- الرئيسية
- مقالات
- ملف
سلوك وما حولها..سيرة بعث وثورة متعثرة وجهاد وكومينات
في هذا الملف تتوقف «عين المدينة» عند محطات من تاريخ منطقة سلوك بريف الرقة، من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتحاول أن تروي حكايتها مع السلفية الجهادية، وأن تقف على واقعها وأحوال أهلها اليوم، وتعرض مواقف بعضهم مما يجري تحت سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وإدارته الذاتية.
شمال الرقة بنحو 75 كم تقع ناحية سلوك التي تضم، إلى جانب البلدة أو مركز الناحية، أكثر من 300 قرية ومزرعة وتجمع سكاني صغير، ممتدة على مساحة شاسعة بين مدينتي تل أبيض ورأس العين من الغرب إلى الشرق، والحدود التركية وطريق حلب الحسكة من الشمال إلى الجنوب. يقدر عدد سكان الناحية بـ77 ألف نسمة، وعدد سكان مركزها بلدة سلوك بـ24 ألفاً.
يتحدر غالبية سكان المنطقة من قبائل (طي؛ جيس؛ النعيم؛ البقارة؛ عنزة) العربية، إضافة إلى التركمان في بعض القرى. ويعود تاريخ نشأتها الحديثة، حسب مرويات شفوية، إلى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، حين استقرت بعض العائلات قرب نبع ماء جار في سلوك وامتهنت الزراعة إلى جانب مهنتها الأصلية في تربية الماشية. وقوع سلوك على ما يعرف بـ«خط العشرة» غزير الأمطار، وتربتها الخصبة، شجعا ظاهرة التحول إلى الزراعة بشكلها البعلي، خاصة في النصف الأول من القرن العشرين. وحسب ما يروى أيضاً، أُسس أول مخفر في المنطقة عام 1954، ثم أول مدرسة ابتدائية عام 1962. ولعل الصدفة التي جلبت معلّمَين بعثيين إلى هذه المدرسة، أحدهما من السويداء والآخر من درعا، كانت سبب الحضور المبكر لحزب البعث، ثم انتشاره واتساع تأثيره بعد توليه السلطة في آذار 1963. لعب البعثيون الأوائل آنذاك أدواراً هامة في تطوير الزراعة عبر قوانين الاستصلاح الزراعي والتأميم وجمعيتهم الفلاحية التي أسسوها عام 1966 –رغم مآخذ كبار الملاكين – فضلاً عن دورهم في التشجيع على التعليم، ما جعل نسبة الخريجين الجامعيين لاحقاً في سلوك أعلى منها في البلدات المجاورة. وإلى جانب التعليم والزراعة استطاع البعثيون التأثير على الرأي العام وربطه بقضايا السلطة البعيدة في دمشق وأدبياتها، إلى درجة أن شباناً من البلدة تطوعوا وحفروا خنادق دفاعية حولها استعداداً لمعركة لن تأتي أبداً مع العدو الصهيوني الذي احتل الجولان وقتها وألهب -باحتلاله هذا- الحماسة والرغبة العارمة في القتال لدى بعثيي سلوك، على وقع أغنيات الحرس القومي والفدائيين الفلسطينيين. خلال ثلاثين عاماً من سلطة البعث بعد ذلك تغيرت سلوك وتغير بعثيوها وأغنياتهم من «يا يما اعطيني البارودة»، وقت حفر الخنادق أواخر الستينات، إلى «وردة وردة عالقطن تعالي» وقت الاحتفالات بحضور أمناء فرع الحزب الزائرين أواخر التسعينات.
بعد عامين أو ثلاثة من انقلاب حافظ الأسد عام 1970 غار نبع الماء و تلاحقت سنوات الجفاف. ثم ألقي القبض على كثير من حفاري الخنادق الدفاعية بتهمة الولاء لليمين العراقي، وقضى بعضهم سنين طويلة في السجون. وتزامن ذلك مع خروج الدفعات الأولى من أبناء المنطقة بحثاً عن فرص عمل في الأردن ثم لبنان بعد انهيار الزراعة.
