أنهى حصار المدنيين المقيمين في مناطق النظام في دير الزور عامه الأوّل. عامٌ طويلٌ غابت فيه معاناة المحاصرين عن بيانات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، باستثناء بيانٍ خجولٍ صدر عن فاليري آموس، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، في أواخر آذار الماضي، ذكرت فيه أن هناك 228 ألف مدنيٍّ محاصرون من تنظيم داعش. نستعرض في هذا التقرير أبرز مراحل الحصار وأوضاع السكان تحته.
معلوماتٌ أوّلية
يسيطر النظام على عدّة أحياء من مدينة دير الزور، هي البغيلية والجورة والقصور وأجزاء من حيّي الجبيلة والموظفين في غرب المدينة وحيّ هرابش شرقها. يصل بين هذه الأحياء طريقٌ عسكريٌّ يقع خلف الجبل المطلّ على المدينة، استخدمته قوّات النظام بعد الحرب. وبحسب أحد العاملين في الهلال الأحمر العربيّ السوريّ فإن عدد العوائل المسجّلة لدى فرع الهلال بدير الزور في أواخر عام 2014 يزيد عن 68 ألف عائلة. يعمل الناس في مناطق النظام موظفين في الدوائر الحكومية أو بالمهن الحرة. لا يوجد إحصاءٌ دقيقٌ لأعداد قوّات النظام وميليشيات الدفاع الوطنيّ والأجهزة الأمنية في هذه الأحياء لكنّ أعداد الميليشيات المسلحة تتراوح بين (2000-2500)، أما الأجهزة الأمنية وقوّات الحرس الجمهوريّ فيزيد عددها على ألفي مقاتل، بحسب تقديرات مصدرٍ مقرّبٍ من أحد الأجهزة الأمنية.
كان الأهالي يستخدمون ثلاثة معابر للخروج من مناطق النظام؛ هي معبرٌ نهريٌّ يصل مناطق النظام بقرية الجنينة جنوبي النهر، وطريق عيّاش في الريف الغربيّ، بالإضافة إلى طريق البانوراما. وتدخل الخضروات والمواد الغذائية والطبية والمحروقات من هذه المعابر. توجد في مناطق سيطرة النظام صوامع لتخزين الحبوب تحوي كمياتٍ كبيرةً من القمح، ومطحنةٌ تقوم بتأمين الطحين للأفران الاهليّة والحكوميّة، كما توجد أراضٍ زراعيةٌ بمساحاتٍ بسيطةٍ في ضاحية البغيلية تزرع فيها بعض الخضروات الموسمية. في 16 كانون الثاني من العام الماضي أغلق تنظيم داعش حواجزه أمام الأهالي القادمين إلى مناطق النظام مع سماحه بإدخال المواد الغذائية، حتى 25 من الشهر ذاته عندما أغلق المعابر نهائياً.
النظام يشارك في حصار المدنيين
في 23 آذار 2015 أصدر اللواء محمد خضور، رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في المنطقة الشرقية، قراراً بمنع الأهالي من الخروج من مناطق النظام، بعد تزايد أعداد الخارجين منها وخشية النظام من خلوّها. استمرّ هذا القرار لثلاثة أشهرٍ عدّل بعدها خضور قراره ليقضي بمنع الذكور من سنّ 17-50 عاماً من المغادرة والسماح للباقين. في تلك الفترة عقد خضور اجتماعاتٍ قسريةً مع موظفي الدوائر الرسمية وطلبة الجامعات لإقناعهم بالانضمام إلى قوّات النظام والهجوم على داعش لفك الحصار.
طائرة اليوشن باب رزقٍ لضباط النظام
يقول السكان إن مسؤولي النظام وجدوا في الحصار فرصةً لجني الأموال على حساب معاناة الناس؛ فرئيس فرع أمن الدولة يحتكر وارد بئر الهبّاش، مصدر الوقود في مناطق النظام، والذي أصبح معروفاً باسم بئر دعّاس، نسبةً إلى رئيس الفرع دعّاس علي. أما فرع الأمن العسكري واللواء خضور فيحتكرون رشاوى الحصول على الموافقة للخروج برّاً. وتجني المخابرات الجوّية الأموال من الخارجين عبر الطيران. إذ كانت طائرة الشحن (اليوشن) تحطّ في مطار دير الزور العسكريّ بشكلٍ يوميٍّ قادمةً من دمشق، تحمل العساكر والذخيرة والسلاح. وبعد الحصار استخدمها بعض التجار المتعاونين مع النظام لنقل المواد الغذائية وبيعها للأهالي بأسعارٍ فاحشة، مقابل أربعمئة ألف ليرةٍ لكل طنٍّ تدفع للضباط. كما كان الأهالي يدفعون مبالغ طائلةً مقابل الخروج من مناطق النظام عبر الطيران، إذ تراوحت تكلفة سفر الشخص الواحد بين (25-150) ألف ليرة سورية. ومنذ توقف طائرة اليوشن عن الهبوط في المطار العسكريّ، بسبب السيطرة النارية لداعش على المدرّجات، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكلٍ فاحش.
