- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
انتهاكات جسيمة في مركز لرعاية المعنفات في دمشق .. مديرة المركز تذل النزيلات وترسل بعضهن للعمل كخادمات في بيوت الفنانين
في هذا التحقيق الذي يتناول جانباً من الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها نزيلات "مركز دير الراعي الصالح لضحايا العنف الأسري" في مدينة دمشق، أغفلت عين المدينة الأسماء والمعرفات المتعلقة بمصادرها، من عاملات ونزيلات سابقات وحاليات في المركز وآخرين ذوي اطلاع على شؤونه، بناء على طلب كل واحدة -أو واحد- من هذه المصادر. في حين قوبلت محاولات عين المدينة الحديث مع إدارة المركز، بالتجاهل من هذه الإدارة.
يجمع غالبية من تحدث إليهم عين المدينة أن المركز فقد دوره الإنساني الذي أداه سابقاً، وهو في طريقه إلى فقدان سمعته الجيدة إن لم تتغير إدارته. ويروي من اعتمد عليه التحقيق من مصادر، قصصاً عدة لفتيات أو سيدات كن ضحايا عنف أسري التجأن إلى المركز وهو دار إيواء ورعاية، ثم تعرضن لأشكال مختلفة من العنف والإيذاء، فكن ضحايا مرتين، مرة من الأسرة (أب أو زوج أو شقيق وأحياناً كلهم مجتمعين)، ومرة من المركز (الملجأ المفترض) أو مسؤوليه وآخرين ممن يتعاونون مع المركز.
استعباد بشكل ملطّف
تتحول المعنفات فور دخولهن المركز إلى خادمات فيه، حيث تستغرق أعمال التنظيف وخدمة مسؤوليه معظم وقت النزيلات. تروي إحدى الراهبات لعين المدينة أنه "بدل أن تتم معالجة حالة النزيلة النفسية، تتحول مهمتها إلى تنظيف وتحضير الطعام لضيوف الراهبات عبر أطباق دسمة عدت بسخاء وترف لا تليق بحياة الرهبنة المكرسة لتقديم المساعدة وإطعام المحتاجين" وفق وصف الراهبة.
وترى الراهبة أن المركز تحول إلى وسيلة "بهرجة إعلامية وتسويق لإنجازات وهمية" لا وجود لها على أرض الواقع: "منشور على الفيسبوك من هنا ولقاء صحفي من هناك، وتكديس لأمجاد افتراضية على الواقع الافتراضي". وتضيف "الأموال التي تصرف على حفلات البذخ وأعياد الميلاد، بالإضافة لرحلات الاستجمام والاصطياف، هي من حق الفتيات والنساء لمعالجة حالتهن داخل جمعية عرف عنها أنها لمناهضة العنف ضد المرأة، لا أن يصبح همها جمع أكبر كم من الاستمارات والحالات"، في إشارة إلى انحصار عمل المركز بإنجاز ملفات للمعنفات، دون تقديم أي مساعدة فعلية وذات قيمة لأي من الضحايا.
وتشير الراهبة بأصابع الاتهام إلى رئيسة الدير الراهبة "جورجينا حبش"، التي ساهمت بتحويل المركز إلى "مضافة لعائلتها". وتتابع "بدلاً من تأمين ملابس تليق بإنسانية الحالات، تصرف مئات الألوف أسبوعياً على ملابس ابنة أخيها وحياة الترف التي يعيشونها، في حين كل من يخالف أو يعترض على هذه السلوكيات مصيره الترحيل أو الفصل، أو يخرج بملء إرادته مشمئزاً من هذه المتاجرة عندما يعلم أنه غير قادر على تغيير واقع الدير والمركز".
ضحايا مرتين
تشرح موظفة في المركز أن دار الإيواء في المركز يضم فتيات بأعمار صغيرة لا تتجاوز 12 عاماً، إضافة إلى الأرامل والمطلقات. وتوضح أن المشرفات على الدير ينتقين نزيلات المركز وفق أمزجتهن الشخصية، وفي الداخل يتعرضن للكثير من التمييز على أساس الانتماء، فمن ينتمين إلى المدن يحظين بتعامل أفضل نسبياً من اللواتي ينتمن إلى الأرياف. وتضيف الموظفة العديد من التفاصيل المتعلقة بسوء الإدارة المالية أو الفساد المتمثل بشراء مواد غذائية منتهية الصلاحية لتوزيعها على النزيلات.
