- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
خريطة الخدمات الصحيّة في محافظة دير الزور من مديرية الصحّة إلى منظومة الخدمات الحرّة إلى ديوان داعش الصحيّ
عملية جراحية في مشفى الكسرة - ريف دير الزور الغربي
ابتــداءً من حزيــران عام 2012، وحتى الشهر نفسه من عام 2014، وهي المدّة بين تحرير معظم أجزاء محافظة دير الزور ثم احتلالها من قبل داعش؛ تمكن النشطاء الطبّيون في المحافظة من بناء منظومة خدماتٍ صحيةٍ عامةٍ شكّلت، إلى حدٍّ كبيرٍ، بديلاً فعالاً عن منظومة الصحة الحكومية، التي تراجع دورها وتآكلت بنيتها لأسبابٍ عدّةٍ، أبرزها سياسة العقاب الجماعيّ التي انتهجها النظام ضدّ سكان المناطق المحرّرة، والآثار المختلفة للحرب على هذه المنظومة. فخرج عن العمل كلٌّ من مشفى الفرات والمشفى الوطنيّ في الجزء المحرّر من مدينة دير الزور، نتيجة وقوعهما في ساحات المعارك أو على خطوط القتال. ثم خرج عن العمل لاحقاً كلٌّ من المشفى الوطنيّ في الميادين ومشفى الباسل في البوكمال، قبل أن يعاود الأخير نشاطه بشكلٍ جزئيٍّ ومرتبك. في حين تولى النشطاء الطبيون تشغيل وإدارة مشفى الطبّ الحديث في الميادين، بعد أن تخلت مديرية الصحة عن رعايته، وكذلك الحال بالنسبة إلى مشفى التوليد في الكسرة بالريف الغربيّ لدير الزور.
وفُصل من الوظـيفة، لأسـبابٍ سياسيةٍ، أكثر من 2000 موظفٍ من ملاك مديرية صحة دير الزور البالغ 7500 موظفٍ، بحسب مصادر موثوقة من هذه المديرية. في حين توقف أكثر من 3500 موظفٍ ما زالوا ضمن ملاك المديرية –يستلمون رواتبهم الشهرية منها- عن القيام بوظائفهم بشكلٍ فعال. ويصعب تقدير الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية لمنظومة الصحة الحكومية السابقة، ولكن بعض الوقائع، مثل سرقة أو تدمير تجهيزات الأقسام الطبية المختلفة في كلٍّ من مشفى الفرات والمشفى الوطنيّ بدير الزور، وفقدان 33 سيارة إسعافٍ من ممتلكات مديرية الصحة، وسرقة محتويات أكثر من 60 مركزاً ومستوصفاً في الريف؛ تحدّد، وبشكلٍ تقريبيٍّ، درجة هذه الأضرار. ليقتصر عمل مديرية صحة دير الزور –التابعة للنظام- على المشاركة في جهود حملات اللقاح العامة مع منظماتٍ دوليةٍ وناشطين طبيين محليين.
منظومة الصحة الحرّة
بلغ عدد المؤسسـات الــصحية المستحدثة من قبل الثوّار 18، بين مشفىً ومركز عـــــياداتٍ ومســـــتوصف، توزّعت عفوياً على جغرافيا المحافظة، وتفاوتت في درجة الكفاءة، وكذلك في قدرتها على الاستمرار بعد تأسيسها بحسب توافر الكفاءات الطبية والظروف السائدة في كلّ بلدةٍ أو مدينة. تضاف إلى تلك المجموعات وحدة الإسعاف السريع التي اختصّت بنقل الجرحى ذوي الحالات الحرجة من الجزء المحرّر لمدينة دير الزور إلى مستشفيات الريف ذات الإمكانات الأفضل نسبياً، أو إلى معبر تلّ أبيض الحدوديّ مع تركيا.
