وأبرز تطوّرات المشهدين السياسيّ والميدانيّ
لم تشهد الساحة السورية خلال الأسبوعين الأخيرين تحوّلاتٍ مؤثرةً على الصعيد الميدانيّ، كما كان حاصلاً خلال الأشهر الأخيرة. إذ تبدو المراوحة الآنية هي السمة الطاغية على المشهد، بعد تأخير داعش لتقدّم الثوار في حلب واستمرار المعارك في درعا. لكن، بالمقابل، يمكن استعراض أو تسليط الضوء على محورين رئيسيين يشغلان المساحة الكبرى لدى الرأي العام والمحللين خلال الفترة الحالية لما لهما من أبعادٍ وتأويلاتٍ سياسية وعسكرية.
عاصفة الجنوب
بعد أن أعلنت مجموعةٌ من فصائل الجيش الحرّ بدء عملية تحرير مدينة درعا؛ كان الانطباع الإعلاميّ السائد أن لا تستغرق "عاصفة الجنوب" الكثير من الوقت حتى تنتهي بدحر النظام. لكن الأمر لم يتمّ بهذه الكيفية، إذ لا تزال المعارك مستمرّةً بعد سيطرة الفصائل الثورية على عدّة حواجز ونقاطٍ مهمةٍ على أطراف المدينة ومشفاها الوطنيّ، فيما جاء ردّ النظام بتكثيف غارات البراميل المتفجّرة على القرى والبلدات المحيطة، فيما يبدو أنه استماتةٌ في الدفاع عن المدينة شبه المحاصرة. ويعدّ تحرير درعا، التي تبعد 90 كيلو متراً عن دمشق، مقدمةً عمليةً لحسم معركة حوران بالسيطرة على آخر معاقل النظام في إزرع وخربة غزالة الإستراتيجيتين، وبالتالي وصل محافظة درعا مع ريف دمشق، لتصبح العاصمة مهدّدةً بشكلٍ مباشر. وهذا ما يفسّر محاولات النظام منع تحقيق فصائل الجيش الحرّ أيّ تقدّمٍ مهما كلف الأمر، لما يعنيه ذلك من هزيمةٍ عسكريةٍ ومعنويةٍ جديدةٍ لقوّاته ومؤيديه من جهة، وتجنباً لوضع دمشق تحت طوق حصارٍ قد يقلب المعادلة القائمة منذ بداية الثورة وبسرعة دراماتيكيةٍ.
وفي هذا الوقت، تردّدت أنباءٌ تفيد بوجود خلافاتٍ حول العملية، كعدم رغبة الأردن -على وجه التحديد- بتعاون الجبهة الجنوبية الممثلة للجيش الحرّ مع الفصائل الإسلامية في المعارك، مهدّداً بوقف الدعم والمساعدات العسكرية، فيما تناقل بعض الناشطين أخباراً أخرى عن عدم مشاركة عدّة فصائل، على رأسها جبهة النصرة، بشكلٍ فعليٍّ في المعركة. لكن ما هو مؤكدٌ إلى الآن أن المعركة ستستغرق المزيد من الوقت والأكلاف، نظراً لحساسية موقع المدينة والتداعيات الحتمية التي ستنتج عنها كما أسلفنا.
التقدّم الكرديّ والدور الأمريكيّ
أثار اندحار تنظيم داعش في تلّ أبيض وعين عيسى ولوائها، على يد الوحدات الكردية وبعض حلفائها وبدعمٍ من طيران التحالف، الحديث مجدّداً عن الانتقائية الأمريكية في التعامل مع ملف الثورة السورية، خاصّةً بعدما نُقل عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية قولهم "إن القوّات الكردية تعدّ شريكاً موثوقاً به على الأرض". وأتاح ذلك للبعض الحديث عن مخططٍ أمريكيٍّ يهدف إلى إقامة كيانٍ كرديٍّ في المناطق الشمالية، خاصّةً بعد ما تردّد عن حملات تهجيرٍ وقعت بحقّ سكان قرىً عربيةٍ وتركمانيةٍ في تلك المناطق. لكن، بعيداً عن التأويلات القديمة الجاهزة؛ لا تبدو الصورة بهذا الوضوح، إذ إن الإدارة الأمريكية تدرك بطبيعة الحال أن ملفّ القضية الكردية، على وجه الخصوص، يتجاوز في تعقيداته الحدود المحلية لسوريا على المستوى السياسيّ الإقليميّ من ناحيةٍ، ويحمل فيما يحمل بعداً وخلافاتٍ اجتماعيةً وسياسيةً بين الأكراد أنفسهم وبين الأكراد والعرب من ناحيةٍ أخرى. ويبدو أن هذا ما دفع السفير الأمريكيّ في أنقرة إلى تبرير دعم الولايات المتحدة للقوّات الكردية حين قال: "إننا ندعم كافة الفصائل التي تقاتل تنظيم داعش من الجيش الحرّ... ونحن نرفض أية محاولةٍ للاستفادة من الاشتباكات في المنطقة لإحداث تغييرٍ ديموغرافيٍّ دائم، سواء بحقّ السوريين العرب أو الأكراد أو التركمان...".
بكلمةٍ أخرى، ليس سرّاً أن الدور الأميركيّ في سوريا لا يهدف، في هذه المرحلة، إلى إسقاط النظام قبل التأكد من القدرة على هزيمة داعش الآن أو في المستقبل القريب، وقبل طيّ صفحة الملف النوويّ الإيرانيّ. وهذا ما يستدعي تقوية أيّ طرفٍ يقاتل التنظيم ويحقق مكاسب ضدّه، إلى أن يأتي الوقت للتفكير في القضايا العالقة الأخرى بناءً على ما سيتمّ إنجازه فيما يخصّ النوويّ الإيرانيّ.
وتشير الوقائع إلى أن التآكل المستمرّ لنظام الأسد وميليشياته، وعجزه عن أية مبادرةٍ خلال الأشهر الفائتة، ليس إلا جزءاً من انتظار نتائج حلّ المشاكل لا الإقليمية فحسب، وإنما المشكلات الداخلية في سوريا، والتي تستدعي مزيداً من توحّد السوريين ومبادرتهم.