- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
بلدة سرمين تجذب السكان إليها رغم اقترابها من خط النار
منذ ثلاث سنوات تعيش سرمين على مقربة من خطوط التماس مع قوات النظام، ويعتمد سكانها والمهجرون إليها على نشاط اقتصادي ضعيف وسوق تجاري متواضع؛ يجاهد المجلس المحلي فيها والمنظمات الإنسانية لتأمين الخدمات في حدها الأدنى، وما زالت آثار القصف واضحة للعيان في الأبنية والنفوس. رغم كل ذلك تشهد البلدة ازدياداً في عدد سكانها الذين يشكل المهجرون غالبيتهم.
أصر أبو أحمد (30 عاماً) رغم كم الانتقادات التي واجهها، على العودة للسكن ببلدة سرمين شرقي إدلب، رغم أنها أصبحت على مقربة من خطوط التماس مع قوات النظام بعد الحملة العسكرية في 2019، والتي أسقطت مدينة سراقب والقرى المحيطة بها التي لا تبعد عن سرمين سوى بضع كيلو مترات تحت قبضة النظام.
وصل أبو أحمد في مثل هذه الأيام من عام 2016 إلى محافظة إدلب على باصات التهجير التي حملته مع عائلته من مدينة داريا بريف دمشق. وكانت بلدة سرمين أول محطة يصل إليها بعد التهجير بالمصادفة، بعد أن نزل من باصات التهجير في منطقة قلعة المضيق بريف حماة، النقطة الأخيرة التي تصل إليها باصات التهجير آنذاك.
يروي أبو أحمد أنه ركب بإحدى الباصات التي كانت متجهة إلى محافظة إدلب، وحط ببلدة سرمين التي أعلن مجلسها حينها عن إمكانية استقبال العوائل المهجرة في البلدة. "أقل من عشر دقائق هي كل ما قضيناه بعد نزولنا من الباص ببلدة سرمين، قبل أن نجد أنفسنا في بيت مجهز من كل شيء.. حتى وجبة الغداء" يقول أبو أحمد.
تهافت الأهالي ببلدة سرمين على المدرسة الريفية موقف باصات العوائل المهجرة، لاستقبالهم ونقلهم إلى بيوتهم وبيوت أقربائهم المغتربين عن سوريا. يوضح أبو أحمد أنه طيلة مكوثه بالبلدة لم يطالبه صاحب المنزل بأي أجرة "كان يدفع عني اشتراك الكهرباء، وتعبئة المياه أيضاً".
تبدو قصة أبو أحمد مثالية، أو يمكن التخمين أنها "حالة خاصة"، إلا أن عشرات النازحين والمقيمين ببلدة سرمين رووا قصصاً مشابهة لحكاية أبو أحمد.
يكثر النازحون في بلدة سرمين؛ يقطنون في منازل جيدة دون أجار شهري أو يدفعون أجرة رمزية لا تتعدى 100 ليرة تركية، كما لا تصل أجرة المنازل في البلدة إلى أكثر من 25 دولاراً، وفي أغلب الأحيان تطلب الأجرة بالليرة التركية، بينما تبدأ ببلدة بنش ومدينة إدلب القريبتين من سرمين عند 50 دولاراً فما فوق.
تدني أجور المنازل والمحال التجارية كذلك، شكل عاملاً أساسياً جذب عشرات المهجرين للبلدة، رغم أنها لا توفر فرص عمل جيدة لاعتماد نشاطها الاقتصادي على زراعة الزيتون والتين خاصة وتقطيع الرخام وبعض الخدمات، ثم أنها على مقربة من خطوط الجبهات.
يقول أبو عدنان (35 عاماً) مهجر من مدينة سراقب ويقيم في سرمين، أنه اختار البلدة للسكن مع أن عمله في المنطقة الصناعية في إدلب، موضحاً أن سهولة المواصلات والتنقل بين مدينة إدلب وسرمين، جعلها مكاناً مناسباً للسكن، لا سيما أن أجرة منزله في سرمين 100 ليرة تركية، وفي إدلب التي لا تبعد أكثر من 6 كم عنها، يصل الآجار لبيت مشابه إلى 70 دولاراً.
