- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
عام دراسي متعثر في إدلب ومبادرات محلية لإنقاذه
يعود خريج كلية التربية محمد الضعيف من مكتب إحدى المنظمات الإنسانية في ريف إدلب الشمالي بعد أن قدم طلب عمل في مجال الصحة النفسية، وذلك بعد انقطاع رواتب المعلمين مع بدء العام الدراسي الحالي.
محمد الضعيف (42 عاماً) معلم في المرحلة الابتدائية في إحدى مدارس ريف إدلب الجنوبي، كان يتقاضى راتباً شهرياً قيمته 120 دولاراً لقاء التدريس مع مديرية التربية والتعليم التابعة للحكومة المؤقتة في إدلب. لكن مع بدء العام الدراسي الحالي تم إبلاغه بتوقف الدعم المالي للقطاع التعليمي، فزاول التدريس بشكل مجاني لفترة من الزمن قبل أن يتوقف للبحث عن عمل جديد يؤمن القوت لعائلته.
يقول الضعيف لعين المدينة: "لم يكن الراتب الشهري الذي كنا نتقاضاه يكفي لأكثر من نصف شهر، فنضطر للاستدانة لتغطية نفقات النصف الثاني منه، ومع ذلك كنا نلتزم بالدوام من أجل الحفاظ على استمرار العملية التعليمية وعدم تسرب الطلاب. لكن مع مرور ثلاثة أشهر دون الحصول على مقابل مادي لم يعد بالإمكان الاستمرار بالعمل". وأضاف الضعيف "بدأت تقديم طلبات عمل لدى المنظمات الإنسانية الناشطة في المنطقة حيث تعرض عشرات الوظائف بشكل يومي، لكنني لم أحصل على وظيفة حتى الآن. وقد باشرت العمل في البناء مع أحد أقربائي من أجل تحصيل مدخول يومي يمكنني من تأمين قسم من حاجيات المنزل بانتظار الحصول على مدخول آخر".
وبعد توقف مديرية التربية والتعليم في محافظة إدلب عن دفع رواتب آلاف المعلمين في الشمال السوري نتيجة توقف برنامج كومنكس عن دعم القطاع التعليمي في ريف إدلب بسبب سيطرة هيئة تحرير الشام على المحافظة، بات الكثير من المعلمين يجدون صعوبة في تأمين قوتهم اليومي، خصوصاً في ظل موجة النزوح والغلاء التي تصيب الشمال السوري نتيجة الحملة العسكرية السورية.
وكانت "كومنكس" توقع عقوداً سنوية لمدة تسعة أشهر لتلبية حاجات المدارس ودفع رواتب المدرسين، لكنها أبلغت المعنيين هذا العام أنها لن تجدد عقودها، دون إبداء الأسباب. كيمونيكس (chimonics) شركة أمريكية تعمل في التنمية الدولية وتتسلم منحة المفوضية الأوروبية المقدمة لمديريات التربية في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد في شمال غرب سوريا، كانت تدعم 7200 معلم براتب شهري 120 دولاراً والإداريين ب130 دولاراً.
وأدى انقطاع الرواتب إلى توقف عدد كبير من المعلمين عن الذهاب إلى المدارس لتعليم التلاميذ بسبب اضطرارهم إلى البحث عن عمل جديد يؤمن دخلاً لهم، ما أدى إلى تسرب آلاف الطلاب وتوقف عدد من المدارس عن العمل تماماً، فيما آثر قسم من المعلمين مواصلة العملية التعليمية بشكل مجاني خوفاً على مصير الطلاب.
الطالب محمد الكامل (14 عاماً) من مدينة إدلب يعمل حالياً في أحد المحال التجارية في المدينة بعد أن رفض الذهاب إلى مدرسته هذا العام بسبب توقف قسم كبير من معلميه عن الحضور. يقول الكامل: "بتنا نفضّل البحث عن عمل من أجل مساعدة أهلنا بدل الذهاب إلى المدرسة التي لم يعد فيها التزام بسبب تسرب الطلاب والمعلمين، وعدم وجود أعداد كافية من الكتب واللوازم المدرسية. خلال الشهر الأول من الفصل الدراسي لم أتلقَ أكثر من 10 حصص مدرسية".
وأضاف الكامل "حصلت على عمل في أحد المحال لبيع المواد الغذائية حيث أحصل على 1300 ليرة يومياً، وهو مبلغ أساعد فيه عائلتي في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة. لم أعد أرغب في الذهاب إلى المدرسة في ظل الأوضاع الحالية لأن الذهاب بات مضيعة للوقت".
وفي إدلب، تعتبر مديرية التربية والتعليم التابعة للحكومة المؤقتة المسؤولة الأولى عن ملف التعليم في المحافظة لجهة رفد المدارس بمستلزمات التعليم، وتسليم المعلمين رواتبهم بشكل شهري. كما تقوم بعض المنظمات السورية المدعومة من منظمات أوروبية بتنفيذ مشاريع تعليمية مثل بناء مدارس خاصة بها وتأمين الكوادر التدريسية لها شرط التنسيق مع مديرية التربية والتعليم.
