شارع ستة إلا ربع قبل الثورة - صفحة "ستة إلا ربع" على الفيسبوك
يلخّص شارع ستة إلا ربع كلّ النهضة التجارية الصغيرة نسبياً لمدينة دير الزور، بتفرّعاته وأزقته ومحلاته وأقبيته وعياداته وكافيترياته... فليس غريباً أن يدّعي البعض أن نصف ثروة الأهالي تستثمر فيه. لكن منظر إغلاق السحّابات المعدنية للمحلات
(الخرّاطات)، الذي لم يكن يشاهد قبل الثورة، يعبّر اليوم عن النزف الذي أحال الشارع إلى جثةٍ هامدة، تخلو من تلك الحركة التي (لم يكن لك فيها محطّ رجل) في الماضي، كما يقول عبد الستار، أحد التجار السابقين.
في حزيـــران 2012، ومع سيطرة الجيش الحرّ على معظم أحياء المدينة، وما رافق ذلك من هجماتٍ مضادّةٍ شنتها قوّات الأسد، أغلق التجار محلاتهم،على أمل أن لا يتجاوز هذا الإغلاق بضعة أيامٍ يعودون بعدها، كما حصل في الاقتحام الأوّل للجيش الأسديّ. لكن هذه الآمال لم تكن في محلها، فقد استمرّ الإغلاق حتى اليوم.
ومع اسـتمرار هجـمات القوّات الأسدية، وصدّ الجيش الحرّ لها، أدرك التجار بحسّهم الخاصّ أن الحرب ستكون طويلة. واقتربت خطوط الجبهات في مرّاتٍ عدّةٍ من هذا الشارع، مما دفع الكثيرين إلى إفراغ محلاتهم ونقل بضائعهم إلى خارج المدينة. وأسهم في زيادة مخاوف التجار اتخاذ بعض كتائب الجيش الحرّ مقرّاتٍ لها في الأبنية المطلة على هذا الشارع، لما تتمتع به من مواصفاتٍ تحقق معايير أمانٍ أعلى في أوقات القصف، في أقبيتها وارتفاعها الطابقي. وتقاسمت الكتائب آنذاك الشارع وتفرّعاته فيما بينها إلى مناطق نفوذٍ وسيطرةٍ فصلت بينها الحواجز والمتاريس. وتحدّثت الشائعات عن عمليات سطوٍ ونهبٍ كبيرةٍ تقوم بها هذه الكتائب لمتاجر "ستة إلا ربع" ومخازنه. وكان الأوفر حظاً بين التجار هو من وقع محله في قطّاع جبهة النصرة، التي حظيت بسمعةٍ جيدةٍ من ناحية احترامها للممتلكات وحمايتها من اللصوص، رغم أن النصرة لم تسلم من الاتهامات بالسرقة وبفرض أتاوات الحماية، بين شائعاتٍ أخرى تحدثت عن مبالغ شهريةٍ يدفعها بعض التجار لقادة التشكيلات المسلحة لقاء حماية محلاتهم من السرقة.
في "ستة إلا ربع" اليوم لا يعترض المارّة أيّ حاجز، سوى الحاجز النفسيّ الذي يفرضه تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي اتخذ من بعض الأبنـية مقرّات له، كـ"الحسبة" والسجن. وما يرافق ذلك من مظاهر الهيبة والنفوذ، التي يعدّها بعض الناشطين السابقين علاماتٍ معنويةً تؤكد السيطرة المطلقة على المدينة انطلاقاً من هذا الشارع الذي تنافست للسيطرة عليه كتائب الجيش الحرّ سابقاً، ولذات الأسباب الرمزية.
وبعد فكّ الحصار عن المدينة –بتحرير المدخل الشماليّ لها قبل عامين- بدأت عودةٌ تدريجيةٌ للنازحين، واستعادت الحياة بعض مظاهرها، لكن ستة إلا ربع لم يستعد شيئاً من مظاهر حيويته. إذ انسحب العصب التجاريّ للمدينة منه إلى شارع التكايا، ولم يبق من مظاهر الماضي سوى محلّ التوابل الشهير لمالكه "خلوف الأسمر" وأولاده. والواقع أن الحاج خلوف توفي منذ زمنٍ طويلٍ، واستمرّ أبناؤه في إدارة المحلّ، وصمد أحدهم فلم ينزح عن المدينة، ليبقى -وكما جرت العادة- يفتح المحل صباحاً وكأن المعارك ليس لها أيّ تأثيرٍ في برنامج عمله.
تفاوتت التفسيرات حــول سـبب تسمية الشارع باسم ستة إلا ربع، فمنهم من ردّها إلى سـاعة افتتـاح المحـلات، ومنهم من جعلها بسبب توقيت المواعيد المضروبة فيه بين العشاق، فيما يذهب آخرون إلى أن التسمية نشأت من عرض الشارع البالغ ستة أمتارٍ إلا ربعاً. وهناك تفسيرٌ آخر ينبّه إليه التاجر عبد الستار،
وهو أن تسمية الشارع اشتقت من الحالة العقلية المضطربة لزبائنه وفق ما يصف الديريون "عقله ستة إلا ربع"، وهو اضطرابٌ يعرف به العشاق عندما يتواعدون للقاء في هذا الشارع. ويؤكد عبد الستار هذه التسمية، وخاصةً بعد تحوّل المكان من شارعٍ للعشاق المجانين إلى شارعٍ للمقاتلين المجانين.