- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
تدمُر مستوطنة إيرانية بزعامة روسية والنظام يمنع أهلها من العودة
ما إن سيطرت قوات النظام السوري والميليشيات الأجنبية الشيعية وبتغطية من الطيران الروسي على مدينة تدمر شرق حمص، بعد معركة استعادة المدينة للمرة الثانية من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والتي انتهت بخروجه من تدمر وانتشاره بمناطق متفرقة في باديتها مطلع آذار من العام الفائت -حتى شرعت عناصر الميليشيات بالسطو على منازل المدينة الخالية من أهلها حتى الآن، وتقاسم النفوذ الصامت مع القوى الحقيقية فيها.
طبقات من الميليشيات في المدينة والكلمة النهائية للروس
عمدت قوات النظام السوري منذ سيطرتها على المدينة في آذار عام 2017 إلى نهب منازلها، كما منعت أهاليها من العودة إليها، سواء من مُوالِي النظام أو معارضيه، في ما يبدو استجابة لتوجيهات حلفائه الإيرانيين، الذين عملوا منذ دخولهم للمدينة على توطين عوائل ميليشياتهم الهجينة في منازل المدنيين، واتخاذ بعضها مقرات عسكرية لعناصرها. في حين اكتفى الروس بوضع عدد من جنرالاتهم وجنودهم كمراقبين على أنشطة النظام والإيرانيين المتواجدين بقوة هناك، لاسيما أن المنطقة غنية بالثروات الباطنية من النفط والفوسفات، فضلاً عن أهمية المدينة الجغرافية والتاريخية.
يقول عبدالله عبدالكريم، مدير صفحة «شبكة البادية 24» والمعنية بتغطية أخبار البادية السورية، إن القوات المسيطرة على مدينة تدمر، في الوقت الراهن، ميليشيات محلية وأجنبية متوزعة الولاءات، بين قوات النظام كميليشيات «حصن الوطن» و«الدفاع الوطني»، وأخرى تتفوق بأعداد عناصرها بأضعاف عن نظيراتها، ذات إيديولوجية دينية بحتة تعتنق المذهب الشيعي، وتتلقى أوامرها بشكل مباشر من قيادات «الحرس الثوري» الإيراني في سوريا، وهي ميليشيات ( الحشد الشعبي العراقي، أبو الفضل العباس، المقاومة الإسلامية العراقية، حزب الله العراقي، الفاطميون الأفغانية، والزينبيون الإيرانية). وتستولي عناصر هذه الميليشيات على منازل المدنيين ضمن أحياء مدينة تدمر الشمالية والغربية، بحسب عبد الكريم.
أما القوات الروسية ضمن مدينة تدمر فلا تتجاوز الـ300 عنصر بين جنرالات وجنود، من ضمنهم مرتزقة أوكرانيون يعملون لصالح شركة «فاغنر» الأمنية، بهدف كبح جماح النفوذ الإيراني وتحجيمه في المدينة، ومنشآت الموارد الطبيعية التابعة لها، كما يشرح عبد الكريم «فعلى الرغم من قلة عدد القوات الروسية، قياساً بحلفائهم الإيرانيين، إلا أنهم أصحاب القرار في كل شيء بالمنطقة».
لا شافع للمدنيين
يلاحظ موظف من أبناء المدينة المتواجدين بمناطق سيطرة النظام في مدينة حمص، أن تواجد أبناء المدينة يقتصر على بعض المتطوعين ضمن قوات النظام والميليشيات المواليه له، وبعض الموظفين الحكوميين في شركة الكهرباء ومؤسسة المياه، إضافة إلى عمال البلدية المتواجدين في حمص ودمشق، بعد حصولهم على «مهمات عمل» من إداراتهم.
على أن ذلك لم يغير من مصير قتيبة العايد، اللاجئ حالياً في مدينة غازي عنتاب التركية، فعقب سيطرة داعش على تدمر توجه لمدينة حمص من أجل اللحاق بزوجته وطفلته الوحيدة، غير آبه للملاحقات الأمنية، حيث كان موظفاً لصالح شركة مناجم فوسفات الشرقية «الصوانة». ولكن، على عكس توقعاته، فقد اعتقلته المخابرات ليقضي نحو خمسة أشهر سجيناً متنقّلاً بين الفروع الأمنية في حمص ودمشق، بتهمة مناصرة داعش.
وتعددت وجهات النزوح لمعظم سكان المدينة إلى ثلاث مناطق مختلفة، وهي مناطق سيطرة داعش في الرقة ودير الزور قبل أن ينسحب منهما، أو إلى قرى وبلدات الشمال السوري الخارجة عن سيطرة قوات النظام في حلب وإدلب، وأخيراً إلى مخيم الركبان (300 كم جنوب شرق مدينة حمص) على الحدود السورية مع الأردن، والخاضع لسيطرة قوات التحالف الدولي. بينما لجأ البعض إلى الريحانية وعينتاب في تركيا. في حين امتنع الأهالي عن التوجه لمناطق سيطرة النظام في حمص ودمشق، بعد توارد الأخبار عن اعتقالات عشوائية نفذتها قوات الأمن لكل أبناء المدينة الفارين من تدمر لتلك المناطق بحجة مناصرتهم لداعش.
يقول عضو «شبكة تدمر الإخبارية» يوسف التدمري في مخيم الركبان لـ «عين المدينة»، إنه لم يكن يعلم أن «فراره من ممارسات التنظيم وبطش النظام ستفضي لعدم عودته مع ذويه إلى منزله في تدمر، التي أمست مرتعاً لميليشيات طائفية نهبت منازلهم، وابتاعت أثاثها ضمن ظاهرة اعتادت عليها جميع المدن التي تسيطر عليها هذه الميليشيات تحت مسمى التعفيش».
بلغ عدد سكان مدينة تدمر مطلع عام 2011 الفائت نحو 110 آلاف نسمة، بحسب توثيق دائرة النفوس التابعة لحكومة النظام، ومع اندلاع الثورة السورية انتفض أبناء تدمر كغيرهم من السوريين، وكان لهم دور في ذلك الحراك السلمي، ليتم في وقت لاحق قمعهم من آلة النظام العسكرية وخروج الثوار حينها من المدينة، لتصبح تحت سيطرة قوات النظام وفروعه الأمنية حتى منتصف آذار من عام 2015، حيث شن عناصر داعش معركتهم الأولى للسيطرة على تدمر، والتي انتهت بانسحاب قوات النظام منها وتركها المدنيين العزل في مواجهة داعش، مع استمرار قصف الطيران العشوائي، ما دفع معظم أهالي المدينة للنزوح. وكانت قوات النظام السوري مدعومة بالميليشيات الموالية لها استعادت مدينة تدمر للمرة الأولى من قبضة التنظيم في منتصف 2016، قبل أن يستعيدها التنظيم في وقت لاحق.