- الرئيسية
- مقالات
- ملف
إدلب.. هوامش الجحيم.. العمل تحت خط النار.. أشخاص في إدلب عملوا قريباً من مناطق الاشتباك في سبيل كسب لقمة العيش
يضطر الكثيرون في إدلب إلى العمل في مناطق قريبة من خطوط الاشتباك، فكان البحث عن اللقمة محفوفاً بالمخاطر، وطريقاً إلى الموت، حيث سبيل الوصول إليها المخاطرة والذهاب إلى أماكن القصف والمعارك. وذلك ما حصل مع بعض الشباب النازحين من ريف إدلب الجنوبي، والمقيمين حالياً في مخيمات ومدن ريف إدلب الشمالي.
قبل أسابيع قليلة، وقبل وقوع معرة النعمان وريفها الشرقي تحت سيطرة النظام، كان العديد من الشباب النازحين إلى شمال إدلب يقصدون قراهم في ريفها الجنوبي التي فروا منها سابقاً، بهدف العمل أو من أجل جني محاصيلهم السنوية، كذلك كي ينقلوا بعض أثاثهم واحتياجاتهم من منازلهم. معرضين أنفسهم للخطر في ظل القصف البري والجوي،
وكان أولئك الشباب حريصين على الذهاب خلال بعض المواسم، أولها قطاف القبار (الشفلح)، الذي هو عبارة عن ثمار تظهر على نبتة خضراء شوكية تنمو في الأرض بشكل طبيعي من بداية أيار وحتى آب، تستفيد منه الكثير من العائلات في كسب لقمة عيشها، والأمر الذي دفع البعض للمخاطرة في قطافه هو أن عدد القاطفين قل بسبب النزوح.
تروي بسمة محمد من ريف إدلب الجنوبي: "تركتُ أولادي الاثنين عند حماتي، ونزلت إلى القرية كي أقطف الشفلح، لم يكن بيدي حيلة، إذ لم أجد عمل أساعد به زوجي، فنزلنا كلينا إلى القرية، وجمعنا حوالي 200 ألف ليرة، لكن عشنا لحظات من الرعب تنحفر حفراً في الذاكرة، إذ عندما كانت تقصف الطائرة وتهتز الأرض بنا.. كنت أترك كل شيء وأهرع إلى المغارة".
كذلك في تلك الفترة، كان هناك حصاد أراضي القمح والشعير وغيرها من الحبوب، فكان العاملون في تلك الأراضي إما أصحاب الأرض أو عمالاً فيها مقابل أجر معين يتم الاتفاق عليه، وفي نفس الفترة الصيفية اضطر بعضهم لقصد القرى بنية جني موسم التين والعنب. وبعدها بفترة شهرين تقريباً حان موعد قطاف الزيتون، فكانت الرغبة تأمين مؤونة الشتاء من الزيت والزيتون وجني المال. وحسب الاتفاق الذي شاع في أغلب مناطق ريف إدلب الجنوبي، فقد كانت نسب تقسيم المحصول هي "ثلثين للقاطفين وثلث لصاحب الأرض"، أو "النصف بالنصف". أما آخر أسباب المخاطرة فكانت من أجل احتطاب الأشجار للاستفادة منها في التدفئة.
من الذي يخاطر؟
بعض العائلات كانت تتبع مخطط لاختيار الأفراد الذين يتوجهون إلى القرى الشبه المهجورة، بالأخص تلك العائلات التي لديها عدد أفراد كبير وكلهم يعيشون حياة شبه مشتركة. تقول أم عدي: "عندي 9 شباب، خمسة منهم متزوجون وأربعة عازبون. لم أكن أختار بينهم، لأن قلبي لم يكن يطاوعني، إلا أنهم كانوا يتفقون فيما بينهم على عدم السماح للمتزوجين بالذهاب كون لديهم زوجات وأطفال، ويتناوب كل اثنين من العازبين على الذهاب، فلا يذهب الاثنان الآخران حتى عودة أخويهم اللذين سبقاهم". في حين لم تكن بعض العائلات تتبع ذلك الاتفاق. فحين يكون كل فرد هو المسؤول الوحيد عن عائلته، يذهب رب الأسرة إلى العمل، أو الابن الأكبر أو ابن آخر إن كان عمرهما مناسباً وتعتمد الأسرة عليهما، كذلك الزوجات كن يذهبن مع أزواجهن أو أولادهن إن تطلب الأمر.
بجانب الموت والإصابة هناك خوف نفسي نتيجة للمخاطرة
ومن المعلوم أنه من الآثار السلبية الممكنة الوقوع هي الموت أو الإصابة الجسدية سواء بسيطة أو خطيرة. تروى سلوى العبد: "ذهب زوجي لقطاف الزيتون، ولم يكن لدي حجة كي أقنعه بعدم الذهاب، طوال فترة غيابه كان قلبي على نار، حتى سمعتهم يرددون اسم زوجي عندما كنت أقلب رسائل المجموعة الإخبارية على الواتس، فعرفت أنه مصاب ويحتاجون سيارة الدفاع المدني لإسعافه. الله وحده يعلم ماذا حصل لي وقتها، لم أهدأ حتى ذهبت إلى المستشفى ورأيته. الحمد لله أنه بقي على قيد الحياة، فإصابته كانت بكتفه".
تقول أم محمد من ريف إدلب الجنوبي: "ابني مات في الحملة العسكرية على إدلب، قلت له يا بني لا تذهب، فأجابني أنه سيعود في الغد بعد أن يجمع بعض ثمار التين، لكن في اليوم التالي وصلني نبأ مقتله، صرت ألوم نفسي، لكن ما نفع الندم.. ابني رحل".
فضلاً عن ذلك، فهناك الخوف والقلق الذي يعيشه كلاً من الشخص الذي يخاطر بنفسه وعائلته التي تنتظره في بلد النزوح، مع التخيلات البشعة التي تراود كل من الطرفين من لحظة الذهاب وحتى العودة. يحكي مراد حازم: "كنت أقطف الزيتون مع أخوتي في منتصف الليل، عندما بدأت الراجمة بالقصف، جسمي كله صار يرتجف من الخوف، ودموعي صارت تنهمر على هذا الحال الذي وصلنا إليه، صرت أسأل نفسي، ماذا سيحل بزوجتي لو مت، ماذا سيحصل لأمي وأبي؟، لم أعد سالماً إليهم إلا وقلبي قد فرط.. أقسمت بعدها أني لن أخاطر بنفسي".
ورغم استسلام البعض لقدرهم في مواجهة الخطر للمساعدة في احتمال صعوبات الحياة، إلا أنهم لا يخفون قلقهم وخوفهم العميق. تختم أم عدي التي وضعتها الظروف أمام مراقبة المفاضلة بين أبنائها في التعرض للخطر: "عندما يذهب أولادي إلى القرية أمتنع عن الأكل، وأصبح كثيرة الشرود، كما أشعر بتأنيب الضمير لأني لم أمنعهم، مع أني حدثتهم ولم ينصتوا لي، بسبب حاجات العائلة. عندما أقوم لأصلي أنوي الدعاء، فيسبق بكائي الدعاء"