- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
تسوية بين الكنيسة والإدارة الذاتية في القامشلي.. تحرم الطلاب العرب والأكراد من الالتحاق بالمدارس المسيحية
في يوم (7) من شهر آب الماضي، وجهت "هيئة التربية والتعليم" التابعة ل"الإدارة الذاتية" في محافظة الحسكة، أو في ما تسميه الإدارة ب"كانتون الجزيرة" الخاضعة لسيطرة "قسد"، إنذاراً للمدارس المسيحية الخاصة بالسريان والأرمن، تطالب فيها بإغلاق هذه المدارس التي رفضت، أو رفض المسؤولون عنها، القرار.
تصاعدت الأزمة بين الجانبين، لتبلغ ذروتها يوم (28) من الشهر ذاته، حين توجهت قوة مشتركة من "الأساييش" وهو الجهاز الأمني التابع ل"الإدارة الذاتية" ومن الجناح الموالي لها في "قوات السوتورو"، إلى (4) مدارس لتنفذ قرار الإغلاق بالقوة، ما فجر غضباً شعبياً عارماً، خاصة في الوسط المسيحي؛ تجلى بمظاهرة شارك فيها المئات أمام مدرسة الأمل الخاصة التابعة لكنيسة "السيدة العذراء" وسط مدينة القامشلي.
نجح المتظاهرون باستعادة السيطرة على مدرسة الأمل وثلاثة مدارس أخرى. وشجب رجال الدين المسيحي في محافظة الحسكة في بيان أصدروه تصرفات "الإدارة الذاتية"، ورفضوا قرارها، معتبرين المدارس المسيحية "خط أحمر"، مثلها كمثل الكنائس.
فيما أصدرت "المنظمة الآثورية الديمقراطية" المعارضة، بياناً أدانت فيه "الممارسات التعسفية التي تصدر عن الإدارة الذاتية باعتبارها سلطة أمر واقع تتجاوز صلاحياتها القانونية النابعة من هذه الصفة"، وطالبت بتخلي "الإدارة الذاتية" عن نهجها في قضية التعليم. ونبه البيان إلى أن التمسك بالمدارس وفق المنهاج و "بما ينطوي عليه من أدلجة وتحريف للتاريخ، وإنكار حالة التنوّع" ليس تفضيلاً له على "مناهج الإدارة الذاتية التي تحتوي أيضاً على جرعة لا تقلّ عنها من الإيديولوجيا الحزبية"، بل تماشياً مع ضرورات قانونية يحظى بها منهاج النظام باعتراف محلي ودولي، لا يحظى به منهاج "الإدارة الذاتية".
يبلغ عدد المدارس التي طالها قرار الإغلاق (17) مدرسة، تتوزع على مدن القامشلي والحسكة والمالكية والقحطانية والدرباسية، وتتبع لكنائس السريان الأرثوذكس والكاثوليك، والأرمن الأرثوذكس والكاثوليك، ولكنيسة البروتستانت.
بعد ذلك خاضت الكنائس، ممثلة بمطران السريان الأرثوذكس موريس عمسيح، مفاوضات مع الرئيس المشترك ل"كانتون الجزيرة" حميدي دهام الجربا، لتسفر عن اتفاق، قال مصدر خاص لعين المدينة بأنه يقضي بأن تسمح "هيئة التربية والتعليم" للمدارس المسيحية أن تستأنف عملها، وبالمناهج التعليمية المعتمدة لدى وزارة تربية النظام، وعلى شرط ألا تقبل أي طالب عربي أو كردي بين طلابها.
في السنوات الماضية، وفي ظل منظومة التعليم التي أنشأتها "الإدارة الذاتية"، والتي تعتمد مناهج تعليمية خاصة بها تنبثق في بعض موادها الدرسية من رؤى عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني (pkk) ومن أدبيات هذا الحزب وامتداده السوري حزب الإتحاد الديمقراطي (pyd)؛ شكلت المدارس المسيحية الخيار الوحيد لآلاف العائلات من مختلف الطوائف في محافظة الحسكة، لتعليم أبنائها تعليماً يحظى بالاعتراف، ويتيح لهم استكمال دراستهم في المعاهد والجامعات داخل سوريا وخارجها. وستحرم الشروط التي فرضتها "الإدارة" على هذه المدارس آلاف الطلاب من خارج الطوائف المسيحية فرصة إكمال تعليمهم، وسيجبر بعض العائلات المقتدرة مادياً على إرسال أبنائها إلى مدن دمشق أو حلب أو حمص الخاضعة لسيطرة النظام، وفي حالات ستغادر عائلات بأكملها منازلها في محافظة الحسكة.
إلى جانب الأزمة المستفحلة في قضية التعليم، سلطت الأحداث الأخيرة في القامشلي وما تلاها من تجاذبات، الضوء على أزمات أخرى عميقة تعاني منها الطبقة السياسية للسكان المسيحيين في محافظة الحسكة، حيث تتعدد الولاءات في أوساطها بين أطراف متصارعة: الولاء لمشاريع حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الذي يعد الحاكم الحقيقي امناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية، والولاء لنظام الأسد وما يحيل إليه ذلك من تجربة مريرة تحت سلطة نظام الأسد، حرم فيها السريان على وجه الخصوص من حقوقهم الثقافية، وفرضت عليهم خلالها هوية بعثية لا يمتون إليها بصلة، فيما يأتي الولاء الأخير لصالح الثورة السورية التي شكلت في سنواتها الأولى أملاً كبيراً لقطاع واسع من مسيحيي الحسكة بالتغيير وببناء مستقبل أفضل.