- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
بادية السويداء.. حين كانت سوقاً مفتوحة للنفط والسلاح بين النظام وداعش
رغم الاختلافات السياسية بين أبناء محافظة السويداء، إلا أن غالبية الأهالي يجمعون على عداء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ويتفقون على اعتباره خطراً وجودياً لا يمكن التغاضي عنه. ورغم ذلك فقد تمتّع داعش طوال السنوات الماضية بنفوذ اقتصادي داخل السويداء، دفع البعض من أبناء المنطقة للتعامل معه، ولو بشكل غير مباشر.
تعتبر بادية السويداء الشرقية واحداً من الأسواق المهمة التي استغلها داعش لبيع جزء من إنتاجه النفطي، إلا أن تراجع نطاق سيطرته منذ أقل من عام، وخسارته لآبار النفط في دير الزور، أدى إلى تراجع قدرته على متابعة هذه التجارة كما كانت سابقاً.
ريف السويداء الشرقي.. سوق لتصريف النفط القادم من مناطق داعش
تنتشر شرق محافظة السويداء مجموعة من القرى والتجمعات السكانية الصغيرة، تقيم فيها بعض العشائر البدوية على أطراف المحافظة، وأبرزها عشائر العدوان والغياث والحسن. وتتصل هذه المناطق مع البادية السورية بشكل مباشر، ما كان يسمح لقوافل النفط بالوصول إليها قادمة من الحقول الخاضعة لسيطرة داعش في دير الزور، قاطعة نحو 300 كم في الصحراء. ورغم انسحاب داعش من المنطقة، إلا أن تجار النفط والسلاح أوجدوا منافذ وطرقاً ومصادر أخرى لتصريف بضائعهم.
تنتشر في محافظة السويداء عشرات الحواجز التابعة للأفرع الأمنية، وأبرزها الأمن العسكري، إلا أن كثرة هذه الحواجز وكثافتها لم تشكل عائقاً أمام مهربي الأسلحة والنفط، بين ضفتي السويداء الشرقية والغربية – ذهاباً وإياباً-، وإنما ساهمت فقط برفع أسعار المواد المهربة على الأهالي، بسبب الإتاوات التي يتقاضاها العناصر من المهربين.
يُعتبر النفط المكرر بدائياً من أكثر السلع الرائجة شرقي المحافظة، حيث بات الأهالي يعتمدون عليه بشكل واسع في ظل عدم توفر المحروقات بشكل نظامي، إذ يشير بعض المهربين، أن كميات النفط التي كانت تصلهم من داعش عبر وسطاء من البدو، كانت تقدر بنحو 50 ألف برميل أسبوعياً. إلا أن خسارة داعش لمعظم مناطق سيطرته، أدت لتراجع هذه الكميات إلى نحو خمسة آلاف برميل أسبوعياً فقط، ما أدى لارتفاع أسعار المازوت القادم من هذه المناطق إلى نحو 60 ألف ليرة للبرميل الواحد، بعد أن كان يباع بنحو 35 ألف ليرة، وذلك نظراً لقلة العرض وازدياد الطلب.
وقال أحد أهالي قرية الهويا شرق السويداء، والتي تمر منها خزانات النفط، إن معظم المهربين يكونون عادة من أبناء السويداء، إلا أنهم يتمتعون بعلاقات قوية مع أشخاص من البدو المقيمين شرق المحافظة، والذين يتمتعون بعلاقات مع عناصر داعش المتواجدين بأعداد محدودة حالياً في بادية السويداء.
بعد تراجع داعش في البادية، اضطر المهربون إلى إيجاد طرق ومنافذ جديدة لتصريف بضائعهم، فباتت أبرز المعابر تمر قرب قرى الكسيب ودوما وبارك ومنطقة تل صعدة شمال غرب السويداء، بعد أن كانت تمر قبل ذلك من قرى الهويا وملح والرشيدة والشعاب في الجنوب الشرقي.
وفي كلتا الحالتين، فإن قوافل النفط تصل إلى بادية السويداء الشرقية، ويباع هناك للبدو الذين يبيعونه للمهربين، إذ يتمتع هؤلاء بصلات مع أجهزة الأمن التابعة للنظام داخل المحافظة، ويتعاملون مع الحواجز المنتشرة فيها، ما يسمح لقوافل المازوت والبنزين بدخول المحافظة، إذ تباع كميات كبيرة منها للأهالي، بينما تصل كميات أخرى إلى غربي السويداء، ليشتريها أشخاص من البدو المقيمين فيها أيضاً، لينقلوها إلى المناطق المحررة في محافظة درعا.
ويشير أهالي في المناطق الشرقية من السويداء، إلى أن المازوت الذي كان يباع داخل السويداء باسم المازوت «الداعشي»، بات يسمى بين الأهالي بالمازوت «الأنباري»، إذ يقول المهربون والتجار أنه يصلهم من منطقة الأنبار في العراق، رغم عدم قدرتنا على التأكد من كيفية وصوله.
يبلغ سعر لتر المازوت «الأنباري» المهرب 300 ليرة سورية حالياً، فيما يصل سعر لتر البنزين إلى 350 ليرة، وهو قريب جداً من أسعار المازوت والبنزين «الحر» (الذي يشتريه أشخاص من محطات الوقود ويبيعونه للأهالي بأسعار مضاعفة). بينما يبلغ سعر المازوت الذي يصل من النظام إلى محطات الوقود نحو 185 ليرة، فيما يصل سعر البنزين إلى 225 ليرة، إلا أنهما لا يتوفران للأهالي في هذه المحطات.
