ليس غريباً أن تصادف سورياً في بريطانيا يجاهر بموالاته للأسد، على الرغم من اعترافه -في أيّ حديثٍ جانبيٍّ- بارتكاب النظام جرائم إبادةٍ بشرية.
غالباً ما يغطي هؤلاء موالاتهم للمجرم عبر ترديد عباراتٍ من نوع أن ما يحدث في سوريا هو "حرب تحريرٍ من الإرهابيين والمسلحين والمتآمرين على الوطن". لكنهم لم يعودوا يجرؤون على الإفصاح عن موقفهم التشبيحيّ هذا بشكلٍ رسميٍّ ومعلنٍ كما في السابق، وتغيّرت مهامهم من تجييش أكبر عددٍ من أبناء الجالية السورية والعربية لصالح النظام إلى تلميع الأسد أمام الرأي العام البريطانيّ، والتشويش على جرائمه عبر سلسلةٍ من القصص والأكاذيب الملفقة عن انتماء المعارضة السورية إلى تنظيم الدولة الإسلامية، الأمر الذي يرعب أيّ بريطانيٍّ ويعطل كلّ أساليب التحليل المنطقيّ التي تثبت تورط الأسد بجرائم إبادةٍ لا مثيل لها في التاريخ الحديث.
يتحدث سوريون عن (لوبيٍّ أسديٍّ) في بريطانيا لدعم النظام بدمشق، وهو يعمل كخلايا نائمةٍ ويتحرّك كتنظيمٍ غير معلن، ويتمثل في بعض الشخصيات من أصحاب رؤوس الأموال ومالكي بعض الشركات التجارية، وكذلك مجموعة من المرتزقة الذين دخلوا بريطانيا كطلابٍ مستفيدين من مِنحْ النظام الجامعية، وشخصياتٌ إعلاميةٌ لها منبرٌ يمكّنها من الاستحواذ على الدقائق القليلة المتاحة للشأن السوريّ في الإعلام المرئيّ والمسموع، وكذلك في الحيز المقبول في الصحافة البريطانية للتحدث عن خطر تنظيم الدولة (داعش) وضرورة الإبقاء على نظامٍ علمانيٍّ في سوريا لضمان أمن أوروبا.
وكشفت وسائل إعلامٍ غربيةٍ وعربيةٍ عن تورّط شخصياتٍ وشركاتٍ تجاريةٍ بدعم الأسد وتمويله، ومن أهم تلك الشخصيات فواز الأخرس والد أسماء زوجة بشار، وكثيرون لا يظهرون بشكلٍ معلنٍ لكنهم يموّلون النظام ومخابراته بعدّة طرقٍ ملتوية.
ولا يزال بعض الطلاب السوريين في بريطانيا يدافعون عن "وليّ نعمتهم" الأسد رداً للجميل، بعد أن مكّنهم انتماؤهم الطائفيّ وانتسابهم لحزب البعث، والفساد في الحقل التعليميّ السوريّ، من دخول بريطانيا بمنحٍ دراسية. وبرز نشاط هؤلاء في أشهر الثورة الأولى، عندما اقتاد فرع (الاتحاد الوطني لطلبة سوريا) عشرات الطلبة السوريين الموالين في بريطانيا للخروج في مظاهرةٍ مضادّةٍ تحت شعار "استنكار الهجمة العدوانية التي تستهدف أمن سورية والمساس بوحدتها الوطنية وثنيها عن مواقفها القومية"، وكان واضحاً أن هدف تلك المظاهرة هو التشويش على مظاهرةٍ حاشدةٍ للسوريين تندد بوحشية النظام ضد المتظاهرين السلميين.
انخفض النشاط التشبيحيّ المعلن للموالين للأسد في بريطانيا، وأصبحت استراتيجيتهم تعمل في الخفاء وعلى جبهاتٍ أخرى غير النزول إلى الشوارع، بعد أن أصدر وزير خارجية الأسد وليد المعلم (في آب عام 2012) قراراً يقضي بإغلاق السفارة السورية في لندن، وبنقل الإداريين مضر شحادة -ابن اللواء في المخابرات العسكرية رفيق شحادة- إلى كييف، وهشام الأسطواني إلى الادارة المركزية بدمشق، وأصبحت السفارة شاغرةً تماماً بعد عودة السفير سامي الخيمي إلى دمشق وطرد السلطات البريطانية القائم بالأعمال غسان دلة وضابط المخابرات محمد سموري.
وتحول نشاط هؤلاء المرتزقة إلى تشويشٍ تشبيحيٍّ في وسائل التواصل الاجتماعيّ، فبرز عددٌ منهم في المجموعة الرسمية للنادي العائلي السوري البريطاني على فيس بوك، حيث سخر بعضهم من موت السوريين وأيد الاحتلالين الروسيّ والإيرانيّ. وكان آخر ما حصل أن ظهر بعض الأعضاء في النادي لينكروا مجازر حلب الأخيرة ويناكفوا كلّ من نشر أيّ (بوست) تضامنيّ مع حلب.
أما إعلامياً فما زال اللوبي الأسديّ في أوج نشاطه التشبيحيّ، وهو ينفّذ بكلّ حريةٍ ودون ضغوطٍ أجندة نظام الأسد في الترويج لـ"علمانيته" والتحذير من "مخاطر سيطرة المعارضة الإسلامية على السلطة". ويتحدث سوريون معارضون عن لوبيٍّ سوريٍّ وعربيٍّ تشبيحيٍّ موالٍ للنظام يسيطر على قناة (BBC) الناطقة بالعربية، وهي أهمّ وأقوى وسيلةٍ إعلاميةٍ في بريطانيا. وكانت آخر نتائج وجود هذا اللوبي ما أوردته القناة في نشرتها الصباحية منذ مدّةٍ قصيرة، عندما عكست الوقائع وقدّمت مشاهد من مناطق المعارضة بحلب على أنّها من المناطق التابعة للنظام، إلا أن حملة ناشطين وإعلاميين سوريين أجبرت القناة على التراجع والاعتذار. ومن أبرز شبيحة البي بي سي عمار عكام، ابن مفتي حلب محمود عكام، ودينا وقاف، شقيقة الشبيح عمار، وهي ابنة ماريا ديب (أم عمار) المذيعة الأزلية لبرنامج (ما يطلبه الجمهور)، ونواف حسن والمعروف باسمه المستعار (أليكس)، وحيدرة الخير وهو صحفيٌّ شبيح.