- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
المرأة السورية الإعلامية .. كيف ترى المرأة السورية عملها في الصحافة
تتفاوت نظرة المجتمع للمرأة السورية الإعلامية، فقد جمعت بين أسلوب الإسكات من جهة والدفع بعمل المرأة نحو الأمام من جهة أخرى، ورغم ذلك وبسبب الفضاء المفتوح الذي تجلى بعد الثورة، كسرت الإعلامية السورية الكثير من القوالب المجتمعية بعملها في مجال الإعلام، وحجزت لنفسها مكانة لا يستهان بها في الإعلام البديل، لكن لا تزال تعاني من بعض الصعوبات.
غياب الحيادية
من خلال تجربتي بممارسة الصحافة منذ عدة سنوات وخضوعي لعدة تدريبات وعملي في بعض المؤسسات، أستطيع أن أقول أن الوظيفة تستنزف طاقات الصحفي؛ لا شك أنها تصقل خبرته لكنها بالمقابل تقيده بمبدأ الحصرية، وتجعله يمارس مهنته بعيداً عن مبدأ الحيادية، إذ تفرض عليه أن يكتب بما تملي عليه سياسة الوكالة أو المؤسسة التي يعمل بها ويطلب منه تسويق بعض النظريات من خلال مواده الإخبارية دون أن يكون لديه أي اطلاع أو اهتمام مع انعدام أي رسالة مهنية، وذلك فقط لإرضاء ما تريد الجهات الداعمة والممولة.
بينما العمل بشكل مستقل (freelancer) بعد الحصول على خبرة ومعرفة بناء التقارير والتحقيقات بالشكل الصحيح وكيفية إيجاد المصادر المدعمة للمادة الإعلامية، تجعل من الصحفي ينتقي المواقع التي تقترب من النمط المحبب إليه بعيداً عن الضغوطات التي تحد من إبداعه.
وهناك نقطة مهمة يجب الإشارة إليها، وهي أن العمل الصحفي يرتكز على الاحتكاك مع المجتمع ومعاينة مشكلاته وتعايشها. اليوم كصحفية أواجه صعوبات في التواصل مع المعنيين في الداخل، تحديداً من داخل دمشق، حيث تتمثل الصعوبة في الحصول على معلومات دقيقة وشهادات حية، ومرد ذلك خوف المدني والذي يعتبر الشاهد المدعم للمادة.
إنجاز يخفف من التحديات
لكني رغم كل التحديات أرى أن هناك إنجاز لا بد من التطرق إليه، وهو أن الثورة ألغت الكثير من الخطوط الحمراء التي كانت مفروضة قبل عام 2011، وتركت المشهد الإعلامي يتفرد بتطوره شيئاً فشيئاً ضمن تاريخ سوريا المعاصر، ورغم وجود بعض الفصائل المقاتلة التي تفرض رقابة شديدة على عدد من الصحف والوكالات، إلا أن هذا فعلياً لم يثن أياً من عزيمة كل من الرجل الإعلامي والمرأة الاعلامية على المتابعة بنفس النهج المهني والتطلع نحو الحقيقة دائماً وممارسة مهنة السلطة الرابعة بفاعلية..
المعتقدات الاجتماعية
أما عن الصعوبات التي واجهت زميلاتي فيمكن أن أتكلم عن تجربة حنين السيد الناشطة الإعلامية في مدينة عفرين بريف حلب، والتي تعتبر أن العين التي ترى منها المرأة مجرى الحدث تجعلها تدرك أثره منذ اللحظة الأولى ومن ثم توثيقه، بينما الرجل الإعلامي يكتفي بتوثيق الحدث فقط، وتضيف "لدي قناعة أن تعاطي المرأة والرجل مع الوقائع التي تجري يومياً على الأرض السورية يكمل بعضهما البعض".
لم تعرف القرية التي كانت تعيش فيها ضمن ريف إدلب الجنوبي مهنة الصحافة بسبب المعتقدات الاجتماعية في البلدة، "لكن أبواب الحلم مشرعة أمام الإرادة"، فقد تمكنت من النجاح بدعم من أسرتها لكن مع بعض "التوجيهات" المتمثلة بعدم ظهورها عبر الكاميرا والاقتصار على تغطية النشاطات الميدانية المتعلقة بمجريات الخبر السوري في الأماكن المغلقة، منوهة أن نظرة المجتمع بدأت تتغير مع بدء الثورة، عندما أدرك السوريون أن الإعلامي هو صوت المجتمع.