في المراحل الأولى من عمل هذه المؤسّسات الناشئة كان للتبرّعات الأهلية لأبناء كلّ منطقةٍ دورٌ هامٌّ في استمرار عملها، قبل أن تتولى منظماتٌ دوليةٌ رعاية كلّ مؤسسةٍ على حدة، وبشكلٍ منسّقٍ إلى حدٍّ ما، مع تسجيل أخطاءٍ وثغراتٍ تبدو طبيعيةً في ظروف الحرب. الا أن الفضل الأكبر للنجاحات التي حققتها هذه المؤسّسات يعود إلى كوادرها بأدائها المتفاني والشجاع. إذ عمل كثيرٌ منهم، ولأشهرٍ طويلةٍ، دون أجرٍ، في ظروفٍ شديدة الخطورة. ولا سيما في الأجزاء المحرّرة من مدينة دير الزور وفي مدينة موحسن القريبة من جبهة المطار.
وبالرغم من غياب جسمٍ جامعٍ، أو مكتبٍ مركزيٍّ للتخطيط والتنسيق ومواجهة الجوائح والأمراض المستوطنة، وتولّي رعاية المصابين بالأمراض المزمنة، وتوفير بعض التجهيزات ذات الطبيعة المركزية، مثل بنك الدم ووحدات الرنين المغناطيسيّ ووحدات الكلية الصناعية المعروفة بغسيل الكلية وغير ذلك من الأنشطة؛ لعبت هذه المنظومة دوراً بطولياً في تقديم الرعاية الصحية لسكان المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بالنظر إلى مجموع عدد عامليها المنخفض مقارنةً بحجم الأعمال والأنشطة والخدمات المقدّمة. اذ لم يتجاوز مجموع من عملوا في هذه المنظومة 400 شخصٍ، بينهم أقلّ من 80 طبيباً من أصل 1152 مسجّلين في فرع نقابة الأطباء في دير الزور قبل الثورة. فعلى سبيل المثال، تكشف سجلات مشفى موحسن الميدانيّ تقديمه لأكثر من 25 ألف خدمةٍ طبيةٍ، بينها أكثر من 400 عمليةٍ جراحيةٍ، خلال النصف الأول من العام 2014 فقط. وهي أرقامٌ دالةٌ على ضخامة العمل المنجز من قبل فريق المشفى، وكذلك حال بقية المستشفيات.
وبطبيعة الحال، لا يمكن إهمال الدور الموازي الذي لعبه القطاع الطبّي الخاصّ، الذي خفّف من الأعباء الملقاة على كاهل المنظومة الحرّة. فقد لعبت خمسة مشافٍ خاصّةٌ في مدينة الميادين، وثلاثةٌ في البوكمال وواحدةٌ في العشارة، دوراً موازياً لدور تلك المنظومة، بالرغم من عملها المأجور ولكن الذي راعى، إلى حدٍّ ما، الظروف الاقتصادية الصعبة في معظم الحالات. وكذلك كانت للعيادات الطبية الخاصّة مساهمتها الفرعية، وإن في نطاقٍ محدودٍ، وخاصّةً في مدينة الميادين التي تحوّلت إلى عاصمةٍ فعليةٍ للمحافظة.
داعش وأثرها على الواقع الصحيّ
في الأشهر الأولى لسيطرة التنظيم على محافظة دير الزور، أشاع مؤيدوه وأعضاؤه أنباءً إيجابيةً عن عدم نيته التدخل في الشأن الصحيّ. إلا أن الأشهر اللاحقة كشفت زيف هذه الأنباء؛ إذ أسّست داعش ما يسمّى بديوان الصحة، الذي ترأسه ممرضٌ سابقٌ –يؤكد بعض من احتكوا به مهنياً أنه لا يمتّ حتى إلى التمريض بصلةٍ- من غير أبناء المحافظة. وعملت على تقسيم جهازها الصحيّ قيد الإنشاء إلى أربعة أجزاء (قواطع، بحسب تقسيمها الإداريّ لولاية الخير/ دير الزور) يترأس الحقل الطبيّ في كلٍّ منها أحد أعضاء التنظيم. ويعمل تحت هذا المسؤول أعضاءٌ ثانويون في كلّ مؤسّسةٍ طبيةٍ، فرضتهم داعش على هذه المؤسسة ليداوموا فيها بشكلٍ مستمرٍّ، دون أن تكون له أو لهم أدوارٌ مهنيةٌ واضحة. ويؤكد نشطاء طبّيون أن هدف هذا الإجراء هو فرض الحضور والهيبة والمراقبة كذلك، تمهيداً لابتلاع داعش لكلّ المؤسسّات القائمة وتحويلها إلى جزءٍ من جهازها الصحيّ الذي يبدو متعثراً ومرتجلاً حتى في حال اكتماله.