مطلع الثمانينات سمح بحفر الآبار الارتوازية فتحسنت الأحوال قليلاً، إلى حين صدور قانون الاستثمار رقم (10) والقوانين اللاحقة أول التسعينيات، والتي دفعت باتجاه اقتصاد السوق، ما ضاعف تكاليف الإنتاج الزراعي وأثقل بالفعل كاهل الفلاح الذي لجأ إلى الاقتراض من المصرف الزراعي، ثم التواكل عليه من موسم إلى آخر، ليتحول الفلاحون في النهاية إلى ما يشبه الأجراء في أراضيهم، مشغولين دوماً بالتملص من سداد القروض وتهريب محاصيلهم أو أجزاء منها إلى خارج دورة التسويق الحكومية المفروضة. لتتجدد، في سنوات حافظ الأسد الأخيرة، ظاهرة العمالة في لبنان. أما في عهد بشار فأتاحت «مسيرة تحديثه وتطويره» أبواب اقتراض جديدة تحت عناوين مكافحة البطالة ودعم التنمية وتمكين المرأة الريفية وغير ذلك من فرص برع كثيرون في اقتناصها دون سداد لاحق، ولم ينفذ بالطبع شيء من هذه المشاريع على أرض الواقع.
الجهاد في مخفر الزيدي
في النصف الثاني من التسعينات كان ابن قرية الكنيطرة التابعة لسلوك، هادي العكال، طالب ثانوية شرعية في مدينة الرقة عندما سمع بالشيخ سالم الحلو (انظر «الرقة وتحولاتها» في العدد 93 من «عين المدينة») وأعجب بدعوته السلفية بعد دروس قليلة. وعندما انتقل العكال إلى دمشق للدراسة في كلية الشريعة تعرف على دعوة سلفية أخرى في حلقات خارج الجامعة خلقت وعيه الجهادي الخاص. ويقال إن هذه الحلقات الصغيرة وشبه المغلقة غذت فئة سلفية ضئيلة كانت ضمن من ذهبوا للقتال في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، فيما بقي هادي في سورية ليتم دراسته ويبزغ نجمه في الأوساط الجهادية النظرية الضيقة، نظراً لما تمتع به من جدل وقدرة عالية على الحفظ وبراعة في تقليد قرّاء مشهورين. وحتى ذلك الوقت لم يكن له أي تأثير في قريته أو في مجتمع سلوك الأوسع، لكن حادثة وقعت في حزيران 2008، كان بطلها، أسمعت الكثيرين من أبناء المنطقة باسمه وربما بالسلفية الجهادية لأول مرة. حين حرّض على عملية خرقاء نفذها 6 من أقاربه انطلقوا على ثلاث دراجات نارية تجاه مخفر قرية الزيدي (50 كم جنوب شرق سلوك) وأسروا الشرطي الوحيد المداوم يومها وقيدوه واستولوا على أسلحة المخفر ثم لاذوا بالفرار. ألقي القبض على المجموعة بعد ساعات، وسيق هادي والآخرون إلى سجن صيدنايا بعد رحلة تحقيق طويلة في أفرع المخابرات، ولم يخرج منه إلا بعد الثورة مساقاً إلى الخدمة العسكرية في درعا، لينشق هناك ويمكث لأشهر في بلدة تسيل. لم يرجع العكال إلى سلوك إلا أول خريف 2012، بعد تحريرها وتحرير تل أبيض التي أسس فيها هيئة شرعية مستقلة نافست، بحضوره المؤثر، هيئة شرعية أخرى كانت قد أسستها جبهة النصرة، قبل أن يقتل في شباط 2013 في ظروف غامضة تعددت فيها الأقوال. فيما تأخر خروج «أولاد دعوته» حتى آذار 2013، مع تحرير سجن الرقة الذي نقلوا إليه.