عناصر النظام وتهريب السلاح في السويداء
يسير خط عمليات تهريب النفط والمحروقات من شرقي السويداء إلى غربها، بينما تسير في الوقت نفسه قوافل، بالاتجاه المعاكس، تحمل أسلحة من غرب السويداء إلى شرقها، فـ داعش الذي كان يبيع المحروقات للمهربين، كان يشتري الأسلحة من ميليشيات النظام. وكل ذلك يتم عبر وسطاء محليين من البدو الذين يستطيعون التعامل مع الطرفين دون حرج.
مهربو النفط يكونون عادة مواطنين عاديين، تربطهم علاقات قوية مع قياديين في مجموعات وميليشيات تابعة للنظام، إلا أن المسؤولين عن تهريب الأسلحة يكونون غالباً هم هؤلاء القياديون أنفسهم. إذ برزت أسماء لقياديين في ميليشيا النظام يعملون بتهريب الأسلحة، مثل صخر عزام ورجوان الشامي ورياض أبو سرحان، وعناصر ميليشيا «الدفاع الوطني» التابعين لرشيد سلوم، عدا عن عناصر جمعية «البستان» و«كتائب البعث».
كان داعش، خلال السنوات الماضية، الزبون الأول لقوافل الأسلحة شرق السويداء. بينما تباع كميات قليلة نسبياً لأهالي القرى الشرقية، بسبب وجودهم على خط تماس مباشر مع داعش، وبذلك يبيع المهربون الأسلحة للطرفين. ومع انسحاب داعش من المنطقة وقلة أعداد مقاتليه هناك، ظهرت حاجة لإيجاد أسواق تصريف أخرى، إلا أن صعوبة العثور على زبون يشتري بسخاء مثل داعش، أدت لتراجع عمليات بيع الأسلحة نسبياً.
تبدأ عملية تهريب الأسلحة في منطقة «اللجاة»، التي شهدت معارك سابقة بين داعش وفصائل الجيش الحر، كألوية «العمري» وفرقة «العشائر». انتهت في آذار العام الفائت بإعلان «ألوية العمري» أن المنطقة باتت خالية من داعش؛ إلا أن عمليات التهريب بقيت مستمرة رغم انخفاض كثافتها.
يستلم عناصر الميليشيات التابعة للنظام «السلاح» من البدو المتواجدين في تلك المنطقة، إما عبر شرائه أو الاتفاق معهم على نقله باتجاه الريف الشرقي، مقابل مبالغ محددة تصل إلى نحو مليون ليرة سورية أي ما يعادل نحو ألفي دولار أمريكي، وفق ما ذكرت شبكات إعلامية في المنطقة.
متداولة لقوات النظام في البادية
تصل شاحنات السلاح إلى قرية جدل غرب السويداء، ومنها تدخل عبر طرق زراعية وصولاً إلى بلدة عريقة، مع المرور على حاجز لقوات النظام في طرفها الغربي، لتتابع طريقها نحو مدينة شهبا، حيث تتكفل مجموعة تابعة للمخابرات الجوية بنقلها من هناك إلى قرية طربا شرق السويداء، ويتسلمها المهربون مجدداً، ليقوموا بإيصالها إلى البدو الذين يتكفلون بوصولها إلى داعش.
في ظل كل ذلك الفلتان الأمني والاقتصادي، لم تساهم قوات النظام بأي عملية، حتى ولو كانت شكلية، للحدّ من عمليات التهريب، أو محاسبة المتورطين فيها. واقتصرت المساعي الرامية لإيقاف هذه القوافل على جهود أبناء القرى القريبة من مناطق التهريب، إضافة لإيقاف فصائل محلية عدداً من المتورطين، حيث تم تسليم بعضهم لأجهزة الأمن التابعة للنظام، ليتم الإفراج عنهم بعد أيام قليلة دون أي عقاب. وسبق أن وثق الأهالي عبر صور أو مقاطع مصورة، بعض الشاحنات التي تم إيقافها محملة بأسلحة أو ذخائر أو قذائف دبابات.
تنتشر، في الوقت الحالي، أعداد محدودة من عناصر داعش شرق محافظة السويداء في مناطق من البادية السورية، ورغم عدم وجود قوة فعلية له في تلك المناطق، بعد معارك طويلة خاضها ضده مقاتلو «الجيش الحر» والميليشيات المساندة للنظام، إلا أنه كان يسيطر قبل ذلك بشكل شبه كامل على البادية الشرقية للسويداء، من أطراف ريف دمشق شمالاً، وصولاً إلى مناطق قريبة من الحدود الأردنية جنوباً. كما كانت مناطق سيطرته تمتد عبر البادية السورية شرقاً وصولاً إلى ريف دير الزور.
شكل الامتداد الجغرافي الكبير لمناطق سيطرة داعش في مناطق خالية من البادية السورية، مع سيطرته على مناطق إنتاج النفط، عاملاً مهما في تكوين قوة اقتصادية استغلها داعش، عبر أسواق، لتصريف منتجاته على أطراف مناطق نفوذه؛ إضافة لتمتعه بقدرة كبيرة على الحركة ضمن هذه المناطق.
وفي الوقت نفسه، شكّل توزع مناطق سيطرة داعش شرق وغرب السويداء، طوال ذلك الوقت، ورقة مهمة استغلها النظام بكافة الطرق الممكنة. فوجود تنظيم متطرف على جانبي محافظة السويداء، أعطى النظام قدرة على إرسال تهديدات، مبطنة حيناً وعلنية أحياناً، بضرورة الاختيار بينه وبين داعش، مستغلاً في الوقت نفسه حاجة الأهالي للمحروقات، عبر السماح بمرور كميات كبيرة من المازوت الذي ينتجه داعش، مقابل أرباح مالية ضخمة، يتقاسمها المهربون وعناصر الحواجز وقادة الأفرع الأمنية.