إلى الشمال الغربي من مدينة دير الزور، وعلى مسافة 58 كم، تقع آثار حلبية وزلبية بجوار الفرات، والتي كانت محط الرحلات السياحية المدرسية منها والعلمية، لجمال المنطقة وغناها التاريخي. ولا يستطيع أحد ممن يستقلّون القطار القادم من حلب إلى دير الزور أن يخفي انبهاره بالمشهد الساحر لتلك التحفة الأثرية بإطلالتها على الفرات.
تقع المدينتان التوأمان على هضبة مرتفعة تغطيها حجارة بركانية، تعد امتداداً لجبل البشري، ويقسمها الفرات إلى قسمين، فتصبح مدينة حلبية أو زنوبيا على الضفة الغربية للنهر، ومدينة زلبية أو زلوبيا على الضفة الشرقية، بمسافة تفصل بينهما تقارب 3 كم. ولموقع المدينتين أهمية كبرى في هذه النقطة من نهر الفرات، إذ يشكل موقعاً عسكرياً ممتازاً لتحصينه الطبيعي بالصخور الشاهقة الموجودة على سفح الهضبة، حيث بنيت مدينة الخانوقة في العصر العباسي، وسميت كذلك لاختناق النهر هناك من الصخور والأحجار. كما يتحكم هذا الموقع بالطريق النهري وطريق القوافل التجارية البرية القريبة منه. يعود بناء المدينتين إلى العهدين البابلي والآشوري، إذ دانتا لهما بالولاء حيناً وبالثورة عليهما أحياناً أخرى، حتى قام ملك آشور ناصر بال بحملة عسكرية، سنة 878 ق. م، ونكل بأهلهما وخربهما وبنى مكانهما قلعتين على ضفتي النهر. وتذكر المصادر التاريخية أن سكاناً غير معروفين سكنوا مضيق حلبية قبل الآراميين بقرون. وفي عهد السلوقيين وجدت عدة مدن في ممر حلبية، ولكنها زالت بشكل كامل ولم يبق من آثارها شيء. ولما نمت مملكة تدمر ذلك النمو المفاجئ الذي جعلها من أكبر مدن الشرق، وبسطت سيطرتها على ضفاف الفرات؛ جعلت من المدينتين، اللتين تبعدان إلى الشرق منها مسافة 165 كم، مركزين تجاريين هامين درّا عليها الكثير من الأموال بفضل موقعهما الجغرافي والتجاري المميزين. وفضلاً عن الأهمية الجغرافية والتجارية، فإن موقع المدينتين يشكل حصناً عسكرياً مميزاً. ويقترب طراز قلاعهما في بنائها من العمارة العسكرية البيزنطية. وتتميز مدينة حلبية بشارع ذي أعمدة رخامية على الجانبين، يمر ببابي المدينة الجنوبي والشمالي.
كما وجدت كنيسة ودار للقضاء وأبراج وأهرامات استخدمت كمدافن تشبه الأهرامات التدمرية وحمام ومطابخ. وعثر على الكثير من أواني الطبخ وقطع قماشية صنعت في المدينة في ذلك الوقت، مما يدل على حضارة حقيقة ونهضة اقتصادية تميزت بها المدينة في ذلك التاريخ.
وزلبية هذه، التي تقع على ضفة الفرات الشرقية جنوب حلبية على بعد ثلاث كيلومترات، كانت تشبه توأمها في معظم تفاصيل بنائها ونمط عيش أهلها. وهي مرتفع من الحجر الجصي كانت عليه قلعة ذات أسوار وأبراج مبنية بالحجر الجصي. وقد جرف النهر هذا المرتفع لأنه يمر من تحته مسرعاً، وذهب بمعظم القلعة.
وعلى سفح هضبة حمة الجزيرة آثار رسوم أبنية من الحجر البازلتي هي زلبية القديمة الآشورية التدمرية. كما تشاهد إلى الشمال من القلعة بقايا سد كان قائماً على الفرات استخدم لغايات الري والزراعة والحد من فيضان النهر. ولكن تعاظم أهمية تدمر التجارية ومدنها جر عليها الويلات ولفت نظر الغزاة المنافسين، فقام الرومان بقتال التدمريين وتدمير مدنهم ومنها حلبية وزلبية. وتذكر بعض الروايات التاريخية أن الملكة زنوبيا، بعد حصار الرومان لها في تدمر، تسللت محاولة الوصول إلى حلبية وزلبية على شاطئ الفرات، لكن حامية رومانية قامت بأسرها واقتيادها. ودمر الرومان حلبية وزلبية لتصبح أوابد أثرية تسرد قصة حضارة المدينتين التوأمين اللتين تغفوان على كتف الفرات.