هادي العكال
حادثة أخرى من الطابع نفسه وقعت في عام 2006، قتل فيها مسؤول منطقة سلوك في المخابرات العسكرية، المساعد أول أحمد حسنة، على الطريق بين تل أبيض وسلوك، وسجلت في النهاية ضد مجهولين رغم بعض الشبهات التي حامت حول ابن عم بعيد لهادي العكال هو خلف ذياب الحلوس. الذي سيكون له، رغم تواضع تحصيله العلمي (ابتدائية) وعصبيته، تأثير كبير في مجريات الأحداث بعد اندلاع الثورة، ربما يعود إلى صلات جهادية خاصة أقامها خلال عمله في الخليج قبل أن يطرد، ومتّنها في العراق حتى عاد في 2005
من كتيبة القادسية إلى داعش
لم يعرف في منطقة سلوك قبل الثورة أي سلفي جهادي سوى هادي العكال وخلف الحلوس وشابين أو ثلاثة من أقاربهما تأثروا على البعد بهادي. إضافة إلى شخصين آخرين ذهب أولهما إلى العراق وعاد سلفياً منطوياً على نفسه، وآخر، وهو معلم مدرسة، اعتقل لعدة أشهر. سينخرط بعض هؤلاء بعد اندلاع الثورة في كتيبة القادسية التي تأسست باتحاد عدد من المجموعات في شباط عام 2012. ولسوء حظ هذه الكتيبة تولى فيصل البلو، ابن تل أبيض المجاورة وأحد سجناء صيدنايا المطلق سراحهم، قيادتها، إلى جانب قائدين آخرين قتل أولهما، وهو معلم المدرسة السلفي المذكور سابقاً، بعد أيام من تأسيسها، وقتل الآخر بعده بقليل. ساير البلو مقاتلي القادسية بتبنيه الظاهر لعلم الثورة، قبل أن يجرّهم بالتدريج نحو حركة أحرار الشام طمعاً بالاستفادة من دعمها المالي، مخفياً ميوله الحقيقية نحو جبهة النصرة حديثة الولادة –نهاية 2011- آنذاك في دير الزور. وإلى هناك كان خلف ذياب الحلوس دليله إلى الشرعي العام السابق لجبهة النصرة أبو ماريا القحطاني، فبايعه سراً وعاد برفقة ثلاثة أشخاص أرسلهم الأخير، هم أبو محمد الجزراوي كشرعي، وأبو أنس العراقي وأبو عبد الله الديري، علي موسى الشواخ، كأمنيين، فيما تولى هو، بتعيين من القحطاني، إمارة المنطقة. شكل الخمسة الخلية الأولى للنصرة في محافظة الرقة، واتخذوا من هيئة شرعية أسسوها غطاء لهم، ومن قرية «بير محيسن» القريبة من سلوك مقراً ومعقلاً. وظل البلو قائداً للقادسية التي أخذت تتآكل بتأثير منه ومن رفاقه الآخرين لصالح جبهة النصرة، إلى أن انحلت الكتيبة بعد تحرير مدينة تل أبيض في أيلول 2012، وحينها أسفر البلو عن وجهه الحقيقي وأعلن بيعته السابقة لجبهة النصرة. فالتحق الجزء الأكبر من عناصر الكتيبة بالجبهة، فيما انضم الباقون إلى حركة أحرار الشام.
أبو محمد الجزراوي
في الأشهر السابقة على تحرير سلوك ثم تل أبيض، في شهري آب وأيلول 2012، بنت جبهة النصرة سمعة أكبر من حجمها الحقيقي الذي يقدره بعض أبناء المنطقة المعايشين للأحداث بنحو (20-30) عنصراً فقط، لكن البطش والجرأة على القتل والتنظيم الذي تمتع به هؤلاء، فضلاً عن العمل الأمني المنظم، عززت من صورتها كفصيل ذي وزن. عامل آخر أسهم في تعميق حضور النصرة هو هيئتها الشرعية ذات الأحكام القاسية على جنود جيش النظام المستسلمين وعلى مختطفين بتهمة التشبيح ظلماً وحسب هوى الحلوس المهووس بالخطف والتربص بالموظفين الحكوميين على الحواجز شمال مدينة الرقة قبل أن يرموا في حفرة الهوتة السحيقة (انظر «الهوتة» لأحمد إبراهيم في موقع الجمهورية). صورة الهيئة هذه، وفتاوى قاضيها الجزراوي التي شرّعت للمرة الأولى استباحة الممتلكات العامة كغنائم، جعلتا منها محل إعجاب لم تنله هيئات شرعية أخرى، فصارت محكمة ترفع إليها الشكاوى وتفضّ فيها الخصومات بين كتائب الجيش الحر.