واحدة من الضحايا تسرد قصتها الموظفة، بأنها كانت فتاة يتيمة فقدت أباها خلال الحرب، وبقيت في أسرة فقيرة ومشتتة قبل أن تلجأ إلى المركز وتمضي فيه سنوات كانت خلالها مجرد خادمة، بدل أن تخضع لبرامج دعم ورعاية وتأهيل وتمكين. أجبرت إدارة المركز لاحقاً الفتاة على الخروج دون رغبة ودون حماية مع بداية أزمة كورونا، بقرار من محامي المركز محمد منير ومشورة الأستاذ في جامعة دمشق جهاد نقولا، للعمل كخادمة في منزل إحدى الفنانات في دمشق (تتحفظ عين المدينة على ذكر اسمها)، وهناك تعرضت لمعاملة قاسية من والد الفنانة، إلى جانب الإساءة والتحرش من عاملين في الوسط الفني.
تكمل الموظفة بأن إدارة المركز أعادت الفتاة إلى الدار بعد قرابة السنة محطمة نفسياً، رغم أنه من غير المقبول عودة الضحية إلى الدار بعد خروجها، لكن قرار إعادتها لقرابة الشهرين جاء لمتابعة وضعها و"ترقيع وإخفاء ما تعرضت له في منزل الفنانة من إذلال وإهانة" حسب الموظفة.
عاشت الفتاة في تلك الفترة نوبات من الغضب والهلع فضلاً عن تكسير ما تراه أمامها، وتقلبات مزاجية فاكتئاب وبكاء بصورة مستمرة، لكن المركز لم يتدخل علاجياً حتى في مشكلة تسبب بها، بل تم إخراجها مجدداً من الدار لكن هذه المرة دون وجهة محددة.
لم تكن الفتاة الأولى التي يتعامل معها المركز بهذه الطريقة، فقبلها دفع فتاتين من النزيلات على الأقل للعمل كخادمات عند فنانين، لكن دون أن يتعرضن لذات الظروف السيئة أثناء عملهن.
محامي المركز
يتولى الجانب القانوني من قضايا نزيلات المركز من المعنفات، المحامي محمد أحمد منير. ينتمي المنير لعائلة يشغل العديد من أفرادها مناصب رفيعة في النظام السوري، عمل والده ضابطاً فعضواً في مجلس الشعب فمحافظاً ثم مستشاراً لوزير المصالحة الوطنية قبل حل الوزارة. انعكست هذه الخلفية الأسرية على سلوك المحامي تجاه النزيلات بالتنمر والاحتقار، كما تؤكد مصادر متقاطعة لعين المدينة، وبدل أن يدافع عن موكلاته يسعى إلى تجريمهن معنوياً، بتكذيب إفادة المعنفات حول الأسباب التي دفعتهن لمغادرة منزل أسرهن واللجوء إلى المركز.
محامي المركز محمد أحمد منير - من صفحته على الفيسبوك
فبعد دخول المعنفة إلى المركز وتحولها إلى "حالة"، يحاول بداية محامي المركز تجريمها؛ فإن كانت قاصراً أو مراهقة تعرضت للعنف أو التحرش أو الابتزاز جعلها المذنبة، وأعطى لمن فعل بها ما فعل الأعذار والمبررات والحجج على براءته؛ وإذا كانت امرأة معنفة من زوجها، نعتها بأنها "متمردة" أو "خائنة" أو "سيئة"؛ أو ربما يلجأ إلى إعادة معنفات إلى أسرهن دون النظر إلى واقعهن الاجتماعي والنفسي والقانوني، كما تفيد نزيلة سابقة في الدار.
وتلفت النزيلة أن الحالة في المركز "لا تأخذ أكثر من ثلاث أو أربع جلسات كافية لملء استمارة تضاف إلى الاستمارات المكدسة، ثم يقرر (المنير) بأن الحالة اكتفت وعولجت قضيتها سواء النفسية أم القانونية. وبحجة الوفاق الأسري يجتمع المحامي بأهالي الناجية في قسم الشرطة، ويعقد اتفاقاً معهم على عودة الفتاة وهي في أسوأ حالاتها".
ويؤكد كلام النزيلة ما أفادت به الموظفة من أن الدير خصص مبالغ لتدريب مديرات للحالة (كبديلات عن المنير) على مدار عدة سنوات، وأخصائيات وأخصائيين نفسيين على اطلاع بمعالجة الحالة، دون توظيفهم في القسم القانوني الذي يقتصر على وجود المحامي منير فقط. وتضيف الموظفة أن الأمر يصل بالمحامي إلى إشاعة أسباب إقامة النزيلات لجميع من في المركز، رغم أن المبدأ الأخلاقي والقانوني لوظيفته يحتم عليه التكتم عليها.