يستدرك أبو عدنان محاولاً شرح سبب آخر دفعه إلى البقاء في سرمين قائلاً: "من مبنىً مرتفع أستطيع أن أرى أجزاء من مدينتي سراقب، ربما الحنين يجبرني على البقاء قريباً منها".
دُمّر جزء من تاريخ سرمين الحضاري المتمثل بالأبنية الأثرية بقصف النظام، فخسر أهلها الذين يعتزون بذلك التاريخ حماماتها الأثرية وجزء من سوقها التاريخي في العام 2017، بينما سبق لتنظيم الدولة أن هدم ضريحي خولة بنت الأزور وأخيها ضرار في العام 2014، ونال سكانها نصيبهم من القصف بالكيماوي بعدها بسنة. لكن ساهمت عوامل أخرى باستقطاب المهجرين إلى البلدة، حيث تتميز بانخفاض أسعار السلع الغذائية والتموينية والخضار والفواكه وأجور الصيانة وخدمات الانترنت والألبسة أيضاً.
يقول أبو مازن (56 عاماً) مهجر من خان شيخون بريف حماة ويقيم في سرمين، أنه عندما يذهب لشراء حاجياته من سوق سرمين، فإنه لا يسأل عن السعر، كما لا يهتم باختيار محل محدد، موضحاً: "جميع المحلات تبيع بالسعر ذاته، كما أن الأسعار رخيصة ولا تقبل المناقشة، وخبرت ذلك بعد مقارنتها بأسواق إدلب وغيرها".
ويضيف أبو مازن: "في بنش مول تجاري دائماً ما يعلن عن تخفيضات وعروض، في سرمين الأسعار ذاتها وأحياناً أقل بشكل دائم ودون عروض".
تبلغ عدد العوائل النازحة المقيمة في سرمين 1820 عائلة، وهو ما يقارب 60 في المئة من عدد الأهالي في البلدة والبالغ 3500 أسرة، وهو عدد قابل للزيادة مع توافد عوائل جديدة بحسب علي طقش رئيس المجلس المحلي للبلدة.
ويقول الطقش أن عدد النازحين إلى البلدة تجاوز 2500 عائلة قبل حملة 2019 التي جعلت من سرمين ممراً للقوات العسكرية والتعزيزات، وهو ما عرضها لقصف عنيف دفع جميع السكان إلى مغادرتها، وخلف دماراً واسعاً بمنازلها وخرب البنية التحتية بشكل شبه كامل.
ومنذ اتفاق وقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا الذي بدأ تنفيذه مطلع آذار 2020، بدأت العودة تدريجياً للبلدة، وكانت عوائل نازحة من ريف دمشق وحماة من أوائل العائدين للبلدة وفق الطقش.
ويوضح رئيس المجلس أن البلدة باتت تشهد نشاطاً ملحوظاً في إعادة تأهيل البنية التحتية، حيث "عمل المجلس بدعم من منظمات إنسانية على إعادة ترميم شبكة المياه وتفعيل ضخها للمنازل، كما أجرى مشاريع عدة لإصلاح خطوط الصرف الصحي، ومؤخراً بدأ العمل على تجهيز خطوط الكهرباء لإيصالها للمشتركين خلال مدة لا تتجاوز الشهرين".
بينما نشطت حركة الأسواق وتنوعت المراكز التجارية ومحال المأكولات والإكسسوارات وغيرها، كما زاد عدد المراكز الصحية والعيادات الخاصة في البلدة والصيدليات، وأُعيد تأهيل المركز الصحي المجاني المدعوم من منظمة "الجمعية الطبية السورية الأمريكية" (SAMS) والذي يحوي عشرات العيادات ومخبر وقسم إسعاف.
إلا أنه من الناحية العمرانية فإن البلدة لا تزال تشهد تحركاً خجولاً باستثناء بعد الإصلاحات والترميم لما خلفه القصف، ويعود السبب لعدم توفر مستثمرين من البلدة قادرين على إعمار حقيقي، كما لا تجذب سرمين المستثمرين الخائفين من قرب البلدة من خطوط القتال.