أثناء رمي الضحايا في الهوتة..من مقطع مسرب
منذ مطلع العام 2013 وحتى ربيعه، وقبل إعلان قيام «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في نيسان، ارتفع عدد المنتسبين إلى جبهة النصرة من أبناء سلوك حتى وصل، حسب تقديرات، إلى نحو 100، التحق معظمهم بداعش بعد تأسيسها وظلت قلة في النصرة. وتراجعت بعد ذلك أهمية سلوك وحضورها في المشهد الأوسع الذي احتلته داعش، إذ هُمّش الحلوس وترك «الدولة» غاضباً إلى إدلب حيث التحق بجند الأقصى، إلى أن عاد مع الهاربين منهم إلى داعش في العام الماضي، وكذلك حال فيصل البلو، واختفى ذكر العراقي والجزراوي، وصعد أبو عبد الله الديري، بلقبه الجديد «أبو لقمان»، وصار والي داعش على الرقة، كما هو معروف.
بلغت داعش أوج قوتها بعد نجاحها في السيطرة على الفرقة (17) ثم اللواء (93) ثم مطار الطبقة في الشهرين السابع والثامن من 2014، حتى نهاية العام حين بدت ملامح الهزيمة في معارك عين العرب/ كوباني، ثم لتبدأ مساحات سيطرتها في ريف الرقة الشمالي بالانحسار، لتطرد باكراً من سلوك في 12 حزيران 2015، وبعدها بأيام من تل أبيض.
تهجير وإدارة ذاتية
يشعر ثوار سلوك ومثقفوها بالغضب من السمعة التي التصقت بالمنطقة كحاضنة للدواعش، ويرون فيها ظلماً وتسرعاً. وحسب ما يقدرون فإن مجموع من انتسب إلى داعش من أبنائها لا يزيد على 200 شخص، وهو عدد قليل بالقياس إلى 77 ألفاً من السكان. لكن انتماء الحلوس إلى واحدة من قراها، ثم انطلاق الخماسي الذي بنى النصرة فداعش من قرية أخرى فيها، لأسباب تتعلق بالموقع أكثر مما تتعلق بالمجتمع، هما سبب إشاعة هذه «السمعة الباطلة» التي تلقفتها السلطة الجديدة ممثلة بالـPYD لتفعل بأهلها ما تشاء، من تهجير وقمع واضطهاد دون رادع، حسب ما يقولون.
في تقرير منظمة العفو الدولية Amnesty «لم يكن لنا مكان آخر نذهب إليه»، الصادر في تشرين الأول 2015، تثبت «انتهاكات خطيرة تضمنت التهجير وهدم المنازل» في مناطق بمحافظتي الحسكة والرقة، بينها بلدة سلوك وبعض القرى التابعة لها، ترقى إلى جرائم حرب. كان لهذا التقرير ولتقارير حقوقية أخرى، حسب ما يرى المحامي والناشط الحقوقي أنور الكطاف ابن بلدة سلوك، دور في محاولات PYD تحسين صورته بالسماح بعودة بعض سكان القرى المطرودين من بيوتهم. إلا أن عودة أهل سلوك -أو بعضهم- تأخرت حتى نيسان الماضي، بعد أن ظلوا مشردين لمدة 22 شهراً تقريباً. يصعب اليوم إحصاء أعداد العائدين إلى بيوتهم في ظل سلطة PYD، ويصعب أيضاً الوصول إلى تقدير دقيق لأعداد النازحين، نظراً لتوزعهم بين مناطق تقع تحت سلطة PYD وسلطة داعش وفي المناطق المحررة في الشمال السوري وفي مخيمات ومدن اللجوء في تركيا. ويعدد الكطاف قرى نص تل والكنيطرة والأصيلم التي ما يزال أهلها مطرودين من بيوتهم حتى اليوم.