ويمكن تحديد أبرز قرارات وأعمال داعش في الحقل الطبيّ بما يلي:
-1 منع جميع المنظمات والجهات المموِّلة من رعاية أيٍّ من المؤسّسات الصحية أو التعامل معها بأيّ شكل.
-2 منع أطباء النسائية من مزاولة عملهم.
-3 افتتاح مشفى عباد الرحمن في قرية جديد عكيدات، وإجبار أطباء المنطقة وممرّضيها على العمل فيه جزئياً وفق برنامجٍ يغطّي كلّ أيام الأسبوع.
-4 رعاية بعض النقاط الطبية المتعثرة وتقديم رواتب شهريةٍ للعاملين فيها.
-5 الاستيلاء على مشفى هجين –حكوميٌّ حديثٌ وغير مفتتح- وإعادة تشغيله بتمويلٍ وإدارة مباشرةٍ من التنظيم. وجاري الآن إعادة تأهيل المشفى الوطنيّ في الميادين، لتشغيله كمشفىً خاصٍّ بالأمراض النسائية والتوليد.
-6 في الأسابيع الأخيرة، أقدمت داعش على إغلاق بعض المؤسّسات القائمة، بذريعة تردّي خدماتها والنقص في كوادرها.
تمارس داعش، من خلال مندوبيها المنتشرين في كلّ مركزٍ طبيٍّ أو مشفىً، تضييقاً شديداً على كادر العمل الأصليّ فيها. وكذلك تستخدم الإغراء الماديّ بعرض رواتب عاليةٍ على الأطباء والممرّضين والفنيين المهرة مقابل انضمامهم إليها أو ما يعرف بالبيعة. ولم يفلح أسلوب داعش ترغيباً أو ترهيباً إلا في استقطاب عددٍ محدودٍ جداً من الممرّضين، في حين لم تنجح إلا في إقناع طبيبٍ واحدٍ بايع التنظيم مؤخراً، بحسب مصادر خاصّةٍ وموثوقة. وأدّت ممارسات داعش في القطّاع الطبيّ، وكذلك جوّ الخوف والإحباط العامّين الذي جلبته معها، إلى موجة نزوحٍ إضافيةٍ لبعض العاملين في هذا القطّاع.
لا يُتوقع أن تجبر داعش العاملين الطبيين الذين يشغّلون المؤسّسات القائمة على بيعتها قسراً، أو أن تقدم على تحويل هذه المؤسّسات إلى أجزاء عضويةٍ من جهازها الطبيّ قيد الإنشاء. ذلك الجهاز الذي لن يكتمل، بحسب خطة داعش، إلا بتخريج الدفعة الأولى من طلاب كلية الطبّ التي افتتحتها مؤخراً في محافظة/ ولاية الرقة، وفق معلوماتٍ خاصّةٍ حصل عليها معدّو هذا التقرير.
جدولٌ بالمستشفيات القائمة في محافظة دير الزور*
* حُدّدت المؤسّسات الطبية على أنها مشفى بحسب قدرتها على القيام بعملياتٍ جراحيةٍ بشكلٍ مستمرٍّ في مقرّاتها، وبعيداً عن الأوصاف التي أطلقها بعض النشطاء الطبيين على المؤسّسات المفتتحة.