- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
زبائن سوق مدينة الميادين يشترون الخضار بالقطعة
في مدينة الميادين شرق دير الزور، حيث اعتاد سكانها وزبائن سوقها المركزي في السابق على شراء حاجياتهم بالجملة، خاصة من الخضار التي كانت تطوف بها الشاحنات لبيعها بالأشولة، يشتري اليوم غالبيتهم ما يحتاجون من قوت يومهم من خضار وغيرها بالقطعة.
ظل سوق الميادين حتى قبل سنوات قليلة من أكبر الأسواق في المنطقة الشرقية، ويستقطب زبائن من مدينة الميادين وبلدات وقرى يتجاوز محيطها أكثر من خمسين كيلو متراً. يمتد السوق في الشارع العام وسط المدينة، ويتضمن "سوق أم مخلص" لتجارة الخضار ومشتقات الألبان، وأسواق فرعية منها "الچرداق" و"شارع الجيش"، بالإضافة إلى الكثير من الباعة الجوالين بشاحناتهم لبيع الخضار للزبائن بالجملة، وهي ظاهرة صارت في حدها الأدنى بسبب تدني القدرة الشرائية لعموم السكان، وارتفاع أسعار المحروقات، وحواجز الفرقة الرابعة التي تصادر محتويات السيارات في حال لم يدفع أصحابها الإتاوات.
أبو محمد صاحب بسطة خضار في سوق الميادين يعمل في ذات المهنة منذ سنوات، ويعرف من خلال خبرته الطويلة أن نسبة البيع تزيد في كل عام بشكل كبير خلال شهر رمضان، خاصة من الخضار التي يحرص الأهالي على تنوعها في مائدة الإفطار. يقول لعين المدينة "هذا العام أصبح الناس يشترون مني الخضار بالعدد بدلاً من الكيلو. الظروف المعيشية صعبة جداً". ويضيف "أحياناً لا أبيع في اليوم الواحد أكثر من 4 إلى 5 كيلوات من جميع خضار البسطة، بينما كنت أبيع خلال السنوات السابقة عشرات أو مئات الكيلوات في اليوم".
وعن سبب تراجع حركة شراء الخضار يشرح بأن شراء كيلو بطاطا وكيلو كوسا وكيلو بندورة وكيلو فليفلة يكلف اليوم أكثر من 18 ألف ليرة، وهو مبلغ يشكل تقريباً ربع راتب موظف حكومي، فسعر كيلو البطاطا صار ب 2500، والكوسا ب 5500، والبندورة ب 3500، والفليفلة ب 6500 ليرة سورية، وقد ارتفعت أسعارها بالمتوسط أكثر من خمسين بالمئة عن رمضان العام الماضي وفق ما يتذكر.
أجبرت الظروف الاقتصادية التي يمر بها السوريون على تغيير أنماط استهلاكهم المعتادة للتكيف مع العوز، وصار شراء الخضار بالقطعة من الأنماط الجديدة التي اعتاد عليها أهالي دير الزور، خاصة الأسر التي تعتمد على دخل مادي محلي مثل الرواتب الحكومية والعمل في التجارة والخدمات، وهي الفئات التي يتدبر أفرادها أمور معاشهم بالعدس والبرغل، ويشترون بعض الحاجيات الأخرى بالقطعة 3 إلى 4 حبات من الخضار لصنع طبق آخر بمرق أو سلطة، الأمر الذي لم يكن معروفاً في السابق وفق العديد ممن تكلمت معهم عين المدينة، نظراً إلى كثرة أفراد الأسرة الواحدة في عموم المنطقة الشرقية، وارتباط الأسر ببعضها عبر العائلة الممتدة، وارتباط التقتير بالاستهلاك بالعيب في الثقافة الشعبية، إضافة إلى طبيعة العمل الموسمية، وهي أمور كانت تدفع الغالبية إلى شراء الحاجيات من الخضار وغيرها بكميات وافرة.
أبو سليمان موظف في دائرة الأحوال المدنية بالميادين يقول أن راتبه الشهري 170 ألف ليرة، ويعمل بعد انتهاء دوامه سائق سيارة أجرة، ورغم ذلك لا يستطيع تأمين كامل متطلبات منزله وأسرته المكونة من زوجته و3 أولاد.
ويضيف "أعلى راتب يتقاضاه الموظف في سوريا لا يتجاوز 200 ألف ليرة، وهو مبلغ لا يكفي اليوم أسرة مثل أسرتي بمستوى معيشي متوسط أكثر من أسبوع"، ما انعكس وفق أبو سليمان على موجة هجرة كبيرة خارج البلاد لفئة الشباب، حتى تكاد الشوارع تخلو من الشبان سوى المتطوعين في صفوف قوات النظام والميليشيات الإيرانية.
أما أبو موسى وهو موظف متقاعد، فيقول أن راتبه التقاعدي 110 آلاف ليرة، وأسرته 5 أشخاص يكاد الراتب لا يكفيهم ليوم واحد لو فكروا بشراء كامل الحاجيات. ويذكر أنه أجبر على إرسال اثنين من أبنائه للتطوع في ميليشيا الحرس الثوري الإيراني من أجل تأمين بعض الحاجيات، مضيفاً أنه لا يوجد أي عمل آخر "لا مصانع أو معامل في المدينة، وإذا وجدوا عملاً فلا تتجاوز الأجور راتبي التقاعدي".
في المقابل تعيش العوائل التي تتلقى حوالات من أبنائها في الخارج بحال أفضل بكثير. مثلاً تتجاوز قيمة ال 100 دولار أمريكي وهي قيمة الحوالة الشهرية التي يرسلها العديد من السوريين في الخارج لذويهم، 700 ألف ليرة سورية بحسب سعر الصرف الحالي، ويعادل المبلغ راتب موظف في سوريا لنصف سنة، لكن هؤلاء فئة قليلة الآن في مدينة الميادين.
أما بخصوص المنحة التي تلقاها الموظفون قبل أيام، وقيمتها ثابتة تبلغ 150 ألف ليرة للموظف، فيعلق أبو موسى موظف الأحوال المدنية "الأولوية لشراء الطعام وبعض مستلزمات المنزل. كنت أنوي شراء لباس العيد لأطفالي الثلاثة، لكن المنحة ربما لا تكفي سوى لاثنين منهم، فلذلك فضلت صرفها على حاجيات المنزل".