أنور الكطاف
في عهد داعش اعتقل التنظيم الكطاف لمدة 40 يوماً، وتعرض للتعذيب على يد الأمنيين، وهدده أبو لقمان بذبحه وإلقائه في الهوتة، وصودر بيته حتى صادره PYD ثانية وقت دخوله سلوك وعدّه من أملاكه! يقول الكطاف: داعش سلطة احتلال يقودها أجانب وPYD سلطة احتلال جديدة يقودها أجانب أيضاً. والسوريون في كلا الحالتين مجرد أدوات وواجهة للقادة الحقيقيين وراء الستار. ويرى أن النقاش حول تجربة PYD في الإدارة والخدمات وغير ذلك نقاش في غير محله، لأن القضية هنا قضية وجودية تتعلق بهوية المنطقة وبقاء مجتمعها العربي، فهذه السلطة سلطة احتلال محض. غير أنه يتنبأ بفشل تجربتها حتى في الخدمات والإدارة العامة، لأنها تعتمد الولاء السياسي كمعيار وحيد، مما أدى إلى أنها اختارت أشخاصاً معروفين بفسادهم وانعدام وزنهم وعيّنتهم في مناصب مختلفة. عيسى الحميد (57 عاماً)، موظف حكومي سابق وناشط ثوري، يؤكد هو الآخر ما ذهب إليه الكطاف، ويروي حادثة استدعائه من أحد قادة PYD الأمنيين حين اتهمه بأنه طالباني منذ 25 عاماً، في حين أنه كان في ذلك الوقت شيوعياً نشطاً وظل كذلك حتى عام 2000، كما يقول ضاحكاً. قبل أشهر جاء الحميد هارباً إلى تركيا خوفاً من الاعتقال، وبعد أن صودرت محطة وقود كان يملكها. وكان، مثل عشرات الآلاف غيره من أبناء سلوك، ممنوعاً من العودة إليها، ونازحاً من قرية إلى أخرى. «سنة عند داعش وسنة عند PYD تعادل كل سنين حياتي»، يقول الحميد: «اتهمتني داعش بالردة وكل يومين والثالث أتهدد بالقتل، واتهمني PYD أني طالباني بالأول وبعدين داعشي».
معلم مدرسة سابق من سلوك (طلب إغفال هويته) كرر الموقف الرافض للإدارة الذاتية، وعدّها «كياناً انفصالياً قمعياً ظالماً، اعتقل عشرات الشبان فقط لأنهم شاركوا في الثورة»، كما أنه «يجند القاصرين والأطفال»، ويعتمد على شخصيات عربية انتهازية فاسدة هم أقرب إلى المخبرين منهم إلى المسؤولين المحليين والمدراء، حسب ما يقول.
ويقدّر محام (طلب إغفال اسمه أيضاً) متابع لملف معتقلي سلوك في سجون pyd، عددهم بأكثر من 150 شخص، معظمهم كانوا منخرطين في الحراك الثوري، ناشطين مدنيين أو مقاتلين في كتائب الجيش الحر. ويستغرب المحامي اللاجئ اليوم في تركيا كيف لدواعش معروفين أن يخرجوا بعد شهرين أو ثلاثة وينضموا إلى قسد، فيما «ينام» من كانوا ثواراً سنة وسنتين في سجون الحزب الذي يصفه بأنه «تابع عضوي للنظام» وجزء لا يتجزأ منه.
أول عام 2016 انتزعت سلطات الإدارة الذاتية سلوك من تابعيتها الإدارية لمدينة تل أبيض وألحقتها بمدينة رأس العين التابعة لـ«كانتون الجزيرة»، فيما ألحقت تل أبيض ذاتها بـ«كانتون كوباني». في خطوة تجد تفسيراً واحداً لدى الأهالي، هو تحطيم أكثريتهم السكانية العربية الساحقة في مساحة تمتد 100 كم تقريباً طولاً و50 كم عرضاً. لاحقاً، ومنذ خريف ذلك العام، شكلت الإدارة الذاتية مجالسها المحلية الخاصة المعروفة بالكومينات، والتي لم تظهر لها حتى الآن آثار فعالة في الجوانب المسؤولة عنها. في سلوك يتجنب معظم الناس تقييم أداء الكومينات، وتبرر القلة المدافعة عنها تأخر نشاطها بقلة الموارد المالية وبالخراب الكبير الذي لحق بالبنى التحتية في قطاعات الخدمات والصحة والزراعة والتعليم