لا ضمانات
التحدي الآخر الذي مرت به حنين هو المخاطر الأمنية أو المساءلة، منوهة عن بعض القيود التي لا تزال موجودة من قبل جهات محددة، "لكنها لا تقارن بما كان قبل الثورة".
تداعت إلى رأسها أثناء حديثنا بعض المشاهد المتعلقة بالمضايقات التي كانت تمارس عند بعض الحواجز حول لباس النساء، ما أجبرها على توخي الحذر خوفاً من أي عائق، مضيفة "بعملي الصحفي لم أحصل على أي ضمان أو أي بطاقة في حال تعرضت لمشكلة أو في حال عبرت الحدود إلى تركيا. من الواجب أن يحصل الصحفي على طوق نجاة في حال تعرض لأي خطب".
"أسهمت الأحداث المرافقة لانطلاقة الثورة السورية في إخراج الصحفي القابع في كل منا"، من أجل تغطية المستجدات الميدانية والسياسية المتسارعة، وما يجري على الأرض من انتهاكات طالت السوريين، بعيداً عن رقابة السلطة، تقول نينار.
عقبات لوجستية
لم تكن الأمور هينة -برأي نينار- على الصحفية السورية، التي واجهت العديد من الصعوبات خلال السنوات العشر الماضية، لا سيما في ظل ظروف القصف والاشتباكات، والانفلات الأمني الحاصل، والاستهداف المباشر للصحفيين، وتعرض العديد منهم للسجن والمضايقات على يد مختلف الجهات المسيطرة على الجغرافيا السورية، فضلًا عن العقبات اللوجستية من انقطاع الكهرباء، وضعف خدمات الإنترنت، ونقص المعدات اللازمة.
ويضاف إلى الصعوبات السابقة تحديات خاصة بالصحفيات السوريات، اللواتي كسرن العادات والتقاليد في العديد من المجتمعات المحافظة، التي لم تعتد على مشاركة النساء في الشأن العام، وتعرضت العديدات منهنّ إلى مراقبة أدق تفاصيل تصرفاتهنّ ولباسهنّ فضلًا عن الشتائم والإهانات والتهديد الذي طال بعضهنّ، وقد أودت هذه الممارسات في اعتزال البعض منهنّ للعمل الصحفي، لكن في المقابل تمكنت أخريات من مواجهة نظرة المجتمع لهنّ، وأثبتن جدارتهنّ في تغطية الأحداث بكفاءة ومهنية.
تعتبر نينار أن حضور النساء في غرف الأخبار أغنى الصحافة السورية بشكل كبير، إذ عادة ما "تتصف المرأة بالنضج المهني والحس العالي بتحمل المسؤولية، وأداء مهامها باقتدار وكفاءة واحترافية تتفوق بها على الرجال في كثير من الأحيان، إذ تعتني المرأة بطبيعتها بالتفاصيل، وتجتهد في سبيل جودة المضامين".
حضور النساء قليل
وتتابع أنه بسبب اجتهادها في تغطية القضايا السياسية و الحقوقية والمجتمعية الشائكة، تمكنت الصحفية السورية من كسر الصورة النمطية التي تربط حضور المرأة في الإعلام ببرامج ومقالات يُنظَر إليها دائما بأنها من اختصاصها، مثل الطبخ والأزياء والتجميل.
لكن في المقابل لا يزال عدد النساء في المناصب العليا قليل ضمن المؤسسات السورية، فقلما تجد نساء في منصب رئيس التحرير أو مدير التحرير على سبيل المثال، كما أن مشاركة المرأة كضيفة على وسائل الإعلام لا يزال ضعيفًا مقارنة بعدد المشاركين من الرجال.
النقص في التدريب
أخبرتني ريم الناشطة الإعلامية من ريف دمشق، أن السطور لن تتسع حول الحديث عن الصعوبات التي واجهتها، لكنها انتقت النقص في التدريب والبلوغ بالعمل إلى مستويات الاحترافية، كونها موجودة داخل سوريا، منوهة أن معظم العاملين في الحقل الإعلامي هم من غير المختصين والأكاديميين، فضلاً عن صعوبة الحصول على فرص تدريبية لمن هم في الداخل السوري.
وتختم بقولها "رغم ممارستي الصحافة عدة سنوات وقراءتي مئات المقالات، إلا أن ذلك لا يغني عن وجوب معرفة قواعد الكتابة الصحفية والإلمام بأساسيات الإعلام بشكل أكاديمي، وهو ما يفتقد إليه الإعلامي في الداخل".