المساعدات الغذائية
في 15 كانون الأول الماضي قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا، عبر صفحتها الرسمية على الفيسبوك، إنها أرسلت 162 طناً من المساعدات الإنسانية الى دير الزور عبر الجوّ، لمساعدة 182 ألف مدنيٍّ، منذ بداية 2015، في إشارةٍ منها الى العدد المتبقي من المدنيين تحت الحصار. لكن، بحسب شهادات عددٍ كبيرٍ من السكان، فان منظمة الهلال الأحمر قدّمت المساعدات مرّتين فقط منذ بدء الحصار؛ كانت الأولى في شهر أيار عندما قدّم الهلال سلةً غذائيةً مكوّنةً من 2 كغ أرز و2 كغ سمن، والمرّة الثانية في آب عندما قدّم خمس قطعٍ من الصابون لكل عائلة. ويتحدث الأهالي عن مواد غذائيةٍ مرسلةٍ من الأونروا، غير مخصّصةٍ للبيع نظرياً، توجد في الأسواق بأسعارٍ باهظة، وقيل إن ضباط النظام كانوا يبيعونها للتجار. كما أرسل النظام من دمشق، عدّة مرّاتٍ، شحناتٍ بسيطةً من المواد الغذائية بيعت في المؤسسات الاستهلاكية.
داعش تضيّق الحصار
استمرّت المواد الغذائية بالدخول إلى مناطق النظام تهريباً عبر النهر ومن البادية حتى نيسان 2015، عندما نشرت داعش قناصين على أطراف النهر المقابلة لمناطق النظام، وزرعت ألغاماً في طريق البادية، وصارت تعتقل كلّ من يهرّب المواد الغذائية أو يحاول الدخول إلى تلك المناطق، فأحرقت عدّة سياراتٍ كانت تقلّ أشخاصاً يحاولون الدخول، وصادرت عدداً من الشاحنات كانت تحمل مواد غذائية. ومنذ ذلك الحين انخفضت نسبة المواد المهرّبة يومياً إلى مناطق النظام إلى كمياتٍ لا تكفي احتياج عشر عوائل، بحسب أحد المدنيين هناك.
الوقود والمياه والكهرباء وشبكة الاتصال
تعطّل الكبل الضوئيّ الذي يغذي شبكات الاتصال في دير الزور عند منطقة الشولا الخاضعة لسيطرة داعش في اليوم الأوّل من الحصار، ومنع التنظيم ورشات البريد من إصلاح العطل وقام باعتقالها. استمرّ الانقطاع لمدّة شهرين قامت بعدهما شركتا سيريتل وmtn بإعادة بثّ الشبكة، ولكن بطاقةٍ ضعيفة، عن طريق أجهزةٍ فضائيةٍ ثبتتها في أماكن عدّةٍ في مناطق النظام. أما بالنسبة إلى الوقود فقد قام النظام، في نيسان الماضي، بفتح أحد آبار النفط المغلقة (الهبّاش) بالقرب من مشفى الأسد، وقام بتركيب حرّاقةٍ بدائيةٍ لتكرير النفط عليه، وبيع المحروقات الناتجة للمدنيين بأسعارٍ تتراوح بين (1000-1500) لليتر المازوت أو الكاز.
قام تنظيم داعش، في 25 آذار الماضي، بتخريب محطة التيّم التي تغذّي مدينة دير الزور بالكهرباء. ومنذ ذلك الحين لا كهرباء في مناطق النظام إلا في بعض المحلات التي تحوي مولداتٍ تقوم بشحن أجهزة الجوّال للناس مقابل خمسين ليرة. أما المياه فتوجد محطتان لتصفيتها تغذيان الأحياء المحاصرة تعملان على المازوت وتحتاجان إلى ثمانية آلاف ليترٍ منه يومياً لتشغيلهما. في المراحل الأولى من الحصار كانتا تعملان بشكلٍ شبه يوميّ، ومنذ حزيران أصبحت المياه تُضخّ مرّةً واحدةً كلّ أسبوعٍ بسبب قلة الوقود.