تزدحم سلوك اليوم بآلاف العوائل النازحة من مدينة الرقة وقراها، ويصعب الوصول إلى رأي أهل البلدة الأصليين ممن لم يشاركوا في أي نشاط عام خلال السنوات السابقة. فكل ما يهمهم اليوم هو عدد ساعات الكهرباء التي عادت بعد انقطاع كامل منذ أيام، وفق برنامج تقنين يمنحهم ساعتين أو ثلاثاً كل يوم. أما المياه فمقطوعة تماماً منذ سنوات، ما جعلهم يعتمدون على الآبار كمصدر وحيد لمياه الشرب. قامت منظمةConcern Worldwide بتأمين مضخات ومولدات كهرباء ووقود لبعض الآبار في بلدة سلوك وبعض القرى، وفي أخرى اعتمد الأهالي على المياه المنقولة بالصهاريج. في الزراعة تبدو الصورة مأساوية مع هجران آلاف الفلاحين أراضيهم بسبب ارتفاع تكاليف العمل الزراعي، وخاصة أسعار الوقود اللازم لتشغيل محركات جر المياه من الآبار الارتوازية، إذ يصل سعر برميل المازوت إلى 45 ألف ليرة سورية (حوالي 90 $)، إضافة إلى غلاء اللوازم الأخرى من سماد وبذار وأدوية وحراثة ونقل، كما يعدد أبو محمود، الفلاح الذي تجاوز الستين عاماً وحاول مؤخراً أن يزرع أرضه بعد طول غياب فوقفت في وجهه العوائق السابقة، ليعتكف في منزله وينتظر من شهر إلى آخر القليل الذي يرسله ابناه اللاجئان في تركيا. تربية الأغنام كانت المهنة الثانية في منطقة سلوك، قبل أن تتلاشى أو تكاد بسبب تقلص مساحات المراعي المتاحة وتقييد حركة الرعي والتنقل بالمواشي، وشح المياه التي كانت توفرها الآبار العامة المجانية التي توقفت هي الأخرى، وعجز المربين عن تحمل تكاليف الوقود لتوفير المياه من آبار خاصة، وكذلك ندرة العلف وارتفاع أسعاره، ثم النزيف الحاد الذي تعرضت له الثروة الحيوانية بتهريبها إلى الأراضي التركية القريبة (10 كم شمال سلوك). ومع كل هذا لا توجد فرص عمل بديلة، وتعتمد معظم العائلات على تحويلات أبنائها المقيمين او اللاجئين في الخارج.
من مظاهرة لأهالي سلوك بعد التهجير مطالبين بالعودة
في قطاع الصحة ليس في سلوك والقرى الكثيرة التابعة لها أي مشفى أو مركز طبي أو مستوصف عام، باستثناء مستوصف افتتحته منظمة IRC في قرية حمام التركمان على بعد 15 كم تقريباً عن سلوك. وتتولى 10 عيادات طبية خاصة، باختصاصات (داخلية، نسائية، أطفال)، و7 صيدليات، خمس في بلدة سلوك مع العيادات، واثنتان في القرى، الشأن الطبي في المنطقة كلها. ويضطر معظم المرضى المصابين بأمراض تعجز عنها العيادات إلى السفر إلى مدينة القامشلي للعلاج، إن تعذر في مدينة رأس العين الأقرب.
الهاجس الأكثر إلحاحاً على السكان هو الهاجس الأمني خوفاً من الاعتقال تحت ذرائع مفتعلة، كما يقول شاب نجح في الوصول أخيراً إلى مدينة جرابلس في رحلة طالت أياماً، هرباً من التجنيد الإجباري للقتال في صفوف ما يعرف بـ«قوات سوريا الديمقراطية». فكل يوم أو يومين لا بد أن تتم مداهمة أحد البيوت في بلدة سلوك بحثاً عن مطلوب للتجنيد، الأمر الذي سبب موجة نزوح جديدة في أوساط الشباب ممن لم ينزحوا من قبل، وسيق المئات ممن تعذر هروبهم فرادى إلى صفوف قسد. فيما شكّل بدو قرية الزيدي من الفدعان/عنزة قوة خاصة تحت اسم «لواء فرسان الجزيرة» انضوت تحت راية قسد، لكف شر pyd عنهم والخلاص من اقتحاماته شبه اليومية لقريتهم قبل التشكيل، حسب ما يقولون.
أجرت «عين المدينة» استطلاع رأي محدود على عينة صغيرة من (90) شخصاً من أهالي سلوك، سألتهم فيه عن المشكلة الأولى التي يعانون منها؛ أمنية بالخوف من الملاحقة والاعتقال، أو اقتصادية بانهيار الزراعة وندرة فرص العمل، أو خدمية بغياب الخدمات الأساسية، فكانت الإجابات وفق ما يبين التمثيل البياني التالي: