- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
غسّان مسعود.. أستذة الهذر
يوحي دائماً لمن يرغب بإجراء مقابلة صحفية معه – ومقابلاته الصحفية كثيرة – أنه لا يقبل أسلوباً حوارياً عادياً، مشابهاً لأي أسلوب حواري مع نجم تلفزيوني، فهو مختلف عن سواه، باللغة والمصطلحات، بالهيئة، بالنظرة والعمق، بالتوجه والرأي، يعطي غسان مسعود نفسه هذا الشكل المختلف دائماً، لدرجة أن الجمهور العادي يخاطبه بـ "الأستاذ غسان مسعود" في حين يخاطبُ بقيةَ الفنانين بـ "الفنان" أو "الممثل"، وليس المقصود بالخطاب هنا لقاءٌ مباشر يجمع الجمهور به، بل القصد هو الحديث العابر الذي يجريه المشاهدون بعد حلقة في مسلسل تلفزيوني لعب فيه مسعود بطولةً ما، أو حتى حوار تلفزيوني معه، كان قد تفنن فيه بالحديث عن المسرح أو حتى السياسة.. في تلك الأحاديث العابرة، الجميع يسمّيه "الأستاذ".
أستذة غسان مسعود هذه نابعة من جدّية مفرطة تتلبّسه أينما حضر، دور واحد لا يلعب سواه هذا الفنان، هو ذاته في الحوار التلفزيوني، والإذاعي، وفي مسلسلاته أيضاً، التاريخية منها والاجتماعية، وعلى خشبة المسرح أيضاً.. لا تتغير هيئة الأستاذ أبداً، ولعل ذلك يترسّخ بشكل أكبر مع تقدّمه في العمر، وقيامه بأداء بطولات أعمال تلفزيونية تنال شهرة محلية في سوريا، تعمِّق من شخصيته هذه.
مقابلة مع السيد آدم، مسلسل تلفزيوني تدور حالياً كاميرا الجزء الثاني منه، وكان قد حقق هذا العمل في جزئه الأول، مزيداً من الأستذة للفنان في الدور الذي أداه، ولا نقول هنا مزيداً من النجومية، على اعتبار أن النجومية هي صفة عادية لفنان عادي. العمل لا يخلو من كوميديا غير مقصودة، إذا ما تابعته بعين ترى التفاصيل جليةً، فتجد أنه من الصعب بل المستحيل أن تقدّم عملاً تلفزيونياً بوليسياً مليئاً بالتشويق وأجواء الجريمة الضبابية، بأدوات سورية خاصة في 2020، سيكون ذلك مضحكاً للغاية بالتأكيد، ولن يكون نافعاً معه جدّية المحقق والضابط وعالم نفس الجريمة، حتى جديّة غسان مسعود بكل ما فيها من أخاديد في جبينه وعبوس في عينيه، لن تخلق ما يريده المسلسل. ولعل الجزء الثاني سيكون أيضاً مليئاً بمزيد من التفاصيل التي ستقف حائلاً بين العمل وبين ما يريده، لن تنفع مخافر الشرطة وسياراتها، والتجهيزات القديمة والفاكس وصور القائد بأن تجعلَ من قضيةٍ جرميةٍ قادرةً على التشويق واجتراع الدراما وصناعة الفن، فمواكبة نتفلكس والحداثة في صناعة التلفزيون لا يمكن أن تخرج من هذا المعمل أبداً، مهما حاولت كوكبة صناع الدراما وعلى رأسهم غسان مسعود بأعمق ما لديه من مصطلحات.
جرأةٌ ما منحته إياها نجوميته في العمل، أو ربما منحته إياها ظروف البلاد التي لا بدَّ ضاق الكثيرون ذرعاً بها حتى من أولئك المقتدرين على تدبّر أمورهم كطبقة الفنانين أو الأساتذة التي ينتمي إليها مسعود، جرأة جعلته يطالب في حواراته بمحاسبة الفاسدين، بل وبزوال من لا يستطيع تحسين أوضاع البلاد، وربما بعد الموسم الثاني سيتجرأ على تسمية المسؤولين بأسمائهم، إذا ما حقق العمل له مزيداً من الأستذة والقدرة على طرح الرأي بجرأة أكبر، وعلّه سيعتذر عن دموعه المبكّرة أمام رافي وهبي بعد سؤال المسرحي العراقي جواد الأسدي له "أين ستحمل بلادك؟" بعد ما مرت به سوريا سنة 2012، في مشهد جمع فيه مسعود كافة إمكانيته المسرحية والتلفزيونية والأستذية، وعبّر عن خوفه حينها على بلاده، وغاص عمقاً في الثقافة ليكون بعيداً عن الإدلاء برأي سياسي مباشر، فهو أكبر ثقافة من أن يقول ما يقول سواه، أو أن يصنَّفَ كما يصنَّفُ العاديون بموالاة أو معارضة، فهو "ابن ثقافة الشك" كما عبّر حينها، ليصل بعد سلسلة تعميمات وتهويمات فلسفية إلى القول: على المعارضة أن تكون واقعية وعليها أن تمتحن الدولة بالحوار.
غسّان الأستاذ، الذي كلما أجري معه حوارٌ صحفي اعتذر عن قلة حضوره في الحوارات، يحضّر مزيداً من الفن، رغم كل ما تمر به البلاد من مآسي سيكون مصرّاً على الاستمرار بالفن من محض إيمانه برسالة الفن، على الخشبة وفي الشاشات كبيرها وصغيرها، وسيكون جاهزاً دائماً لإجراء حوارات تثير جدلاً على مستوى سوريا.. جدل قد يصل فيه الفنان الأستاذ إلى القول، على المقاتلين لأجل أية قضية في هذه البلاد أن يستريحوا.