- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
العقارات في المناطق المحررة
صنّف الأمان في المرتبة الثانية من احتياجات الإنسان، بحسب هرم ماسلو، بينما سيطرت الحاجات الفسيولوجية كالتنفس والطعام والشراب والنوم على المرتبة الأولى. ولكن السوريين يعيشون اليوم حالة من قلب هرم الأولويات، فغدت المناطق الآمنة من القصف والطيران هي الأماكن التي يحج إليها المدنيون، وإن كانت تفتقر إلى الكثير من أساسيات الحياة كالماء والكهرباء والسكن اللائق، بالإضافة إلى الغلاء الفاحش في الإيجارات التي تجاوزت، في كثير من الأحيان وفي بعض المدن والبلدات الحدودية، نظيرتها في الجانب التركي المقابل.
في الريف الشمالي لحلب: الأمان زاد الطين بلة
يتجاوز الإيجار في مدينة إعزاز عتبة الـ100 دولار أميركي للبيت الذي يحوي غرفتين، و150 دولاراً للذي يحوي ثلاث غرف، بينما يختلف إيجار المحال التجارية بحسب المنطقة وبمعدل وسطي يقدر بـ200 دولار. ويعود هذا الارتفاع، بحسب مصطفى العلي، صاحب أحد المكاتب العقارية في المدينة، إلى «أن إعزاز شهدت اكتظاظاً سكانياً خلال السنوات الماضية منذ عام 2014، ما أدى إلى ازدياد الطلب على الشقق السكنية، وخاصة من أهالي مدينة حلب وقرى الريف الشمالي الهاربين من قذائف الأسد، أو من قرى الريف الشرقي بعد سيطرة تنظيم الدولة عليها، بالإضافة إلى القرى التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية مطلع عام 2016، إذ لجأ عدد كبير من سكان هذه المناطق إلى مدينة إعزاز لتمتعها بالأمان نسبياً، فأصبح من الصعب الحصول على شقة سكنية حتى وإن توافر مبلغ الإيجار المرتفع».
ومع تحرير الكثير من القرى في الريف الشرقي وصولاً إلى مدينة الباب، من يد داعش، شهدت إعزاز حركة نزوح نحو تلك القرى، إلا أن الإيجارات بقيت على حالها مع فارق بسيط، وهو «وجود العديد من الشقق السكنية معروضة للإيجار في المكاتب العقارية دون تراجع في السعر»، بحسب العلي.
أما في مدينة الباب فيتراوح إيجار العقارات السكنية بين 50-150 دولاراً، والمحال التجارية بمتوسط 125 دولاراً. يقول علي اليوسف، وهو تاجر عقارات من منطقة الباب: «يرتفع ايجار العقارات بشكل يومي مع عودة الأهالي من مناطق نزوحهم، أو لجوء الكثير من أهالي الرقة والقرى التي حولها إلى الباب، بالإضافة إلى عودة جزء من أهالي المدينة من تركيا». كما يعزو اليوسف سبب الارتفاع إلى «قلة البيوت الصالحة للسكن، فأكثر من 40% من بيوت المدينة هدمت بشكل كامل، بينما تتجاوز نسبة البيوت التي تحتاج إلى ترميم 45%»، مع «تدفق الآلاف من أبناء المدينة والقرى الأخرى والمهجرين إليها بعد سيطرة قوات درع الفرات عليها».
أما مدينة جرابلس فهي «دبي» كما أطلق عليها محمد أبو إسكندر، أحد القاطنين فيها بعد أن نزح من مدينة حلب. وهو يقول: «إن الحصول على منزل في جرابلس أمر صعب جداً إلا إن كنت من أصحاب الملايين، فإيجار بعض البيوت الجيدة يتجاوز 250 دولاراً».
يحاول الأهالي البحث عن بيوت بإيجارات قليلة، ولذلك يتجهون إلى القرى الصغيرة الداخلية والبعيدة عن الشريط الحدودي الذي «كلما اقتربت منه صار عليك الدفع بالدولار»، كما قال أبو ناصر القادم من الرقة والذي وجد لنفسه مع عائلته بيتاً في قرية الراعي، من ثلاث غرف، بحوالي 20 دولاراً، بعد أن أرهقته الإيجارات في مدينة إعزاز. ويخشى الأهالي أن ترتفع الأسعار في هذه القرى أسوة بباقي المناطق، وخاصة مع التوجه الكبير نحوها في الآونة الأخيرة، إذ يقول محمد ناصر، من أهالي تل رفعت، إن إيجار البيت قد ارتفع في بلدة أخترين من 20 دولاراً إلى 50 دولاراً خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
أما عن أسعار العقارات والأراضي الزراعية فيقول مصطفى العلي إن مدينة إعزاز تشهد حركة بيع وشراء مزدهرة خلال الأشهر الستة الأخيرة، بعد معارك درع الفرات. ويتراوح سعر المتر المربع المبني في المدينة بحسب المنطقة، من 50 دولاراً حتى يصل في بعض المناطق إلى 1000 دولار. كما تشهد قرى الريف الشرقي حركة نشطة لبيع الأراضي الزراعية، فقد ارتفع سعر الهكتار من الأرض البعلية إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل أشهر قليلة، فوصل في الكثير من القرى إلى 10000 دولار بعد أن كان 3000.
إدلب وريفها: مشاريع سكنية جديدة دون فائدة
تشهد مناطق ريف إدلب الغربي، وخاصة سرمدا وحارم وسلقين والدانا، حركة إعمار ومشاريع بناء جديدة. وأصبحت هذه المناطق قبلة يؤمّها النازحون وأصحاب المهن التجارية والصناعية، نظراً لتمتعها بالأمان وقربها من معبر باب الهوى الحدودي، فتحولت إلى مراكز تجارية وصناعية بعد أن كانت مدناً وبلدات بسيطة.
