من الأرشيف البصري لمؤسسة بصمة
قد لا يكون عدم انتماء النظام السوري لحضارة سورية نابعاً فقط من تشويه ثقافتها، وتعميم ثقافة العنف، والتحريض المذهبي، والطغيان على كل مظاهر الحياة، بل هو أيضاً نابع من حربه مع الأثر الحضاري وسهولة استهدافه للمدن التاريخية والقلاع والحصون، واستغلالها في جميع أعماله الحربية، وسهولة فكرة تدميرها بنظره. لم يتم حتى الآن تقديم وثيقة واضحة بأرقام وإحصائيات عن مدى الدمار الذي تعرضت له آثار سورية بالقصف أو السرقة أو تغيير المعالم. وتبقى الشواهد العامة على ذلك هي تلك المقاطع التي صورت انهيار الجسر المعلق في دير الزور ومئذنة الجامع الكبير في حلب والجامع العمري في درعا وقصف حصون قلعة المضيق، إلا أن ما لم يتم تصويره قد يكون أكثر رعباً من الجانب الحضاري.
وبجولة بسيطة بين المحافظات السورية يمكننا إجراء توثيق تقريبي ومبسّط للدمار الحضاري:
ـ في حمص: تعرضت القلعة لدمار وحوّلها النظام في فترة من الفترات إلى حصن لدباباته، بينا تعرضت كنيسة أم الزنار التاريخية التي يعود بناؤها إلى 59 ميلادي للدمار، وكذلك قصر الزهاوي وبعض من آثار تدمر. ولم تسلم أي حاضرة تاريخية في المحافظة من صواريخ النظام.
ـ في حلب: انهارت مئذنة الجامع الأموي الكبير. واستخدمت القلعة في أهداف حربية، ولم يتم توثيق خسائرها حتى الآن. ودمرت الكثير من أسواق المدينة القديمة. بينما تعرضت المدن المنسية التي يفوق عددها 700 إلى دمار ونهب بين كلي وجزئي.
ـ في دير الزور: تم تدمير الجسر المعلق وهو أشهر معالم المدينة. بينما تعرضت حلبية وزلبية لنهب. إضافة إلى الكثير من المناطق الأثرية في المدينة.
ـ في حماه: تعرضت قلعة المضيق لدمار في أسوارها. كما تم نهب وتدمير مساحة كبيرة من مدينة أفاميا الأثرية.
ـ في درعا: دمرت مئذنة الجامع العمري.
وتعرضت مدينة بصرى الشام الأثرية لدمار جزئي.
ـ في إدلب: يبلغ الدمار ذروته في كافة المناطق الأثرية في المحافظة الأكثر غنى بالآثار. فمدينة معرة النعمان مثلاً تعرضت أسواقها القديمة ومتحفها وتمثال شاعرها للدمار، إن لم يكن بصوريخ النظام فبإهمال وغوغائية بعض مقاتلي الكتائب المعارضة الذين حرمهم نظام الأسد من فهم معنى الأثر الحضاري.
ـ في ريف دمشق: يقول أحد الناشطين في الغوطة الشرقية إن أي أثر حضاري في المنطقة قد تم محوه تماماً.
ولا يخفى على أحد أن ورشات التنقيب تعمل في الأشهر الأخيرة بكثافة، خاصة في المناطق الحربية، حيث يتم تهريب الآثار وبيعها وبمسؤولية مباشرة لعدد من ضباط الأمن والجيش السوري. ففي درعا مثلاً ما زال التنقيب مستمراً في الطريق الواصل بين القلعة والسوق الأرضي (المعروف محلّيّاً باسم: المَغارة) الواقع غربي القلعة بسبعة مئة متر، وهذا الطريق يمتلئ بالأتربة والحجارة بسبب عوامل الطبيعة، كما يتم الحفر عند البرج الثالث، بحثاً عن إحدى الغرف السرية القديمة، التي تشير المعلومات إلى أنها تمتلئ بالكنوز. ويشير تقرير منظمة "غلوبال هيرتج فند" عن وضع الآثار في سورية بأنها تدمر بثلاثة مسببات، أولها التعرض للقصف، وثانيها الاستخدام كمواقع عسكرية، وثالثها عمليات النهب. بينما تقول هيلغا سيدان، عالمة الآثار في الجامعة الأميركية في بيروت:
"بناء هذه المواقع التراثية في أوقات السلم يتطلب الكثير من الوقت والجهد، لكن للأسف تم تدميرها أسرع بكثير مما استغرق بناؤها".
تقع الآثار والحصون السورية، التي تعتبر شواهد عالمية على مختلف مراحل التاريخ، تحت وطأة السلاح.
فالقلاع والمآذن والمتاحف التي كانت عصية على العوامل الجوية باتت سهلة أمام القوى الجوية..
هكذا تنهب حضارة سورية وتدمر بشكل مباشر. فالنظام الذي احتكر هذه الحضارة عشرات السنوات من السهل عليه بيعها بأرخص الأثمان، وتدميرها قبل أن يفقد صور زعمائه على جدرانها.