- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
تحديات تواجه القطاع التعليمي في إدلب ومبادرات فردية لإنعاشه
تعترض العملية التعليمية في مناطق شمالي غربي سوريا صعوبات جمة تقف حجر عثرة أمام متابعة الطلاب لتعليمهم، منها غياب الدعم من مجموعة من الجهات المانحة عن قطاع التعليم، وصعوبة تأمين الكتب المدرسية للطلاب وتداول الكتب المستعملة، إضافة إلى نقص الكوادر التعليمية، وغياب المدرسين الأكفاء بسبب هجرة معظمهم إلى خارج البلاد بحثاً عن الأمان، والدمار الكبير للمدارس فمعظمها متضرر جزئياً أو كلياً بسبب القصف.
تنتشر في إدلب ظاهرة تسرب الطلاب بسبب فقدان الأمان والوضع المعيشي الصعب الذي أجبر الكثير من الأسر على الامتناع من إرسال أبنائها إلى المدارس وتشغيلهم في العديد من المهن، ما أدى إلى تعميق ظاهرة العمالة المبكرة للأطفال.
الأربعيني محمد الدبس نازح من ريف إدلب الجنوبي ويقطن حالياً في معرة مصرين، يقول لعين المدينة بأنه لم يسجل أبناءه الثلاثة في المدرسة بعد نزوحه بسبب حاجته إلى أجر عملهم بعد عجزه بمفرده عن تأمين متطلبات العيش، وانقطاعهم الطويل عن المدرسة وتأخرهم عن أقرانهم، إذ "لا فائدة من تعليمهم" على حد تعبيره.
ويرى علي الحسين مدير مدرسة سابق في مدينة إدلب، أن من أسباب انتشار التسرب هو امتناع الأهالي عن إرسال أبنائهم إلى المدارس بسبب خوفهم عليهم من الخطف والقصف الذي يستهدف المراكز الحيوية بما فيها المدارس، عدا عن أن معظمهم أصبح غير قادر على توفير نفقات الطعام فضلاً عن مستلزمات الدراسة، وخاصة أن غالبية الأهالي في المنطقة باتوا يعيشون تحت خط الفقر المدقع.
قضية التسرب المدرسي للتلاميذ في إدلب وريفها تسلط الضوء على ظاهرة اجتماعية خطيرة ناتجة عن فقدان التعليم لشريحة اجتماعية هامة داخل المجتمع وفق مازن الحميدو، وهي "واحدة من أخطر الكوارث، لأن انهيار التعليم وغياب الحلول الإستراتيجية للقطاع التعليمي لتدارك هذه الكارثة سيضع مصير جيل كامل في مهب المجهول" .
ويؤكد الحميدو الأستاذ في التربية والإرشاد النفسي من مدينة الدانا، بأن الأطفال الذين عاشوا الحرب بتفاصيلها وتركوا التعليم سيكونون لاحقاً عرضة للانحراف في ظل الفوضى الحاصلة والسلاح المنفلت، وإذا استمر الوضع على حاله سيترسخ لديهم الميل إلى العدوانية والعنف الزائد، في ظل فقدان الرعاية الأسرية والتربوية اللازمة في هذا السن المبكر.
ووفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف فإن ”نظام التعليم في سوريا يعاني من إرهاق ونقص في التمويل، وهو مجزأ وغير قادر على تقديم خدمات آمنة وعادلة ومستدامة لملايين الأطفال، وفي الداخل السوري هناك 2.4 مليون طفل خارج المدارس، 40% منهم فتيات".
وتتواصل معاناة المعلمين في الشمال السوري في ظل غياب الدعم وتدهور الوضع المعيشي، حيث يعمل معظم المعلمين بشكل تطوعي أو بأجور رمزية، ما ينعكس سلباً على سير العملية التعليمية.
الثلاثينية سميرة بكداش من قورقانيا في إدلب، توضح بأن الوضع التعليمي في مدرسة أبنائها غير مستقر بسبب غياب المدرسين والتقصير في الدروس، مرجعة السبب في ذلك إلى غياب الدعم عن التعليم.