ويصل إيجار البيت في مدينة سرمدا إلى 100 دولار على أقل تقدير، والأمر ذاته في مدينة الدانا التي تحولت إلى سوق صناعية لأصحاب الورش وسوق للألبسة، بعد أن انتقلت إليها معظم المحلات الصناعية وتجارة الألبسة قادمة من مدينة حلب.
أما في مدينة إدلب فيصل إيجار البيت العربي أو الطوابق الأرضية إلى 100 دولار، بينما لا يتجاوز 50 دولاراً للطوابق العليا التي يتجنبها السكان خوفاً من القصف. ويزيد إيجار المحلات في الأسواق الرئيسية على 150 دولاراً، حتى يصل إلى 300 دولار في بعض الأحيان، بحسب مساحة المحل وموقعه، كما قال أحمد الأصفري صاحب أحد المحلات في سوق الذهب وسط إدلب.
ونشطت في الآونة الأخيرة حركة إعمار لتشييد مبان طابقية في مدينتي سرمدا والدانا. يقول أبو أسعد، وهو تاجر عقارات من مدينة سرمدا: «إن أكثر من 100 مبنى تم تجهيزه في المنطقة في الآونة الأخيرة، ويتراوح سعر الشقة السكنية فيها بين 20 إلى 40 ألف دولار، وهناك إقبال شديد على الشراء، فالبيوت تباع على الخريطة، أي قبل بنائها. ويعد الاستثمار في المجال العقاري اليوم في المنطقة أكثر المشاريع الرابحة».
ويرى أبو أسعد «أن سبب ارتفاع الأسعار يعود أيضاً إلى تكلفة البناء، فجميع المواد تأتي من تركيا بأسعار مرتفعة، بالإضافة إلى الرسوم التي تفرض على هذه البضائع من جانب المعبر السوري، والنقل عبر سيارات الحمولة التي تضطر في كثير من الأحيان إلى الوقوف لأيام في المعبر وتدفع غرامة في كل يوم».
المهندس المدني أحمد عبد الحميد قال إن «بناء بيت من 50 متراً يحتاج إلى 2500 دولار من المواد اللازمة (حديد، أساسات، إسمنت، رمل، وغيرها)، كما يحتاج إلى ضعف هذا المبلغ للتجهيز (تمديدات ماء، كهرباء، زريقة، بلاط) وإلى 2000 دولار (أبواب حديد، خشب)، بالإضافة إلى العمال والأجور المرتفعة التي تتراوح بين 10-20 دولاراً في اليوم، ناهيك عن سعر الأرض الصالحة للبناء».
المواطن بين نارين، وحال النازحين هو الأسوأ
«يا بتدفع 100 دولار يا بتقعد بلا شغل»، يقول موسى المحمد، الشاب الذي ترك قريته في جبل الزاوية واتجه نحو سرمدا للعمل فيها: «ما في شغل بالضيعة، والأرض ما عبتطالع همّا». يعمل موسى في أحد مكاتب السيارات براتب شهري «يصل مع الإكراميات إلى 150 دولاراً»، يدفع منها 75 كإيجار بيت على العضم، وضع على بابه ونوافذه قماشاً يقيه حر الصيف وأعين الرقباء.
بينما يقول أبو عدي، أحد النازحين من داريا إلى المنطقة، «إن الكثير منهم لم يجدوا بيوتاً ليسكنوا فيها، فنصب بعضهم خياماً في الأراضي الزراعية. آخرون استطاعوا الحصول على عمل واستأجروا بيوتاً يستنزف إيجارها معظم دخلهم، أما الذين يسكنون في المخيمات فهم أكثر بؤساً».
قال الخبير الاقتصادي أحمد عبد الرحيم «إن المنطقة تشهد غلاء وهمياً سببه ربط أسعار المواد والسلع والإيجارات بالدولار، في حين أن معظم الناس يقبضون بالليرة السورية». ويرى الخبير «أن الاستثمار في العقارات هو التجارة الرابحة في هذه الأوقات، فبدل الإيجار مرتفع جداً، بالإضافة إلى أن رأس المال الموضوع في هذه الاستثمار يبقى على حاله، إن لم يرتفع». ويؤكد عبد الرحيم أن «الكثير من أصحاب رؤوس الأموال السوريين والمغتربين أسهموا في زيادة الأسعار من خلال توجههم لشراء الأراضي والعقارات في المنطقة، وخاصة بعدما فقدت 90% من قيمتها الحقيقية عما كانت عليه قبل سنوات. فالبيت الذي يبلغ سعره اليوم 10000 دولار، أي ما يساوي 470000 ليرة سورية في بداية 2011، كان يباع في ذلك الوقت بأضعاف هذا المبلغ». ويشير إلى «تحول المكاتب العقارية، ومن خلفها أصحاب رؤوس الأموال هؤلاء، إلى محتكرين وصيادين لحاجة الناس واضطرارهم إلى البيع».
ويقول عبد الرحيم: «يكمن الحل في قرارات حازمة من المجالس المدنية والعسكرية تحدد أسعار الإيجارات، بالإضافة إلى العمل على الحد من استيراد المواد الأولية ومحاولة تصنيعها في الداخل، خاصة وأن البلد مقبلة على إعادة إعمار وتحتاج إلى ملايين الأطنان من هذه المواد. ويجب إلغاء الرسوم الجمركية، والتعاقد مع شركات كبيرة لتقديم مناقصات بأسعار المواد، وربطها بجهات قانونية مسؤولة وعدم تركها لتجار السوق السوداء».
خيمة أحد النازحين داخل مدينة اعزاز