- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
السوريون وثقافتهم العسكرية الجديدة
«لا تخافي يا عمتي، الطيارة ما رح تضربنا لأنها فوقنا. الحربي بتضرب قدامها والمروحي بتزت براميل تحتها. وهاي مانك شايفتيها حربية؟ رح تضرب الجسر»؛ بهذه الكلمات البسيطة أرادت حسناء، بنت الست سنوات، أن تخفف خوفي من الطائرة التي بالفعل استهدفت جسر الشغور بثلاث غارات متتالية ذلك اليوم.
استخدم النظام السوري شتى أنواع الأسلحة ضد المطالبين بالحرية، وصنع البراميل المتفجرة التي تلقيها المروحيات ليخفف من تكاليف حربه وليزج بمروحيات النقل في المعركة. ومع مرور الزمن امتلك سكان المناطق المحرّرة ثقافة تجعلهم يميزون أنواع الطائرات، بل تطورت هذه المعرفة إلى تقدير إن كانت تحمل براميل متفجرة أم لا، بالإضافة إلى ثقافة عامة بأنواع الصواريخ والذخائر، ومعرفة تامة لدى الكثيرين بطرق تفكيك الذخائر غير المنفجرة والاستفادة من مكوناتها..
قالت لنا مريم (32 عاماً) من أهالي المعلقة القريبة من جسر الشغور: «في ليلة صيفية، وبينما العائلة مجتمعة على ضوء القمر المتسلل من النافذة، بدأ صوت الطائرة يقترب أكثر فأكثر. صرت أبكي من الخوف فاقتربت مني حسناء بنت أخي وهي تردد: «لا تخافي يا عمتي، الطيارة فوقنا. بتتذكري يوم استشهد أبي؟ ما حسينا إلا البيت انضرب، ما سمعنا صوت طيارة ولا صوت انفجار. وهلق بما أنه عم نسمع صوتها معناها الضرب بعيد عنا. فالصاروخ يللي بدو يجي علينا ما منسمعو نحن»؛ بهذه الكلمات المقنعة خففت الصغيرة من خوفي. استغربت قدرتها على التحليل ثم عرفت أنها ليست الوحيدة، فغالبية الأطفال صاروا يميزون أنواع الصواريخ من صوت انفجارها وكثافة الغبار التي تخلفها، ويعرفون أن هذا الصاروخ ارتجاجي أو عادي أو عنقودي. تكمل الطفلة حديثها وعيناها تدمعان، تصمت ثم تتنهد وتكرر: «يوم استشهد أبي ما سمعنا صوت طيارة ولا صوت انفجار، ما شفنا إلا الدخنة وغرفتنا كلها ع الأرض».
أما أم محمد، المرأة المسنة من الريف الجنوبي لإدلب، فتقول: «صار الكبير والصغير بيعرف إذا المروحية محملة جنود أو براميل.. وبسهولة بنميز الألغام البحرية أو البراميل التي بتضرب فيها الناس. فالمروحية يللي محملة براميل، بعد ما دخل الروس على سورية، بتجي من قبلة فقط من مطار حماة. كانت قبل بتجي من مغرّب من مطار حميميم، أما هلق المروحية يللي بتجي من مغرّب بتكون روسية وهاي بتنقل جنود وأكل، أما الجاي من قبلة بتجي محملة براميل وبيكون هديرها عالي بتعرّ عرير لأنه السوريين بيشيّلوها أكثر من طاقتها براميل، وبطريق الرجعة من شمال لقبلة بيكون صوتها ناعم وحركتها أسرع ومرتفعة أكثر من لما تكون محملة. والبرميل صفيرو قوي كثير، أكثر من صفير اللغم البحري، ولما ينفجر دخنتو بتكون كبيرة وصوت انفجاره عالي كثير، أما اللغم الأرضي بالعادة دخنتو قليلة وصوتو ضعيف».
ويروي الشاب سعيد الأحمد، أحد سكان بلدة كفرنبودة بريف حماة الشمالي: «كنت أجلس على سطح المنزل مع أخي، وأمي تنظف المنزل، وفجأة بدأ الدخان والغبار يملآن المكان. لم نر شيئاً ولم نسمع شيئاً. نزلت إلى الأسفل لأرى ما حصل وإذا بأمي تلفظ آخر أنفاسها نتيجة سقوط صاروخ أمام المنزل. كانت طيارة حربية سورية لأنه سمعنا صوتها القوي وهي ترتفع، فالطيران السوري يضطر إلى الانخفاض حتى يقصف. ينخفض إلى مسافة تصل إلى 1 كيلومتر للتنفيذ على الهدف، وعلى الغالب دقته تكون قليلة، ثم يعود ليرتفع. أما المقاتلات الروسية فتقصف من علو مرتفع جداً، وخاصة الطيارة سو25 المقاتلة. لونها أبيض وحجمها أكبر من نظيرتها التابعة للنظام».
«طيران أشقر صديق على بعد 1 كيلومتر..، طيران أميركي على بعد 3 كيلومتر..، طيران عدو في الأجواء»؛ «استطعنا معرفة نوع الطائرات من خلال هذه العبارات»؛ يقول الراصد أبو أحمد ويتابع: «عبر ماسح الإشارات والقبضة اللاسلكية نسمع الحديث الذي يدور بين الطيار والقاعدة. ونستطيع تمييز نوع المقاتلة من خلال بعض الرموز التي اعتدنا على سماعها وبتنا نفهمها، أو من خلال مشاهدتها بالعين المجردة، بالإضافة إلى متابعة الطائرة من مكان الإقلاع إلى مكان التنفيذ عن طريق شبكة مراصدنا. الطيران الروسي تسميه مراصد النظام بالأشقر، أما التركي والإسرائيلي فيطلقون عليه طيران عدو».
تستمر حسناء، الطفلة ذات الشعر الذهبي والعيون الخضراء، في اللعب ما دام صوت الطائرة بعيداً ومسموعاً. وعندما تشعر أنها أصبحت قريبة تسرع راكضة إلى المغارة الذي أعدها جدها للتأقلم مع الظروف.