بدورها تشير منيرة العلي مدرسة لغة عربية متطوعة في مدرسة الصفاء، إلى أن عملها التطوعي في المدرسة ينعكس سلباً على حياتها من الناحية الاجتماعية والمهنية والمادية، مطالبة الجهات المعنية بتوفير دعم للكوادر التعليمية في المدرسة وإعطائهم كامل حقوقهم وعدم تهميشهم.
وتلفت العلي إلى أن معظم "الكوادر تفكر بترك التعليم، بينما هجر قسم منهم العمل في المدرسة وراحوا يزاولون مهن أخرى تؤمن لهم دخلاً يعتاشون منه، بعد ما آلت إليه أحوالهم المعيشية المزرية، تاركين الطلاب لمصيرهم المجهول".
ولدعم المعلمين والعملية التعليمية قام ناشطون وسكان في عدد من المدن والبلدات بمحافظة إدلب بمبادرات أهلية لدعم المعلمين وتأمين رواتب لهم خشية من تركهم لوظائفهم تحت الضغوط المادية، تمثلت هذه المبادرات بحملات لجمع المال من السكان والمغتربين لدعم فكرة "صناديق التعليم" في تلك المناطق.
ويرى محمد القنطار الموجه التربوي في مدينة إدلب، أن المبادرات الأهلية التي أقيمت في كفرتخاريم وجسر الشغور وأريحا وغيرها، "ساهمت بتحسين مستوى التعليم إلى حد ما، لكنها لا ترقى لتأمين رواتب المعلمين واللوجستيات التي تحتاج إلى حكومات تخصص كتلة مالية دائمة لحل المشكلة".
ويزداد وضع قطاع التعليم سوءاً في المخيمات التي تفتقر بمعظمها للمراكز التعليمية، وإن وجدت فتغيب فيها أدنى مقومات التعليم.
تخبرنا الأرملة منى العبسي 35 عاماً نازحة من معرة النعمان وتقيم في احدى مخيمات دير حسان العشوائية، أن أطفالها الأربعة حرموا من التعليم بعد نزوحها الأخير الذي قارب الثلاث سنوات بسبب بعد مكان المدرسة عن المخيم الذي تقطنه. تقول أنهم نسوا القراءة والكتابة وكل ما قد تعلموه سابقاً بسبب انقطاعهم الطويل عن الدراسة، إذ تبعد أقرب مدرسة عن مكان وجود العبسي نحو ثلاث كيلو مترات، وهي مسافة لا يمكن قطعها سيراً على الأقدام وخاصة في فصل الشتاء على حد تعبيرها.
الواقع المرير للتعليم في المخيمات دفع عدداً من المعلمين للتطوع بهدف تعليم الأطفال المتسربين والمنقطعين عن التعليم لتعويض ما فاتهم في مأساة النزوح، رغم ما يعانيه القائمون على تلك المبادرات الفردية من صعوبات وعوائق في تأمين التجهيزات اللوجستية وغيرها من احتياجات العملية التعليمية.
المعلمة سناء الفاضل نازحة من مدينة كفرنبل وتقطن في مخيم باريشا، أحزنها حال أطفال المخيم الذي تقطن فيه وعجزهم عن القراءة والكتابة رغم كبر سنهم، لذا قررت مساعدتهم عن طريق فتح خيمتها لتعليم الأطفال القراءة والكتابة كحل إسعافي يضمن لهم جزءاً من حقهم بالتعلم.
وقبل أيام أطلق ناشطون سوريون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "ادعموا تعليم إدلب" للمطالبة بتحسين التعليم في شمال غربي سوريا، وتحديداً في محافظة إدلب، وشدد القائمون عليها على أن التعليم يشكل المفتاح من أجل تحسين ظروف الأطفال، كما أن التعليم يقضي على ظواهر تشكل انتهاكاً لطفولتهم مثل عمالة الأطفال والزواج المبكر والتجنيد لدى الفصائل المسلحة، ودعا القائمون على الحملة إلى محو الأمية وإنشاء جيل متعلم واع ومثقف بالإضافة إلى الحد من البطالة وإعطاء المعلمين حقوقهم.