- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
عقلية الأخذ بالثأر تعود إلى السويداء بسبب تنامي العصبيات العائلية
ارتفعت حدة التوترات والحوادث الأمنية الناجمة عن نزاعات عائلية خلال الفترة الماضية في محافظة السويداء، فشهد شهر نيسان وحده ثلاثة نزاعات على الأقل. عودة العصبيات العائلية إلى السويداء تسببت بلجوء الأهالي إلى اقتناء أو إشهار السلاح وإلى التمسك بالتكتل العائلي لتحصيل حقوقهم بالقوة، بالتوازي مع غياب دور القضاء والضابطة العدلية وتزايد معدل الجرائم بشكل مطرد منذ العام 2014. صارت القناعة السائدة مع الأيام أنه لا حماية للفرد دون انتماء عائلي أو مناطقي، وعند حصول أي نزاع بين فردين يفضي بشكل آلي إلى نزاع بين عائلتين.
ولعل أهم العوامل التي ساهمت بتخلي النظام المقصود عن ضبط الوضع في المنطقة، هو الرفض الشعبي الذي شهدته المحافظة لأداء الخدمة الإجبارية في صفوف قوات النظام، وبروز فصائل محلية مسلحة تبنت حماية المطلوبين للخدمة، والضغط بالقوة على النظام لأسباب سياسية أو عند اعتقال أي شخص من أهالي المحافظة للخدمة لإخلاء سبيله. يضاف إليها انتشار عصابات الجريمة المنظمة في المحافظة، التي كانت تخطف ضباطاً أو عناصراً للنظام عند توقيف أحد أفرادها، بغية إجراء عمليات مقايضة.
وبحسب الصحافي ريان معروف مدير تحرير موقع "السويداء 24"، فقد شهدت مدينة السويداء قبل أسبوعين نزاعاً بين عائلتي رضوان والشاعر، لا تزال تداعياته مستمرة حتى اليوم، في ظل فشل الوساطات المحلية بإيجاد حل. وأضاف معروف لعين المدينة، أن المشكلة بدأت باستهداف شخص من آل الشاعر لآخر من آل رضوان بعيارات نارية سببت له إصابات خطيرة، وذلك على إثر خلاف سابق بينهما. وتابع أن مسلحين من آل رضوان هاجموا على إثر الحادثة محلات تجارية لمواطنين من آل الشاعر في مدينة السويداء لا علاقة لهم بالحادثة، وأصابوا مدنياً بالرصاص فقط لكونه يحمل اسم العائلة نفسها. كما نصب المسلحون حواجز ودققوا على الهويات بحثاً عن أي شخص من عائلة غريمهم.
وما تزال الأوضاع متوترة رغم إصدار العائلتين المتنازعتين بيانات أكدتا فيها على صلة القرابة والعلاقة المتينة التي تربطهما، وطالبتا الأجهزة الأمنية والقضاء بأخذ دورهما في توقيف المسببين للحادثة. في حين طالب آل رضوان بتسليم مُطلق النار من آل الشاعر إلى القضاء، بينما رد آل الشاعر أن مسؤولية ملاحقة الجاني يجب أن تكون على عاتق الجهات الأمنية، ولأن الأخيرة غائبة عن المشهد تماماً فقد استمرت ردود الفعل العشوائية المبنية على العصبيات العائلية حتى الساعة.
في ذات السياق شهدت بلدة عريقة في ريف السويداء الغربي قبل أسبوع، نزاعاً بين عائلتين وفق مصدر محلي في البلدة. واستكمل المصدر الذي طلب إغفال اسمه لأسباب أمنية، أن ممثلين عن مشيخة عقل الطائفة الدرزية تدخلوا في محاولة لإجراء صلح بين العائلتين، بعدما بدأ الخلاف بشجار بين فردين لأسباب مادّية، وتطور إلى مشاكل بين عائلتيهما.
ولسد فراغ غياب القضاء عن المحافظة تشكّلت هيئات أهلية ودينية، مثل "لجنة حل النزاعات في دار الطائفة الدرزية". وتعتمد الهيئات المحلية والدينية على الشرع والأعراف والتقاليد لحل النزاعات وتسويتها، كإجراء الصلح العشائري ودفع الدية وغيرهما من الحلول التي تلجأ إليها اللجان القضائية السورية عادة. ولكن مع غياب القوة التنفيذية لدى مثل هذه الهيئات، واعتمادها على مدى إقرار الأطراف بها واحترامهم لأحكامها، يبقى دورها محدوداً يعالج النتائج في المدى القريب، دون أن تملك السلطة والقوة الكافية لمنع نزاعات أخرى مشابهة في المستقبل.
وعزا الناشط المدني يوسف الصفدي عودة عقلية الأخذ بالثأر إلى الفشل والعجز الذي وصلت إليه مؤسسات الدولة على جميع الصعد، وسياسات النظام المقصودة في تغييب المؤسسات الأمنية والقضائية عن لعب دورها الحمائي للمجتمع، إضافة إلى تأليب عناصره بعضهم ضدّ بعض بسياسات تفريقية، ونشر السلاح وتسهيل الوصول إليه لفئات عدة من المجتمع وخاصة فئة الشباب. واستدرك الصفدي أن سياسة النظام التي تحدث عنها تأتي تحت وطأة الوضع المعيشي القاهر وانتشار المخدرات وزعزعة المنظومة الأخلاقية، بحيث يصبح الصراع أفقياً ما بين مكونات المجتمع عشائر وأفراد.
وأضاف الصفدي لعين المدينة "حين تفشل الدولة بمؤسّساتها السياسية والاجتماعية والقضائية، وتصبح عاجزة عن لعب دورها الحمائي المنوط بها، فمن الطبيعي أن يعود مواطنها للبحث عن جهة أخرى يلجأ إليها كي تؤمّن له الحماية خارج إطار الدولة، كالعائلة والقبيلة أو العشيرة والطائفة، أو ميليشيا أو عصابة تعمل خارج إطار القانون وربما فوقه، ولا تطالها المحاسبة في غياب القانون أو تغييبه".
لطالما تجنب النظام السوري التصعيد ضد المحافظة، وكان في معظم الحالات يرضخ للضغوط التي يتعرض لها لإطلاق سراح الموقوفين أو المعتقلين. وفسّر أيهم أبو عسلي وهو ناشط من أهالي المحافظة، هذا الرضوخ من النظام بعدم رغبته في حصول أي تصعيد مع أهالي المحافظة، وتجنب الدخول في مواجهة مفتوحة كي يحافظ على ورقة الأقليات التي يدّعي حمايتها.
ولفت أبو عسلي في حديث لعين المدينة، أن مسؤولي النظام وخلال أي اجتماع يبحث تدهور الأوضاع الأمنية مع وجهاء المحافظة، يطلبون رفع الغطاء الشعبي عن المطلوبين للخدمة العسكرية مقابل عودة دور السلطات الأمنية والقضائية. ولخص الناشط قائلاً "النظام يريد الملف الأمني في سلة واحدة، ويرفض ملاحقة المطلوبين الجنائيين بمعزل عن المطلوبين للخدمة، وهذا ما يشكل نقطة رئيسية هامة".