فضّت إدارة المركز تعاقدها معه أثناء إعداد هذا التحقيق قبل أقل من شهر، من دون أي مساءلة أدبية أو قانونية، رغم أنه مسؤول عن الكثير من الانتهاكات.
يعمل مركز دير الراعي الصالح بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية لمساعدة ضحايا العنف الأسري نظرياً، ويصنف ضمن "دور إيواء الناجيات من العنف" التي تعرف بأنها "سكن آمن طارئ ومؤقت للنساء والأطفال الذين تعرضوا للعنف أو يواجهون خطر التعرض للعنف ضمن سياق أسري" حسب تعريف لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (ESCWA). وتقدم دور الإيواء أو الملاجئ كما ذكرت دراسة صدرت عن الإسكوا بيت الأمم المتحدة 2019، خدمات تشمل الدعم العاطفي والنفسي أو المشورة والسكن ورعاية الأطفال. لا تتوفر بيانات عن المعنفات في سوريا، لكن الدراسة تشير إلى أن 35,4 بالمئة من النساء المتزوجات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعرضن للعنف البدني أو الجنسي.
يعمل الدير إلى جانب المركز في نشاطات عديدة اجتماعية وترفيهية وإغاثية وبيئية شارك فيها بوقت سابق، ويستقبل معنفات من دمشق أو غيرها من المحافظات السورية في مقره في باب توما، كما يخصص "هاتف الثقة" لمؤازرة الضحايا، ويعتمد تمويل المركز على الدعم المقدم من أطراف مختلفة أهمها المنظمات الإنسانية الدولية.
العلاج
وعن آليات العلاج تذكر الموظفة أن المعالجين والأطباء النفسيين العاملين في المركز يسيرون وفقاً لمخطط تضعه الراهبة التنفيذية لدير الراعي الصالح "صفاء البيطار"، وتوجيه الراهبة "جورجينا حبش" عبر مخطط علاجي نفسي أو قانوني بعيد كل البعد عن الإحاطة بظروف الحالة أو احتياجها إلى العلاج أو حتى ما يساهم في تغيير وضعها، بل فقط "يخدم هدف البهرجة الإعلامية وبناء الأمجاد الشخصية" وفقاً لتعبيرها.
تتابع الموظفة "على صعيد تشخيص الحالة يتم الاتفاق مع المعالجة النفسية بمركز الثقة التابع للدار، وتوضع خطة وفقاً لنظرة الراهبة الشخصية لا لوضع الحالة النفسي أو الاجتماعي. أما على صعيد العمل مع الحالة من ناحية تربوية وأخلاقية فالموضوع منسي تماماً بسبب قصر مدة الإقامة، التي تمتد من أسبوع إلى شهرين، لتعود بعدها الحالة إلى منزل أهلها أو زوجها مكسورة محطمة أكثر من السابق".
وتسرد الموظفة مثالاً على ذلك قاصر عاشت لمدة سنتين في وحدة الحماية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بعد أن هربت من بطش أبيها وزوجته، ووصلت إلى دار الإيواء التابع لدير الراعي الصالح بعد أن انتهت مدة إقامتها في وحدة الحماية. وعدت الفتاة في الدار بالسماح لها بالبقاء حتى الانتهاء من تقديم الشهادة الإعدادية والثانوية، وعند تحويلها إلى الطبيب النفسي الذي قرر أنها بحاجة إلى متابعة نفسية واجتماعية ولا حاجة إلى الدواء في الوقت الحالي، رفضت الراهبة صفاء البيطار التشخيص، وحاولت الضغط على الفتاة من أجل أخذ دواء نفسي بغرض تثبيت "تقديم دعم نفسي دوائي" في استمارة الحالة.
عندما رفضت الفتاة تم تهديدها بشكل صريح، وخيرت بين تناول الدواء والخروج من الدار، فاختارت الفتاة الخروج من الدار لتتم إعادتها إلى منزل أبيها، الذي عاودت الهروب منه من جديد لتصبح في الشارع بحسب ما تنقل الموظفة.
من صفحة المركز على الفيسبوك
إمكانية الشكوى
ناشط حقوقي في دمشق مطلع على عمل المركز، يعلق بالقول "الأجدر بالمتضررات أن يرفق كل منهن دليلاً مادياً مثل تقرير طبي، يوثق حالات العنف التي تحدثت عنها الفتيات في الدار، وعند التأكد يمكن التقدم بشكوى وسيتم إجراء كل ما يلزم لاسترجاع حقوقهن إن ثبت صحة كلامهم.". مؤكداً على أن التجاوزات في الدار قد لا تكون مباشرة، لكنها تسفر عن استغلال الموارد المالية لأغراض بعيدة عن معالجة الحالات التي خصصت هذه المبالغ لهن.