء القدس، بينما انضم قسم آخر من الحركة إلى فصائل المعارضة وقاتلوا إلى جانبها في مختلف الفصائل، وشكّلوا كتائب (أكناف بيت المقدس)، وعملوا على تدريب الكثير من مقاتلي المعارضة.
اعتقلت قوات الأسد أكثر من 100 شخص من حركة فتح أبو عمار (قُتل بعضهم تحت التعذيب، وخرج آخرون مقابل مبالغ مالية دُفعت إلى لواء القدس)، إلّا أن «ناشطين في المخيم» فسّروا سبب انضمام القسم الأكبر من فصيل فتح أبو عمار إلى لواء القدس، بالرغم من عدائهم التاريخي لقوات الأسد، بأن «العداء لحماس كان أكبر بكثير من العداء للأسد، فحيث ما تكون حماس لا يمكن أن تكون فتح أبو عمار».
فتح الانتفاضة (تأسست على يد أبو موسى بدعم من حافظ الأسد 1983) الفصيل الأكبر في مخيم حندرات، والذي يضم أكثر من 500 شخص، انضمت معظم كوادرها إلى لواء القدس بعد الخروج من المخيم. يقول أبو زيد «قبل تهجير أبناء المخيم كانوا موالين للأسد، ولكنهم لم يحملوا السلاح مطلقاً».
القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل وطلال ناجي (زوج عمة أسماء الأسد) قاتلت إلى جانب الأسد منذ اليوم الأول من الثورة، إلّا أنها لا تمتلك قوة تُذكر داخل مخيمات حلب، وتتركز قوتها في دمشق.
تشييع قتلى في مخيم النيرب
-فصائل موالية للأسد (دون سلاح): وغلب على هذه الفصائل التوجه القومي اليساري، كان أبرزها الجبهة الشعبية (مؤسسها جورج حبش)، والجبهة الديمقراطية (مؤسسها نايف حواتمة)
انقلب موقف هاتين الجبهتين من الثورة السورية وحيادهم تجاهها (على الأقل)، على الرغم من تعاطف الكثير من كوادرهما مع الثورة في البداية، إلى عداء، وذلك بعد تحوّل الكثير من فصائل الثورة وتوجهها نحو الفكرة الإسلامية، على حد قولهم. يقول أحد كوادر الجبهة الشعبية رفض ذكر اسمه (المستلمين الجبهة بالنيرب، العشرة الكبار، ملحدين، كيف بدهون يتفقوا!»
ليس هناك أرقام دقيقة لعدد الضحايا الفلسطينيين في سوريا، ولكن تقارير صدرت عن «مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا» على موقعها الالكتروني نهاية عام 2017، وثقت 3250 شخصاً (منهم أكثر من 100 في مخيمي النيرب وحندرات) قضوا على يد قوات الأسد، واعتقال 1130 شخصاً، وموت 435 في المعتقلات السورية تحت التعذيب. وتُرجح مجموعة «إحصائية الثورة السورية» في تقاريرها الشهرية أن تكون الأعداد غير دقيقة، مع مراعاة (كافة طرق الإحصاء وتقاطع المعلومات وما تنشره الصفحات بالإضافة إلى تقارير الأمم المتحدة) وذلك لأسباب عديدة: منها التصفية السرية في المعتقلات، والمفقودين، وصعوبة التوثيق في بعض المناطق، ودفن العديد من الأشخاص مجهولي الهوية، ورغبة بعض ذوي الضحايا بعدم التوثيق لأسباب أمنية.
الجهاد الإسلامي (عبد الله شلح): والت الأسد ولم تُشارك في القتال، ويُتّهم الفصيل من قبل معارضين فلسطينيين «بمسك العصا من المنتصف»، فقد كان له دور إنساني وإغاثي، وتربطه بإيران علاقات قوية بالإضافة إلى توجهه الإسلامي، ولم يصدر عن الفصيل أي موقف سياسي حتى الآن.
«ربما ستشهد الأيام القادمة تحوّل لواء القدس إلى فصيل سياسي»، يضحك أبو السعد وهو يخبرنا أن من النادر أن تجد مُثقفاً أو مُتعلماً فلسطينياً موالياً للأسد، معظم الفلسطينيين معارضون للأسد، أما عن لواء القدس «فاسأل أهل المخيم عن منتسبيه، جُلّهم فلسطينيون حزبيون، وزعران المخيم، وبعض الباحثين عن لقمة العيش». يقول محمد أبو السعد (معارض فلسطيني سوري) لـ عين المدينة «لم يكن هناك ثقل وازن للفصائل الفلسطينية على الفلسطينيين في الساحة السورية»، فنظام الأسد (الأب –الابن) عمل على إفراغ هذه الفصائل من محتواها، وزجّها في خلافات ومعارك فكرية وسياسية، وانقسامات لا طائل منها، وعمل على انشقاق الكثير منها، وتشكيل بضعة فصائل تابعة لأجهزته الأمنية، وتنسيب معظم الفلسطينيين لحزب البعث، لتكون أداته دائماً في حساباته الداخلية وبازاراته الخارجية.
مضافة للواء القدس