مصطفى حاج علي مدير المكتب الإعلامي في مديرية التربية والتعليم، قال لعين المدينة: "تشرف مديرية التربية والتعليم على 1167 مدرسة وتؤمن التغطية الإدارية لها. عدد المعلمين الذين كانوا يتلقون الرواتب من مديرية التربية والتعليم 7200 معلم في مختلف الاختصاصات ومختلف المشاريع، والعقود التي كان يتم إبرامها هي لمدة 9 أشهر". وأضاف حاج علي: "هذا العام تم إخطارنا بتوقف المنحة التي تقدم للعملية التعليمية في إدلب من قبل المنظمة الداعمة للتعليم بشكل مفاجئ، وقد أثر هذا الأمر بشكل كبير على التعليم الذي بات مهدداً بشكل مباشر. نسعى الآن إلى تامين مصدر بديل للدعم من أجل إعادة العملية التعليمية إلى مسارها".
وفي سبيل دعم العملية التعليمية في الشمال السوري، عمل بعض النشطاء على تقديم دعم رمزي للمعلمين الذين يواصلون عملهم بشكل مجاني لتشجيع استمرارهم، من خلال جمع مبالغ مالية من المغتربين والميسورين في القرى والمناطق المحررة وتقديمها للمعلمين شهرياً.
يقول فيصل السليم، وهو أحد القائمين على هذه المبادرات الصغيرة لدعم المدرسين: "قمنا بجمع تبرعات في الدانا بريف إدلب الشمالي ثم وزعنا مبلغ 30 ألف ليرة لكل معلم مع سلة غذائية قامت إحدى المنظمات الإنسانية بمنحها للمعلمين تشجيعاً لهم على تسيير العملية التعليمية دون الحصول على أجر مادي (من جهة رسمية)". وأضاف "نحاول الحصول على دعم مالي من خلال طرق أبواب التجار والمغتربين والأغنياء بهدف توسيع عملية دعم المعلمين في هذه الفترة الصعبة لضمان استمرار التعليم على الأقل حتى نهاية الفصل الدراسي الأول، ومنع عملية تسرب المعلمين والطلاب التي تهدد مستقبلهم".
من جهته يقول أستاذ اللغة العربية هشام كسار، وهو يعمل دون مقابل مادي في إحدى مدارس منطقة جبل الزاوية: "أعمل كمدير للمدرسة منذ بداية العام، وأحاول حث المعلمين على الاستمرار بالعمل بشكل مجاني حتى يتم تأمين دعم، وأحاول منع الطلاب من التسرب من خلال ضبط العملية التعليمية". وأضاف" قمت ببيع بعض قطع من الذهب المتبقية لعائلتي، ولجأت إلى استدانة مبالغ مالية من أحد اقربائي من أجل تأمين مصاريف الشتاء، في ظل عدم حصولنا على أي مبالغ مالية مقابل عملنا، مع استمرار ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وصعوبة المعيشة".
وفي ظل الرغبة الملحة للأهالي باستمرار تلقي أولادهم التعليم، يقوم قسم منهم بإرسال أولادهم إلى معلمين خصوصيين لتلقي التعليم للمرحلة الابتدائية مقابل أجر مادي شهري، في حين يتلقى تلاميذ المرحلة الثانوية دورات في معاهد خاصة مقابل مبالغ مالية تختلف حسب نوع الدورة، لتجنيبهم شبح الانقطاع عن التعليم.
ديمة العبد الله (28 عاماً) خريجة كلية المناهج وطرائق التدريس في جامعة حلب، تعيش في منطقة أطمة على الحدود السورية-التركية. تقول: "عرض بعض الأهالي علي تدريس أبنائهم داخل منزلي مقابل دفع 10 آلاف ليرة كل شهر عن كل تلميذ فوافقت. أقوم الآن بتدريس 12 طالباً من خلال إعطائهم جلسات دراسية لمدة 5 أيام في الأسبوع". وتضيف "يعاني الطلاب من تراجع كبير في قدرتهم على فهم المناهج الدراسية بسبب انقطاعهم المتكرر عن التعليم خلال السنوات الماضية، لذلك أعمل على إعادة تدريس المنهاج منذ البداية من أجل تنمية قدراتهم على التعلم".
مع انقطاع الدعم من قبل بعض المنظمات الداعمة للتعليم، تم إغلاق عدد من المدارس في إدلب، وأضحى أكثر 57200 طالب يتبعون لمديرية التربية في إدلب بالإضافة إلى 7000 طالب وطالبة نازحون من حماة إلى إدلب، جميعهم مهددون بالتسرب والتشرد والجهل، بسبب انقطاع كافة أشكال الدعم عنهم وعن مدارسهم ومعلميهم، إلى جانب تخصيص الكثير من المدارس لاستقبال النازحين من جنوبي إدلب بعد حملة النظام الأخيرة وقصف الطيران الروسي المرافق لها
بعد القصف لمدرسة في إدلب - عدسة الكاتب