مشافٍ بلا دواء
يوجد مشفيان في المناطق المحاصرة هما المشفى العسكريّ ومشفى الأسد، يقدّمان الخدمات الطبية للأهالي لكن دون فائدة، بحسب أحد الأطباء في تلك المناطق الذي يقول: "منذ حزيران الماضي لا وجود لأدوية الالتهاب والمضادات الحيوية والمسكنات والفيتامينات. وأدوية الأمراض المزمنة بدأت تنفد من الصيدليات". ويروي الأهالي أن عدداً كبيراً من المصابين بالقذائف التي يطلقها تنظيم داعش على مناطق النظام قضوا بسبب سوء الرعاية الطبية رغم أن إصاباتهم كانت خفيفة.
الخبز وظرف العصير قوت المحاصر
توجد في مناطق النظام مطحنةٌ تؤمّن الدقيق لعشرة أفران، اثنان منها حكوميان والبقية خاصّة. تبيع الأفران الحكومية ربطة الخبز بمئة ليرة، بينما تبيعها الأفران الخاصّة بأربعمئة. يعتمد الأهالي في المناطق المحاصرة على الخبز في ظلّ فقدان المواد الغذائية، ويستعيضون عن السكّر بظروف العصير التي تتوافر في السوق وتباع بـ150 ليرةً للظرف الواحد.
كيف تعيش عائلةٌ في شهر من الحصار؟
أحد سكان حيّ القصور يعمل وزوجته موظفين حكوميين، ولديهما أربعة أولادٍ دون سنّ العمل، يقول: "نتقاضى، أنا وزوجتي، مبلغ 55 ألف ليرة. نحتاج منها إلى 500 ليرةٍ يومياً لشراء الخبز فقط، لأن الكمية في الفرن تنفد قبل أن يصل دوري، ولذلك أضطرّ إلى شراء الخبز بسعرٍ مضاعفٍ من التجار (250 ليرةً للربطة الواحدة). تكلّفنا الطبخة الواحدة مبلغ 4000 ليرة في الحدّ الأدنى، ولذلك نعيش في النصف الأوّل من الشهر على الشوربة أو على بعض المعلبات، أما في النصف الثاني منه فنعيش على الخبز والعصير. نحتاج إلى 7500 ليرةٍ شهرياً لشراء ظروف العصير. ورغم ذلك فحالنا مميّزٌ عن الكثير من العوائل التي لا تملك مورداً مالياً.
أسعار المواد الغذائية في المناطق المحاصرة
المادة | السمنة (كيلو) |
الزيت (ليتر) |
الحلاوة (300 غ) |
المربى (650 غ) |
المعكرونة (ربطة) |
العدس (كيلو) |
الأرز (كيلو) |
السعر (ل. س) | 7000 | 6000 | 2500 | 2500 | 2000 | 4400 | 3000 |
المادة | البرغل (كيلو) |
السكر (كيلو) |
الشاي (كيلو) |
لوح صابون | مسحوق غسيل (كيلو) |
المازوت (ليتر) |
الكاز (ليتر) |
السعر (ل. س) | 2000 | 7000 | 15000 | 2000 | 10000 | 1500 | 2000 |
المادة | اللبن (كيلو) | البيضة | الشعيرية (كيس 450 غ) | اللحمة (كيلو) | فول (علبة 300 غ) | حمص (علبة 300 غ) | حليب نيدو (400 غ) |
السعر (ل. س) | 2000 | 400 | 4000 | 10000 | 1800 | 2000 | 12000 |
المادة | البصل (كيلو) | البقلة (كيلو) | السلق (كيلو) | الفول الأخضر (كيلو) | البامية (كيلو) | الفجل (ربطة) | البقدونس (ربطة) |
السعر (ل. س) | 3500 | 700 | 800 | 1500 | 4000 | 400 | 150 |
- هذه الأسعار ثابتة تقريباً منذ حزيران الماضي وحتى الآن.
- يذكر أن هذه المواد لا تتوافر دائماً، أما الخضروات فتتوافر في السوق بكمياتٍ بسيطةٍ بحسب موسم زراعتها.