عدسة أحمد | خاص عين المدينة
أعادت الثورة توزيع المهن والأعمال من جديدٍ على السوريين. فعمل الكثيرون، بفعل الحاجة والضرورة، في مهنٍ شتّى لم يكن يخطر على بالهم أنهم سيعملون فيها..
سيارة إطفاءٍ واحدة وعشرات الحرائق... هكذا بدأ علي حديثه عندما سألته "عين المدينة" عن عمله كرجل إطفاءٍ تحت القصف.
يتألف فريق الإطفاء في الجزء المحرّر من دير الزور من ثلاثة أشخاص، هم علي واثنان من رفاقه. ويلخّص علي قصته مع الإطفاء منذ الساعة الأولى له في هذا العمل، فيقول: عندما بدأ القصف على الأحياء المحرّرة، قبل أكثر من عام، سقطت قذيفةٌ في حارتنا وأدّت إلى إحراق منزل جاري. لم تكن هناك سيارة إطفاءٍ، فشاركت في إخماد الحريق مع شابين آخرين صادف مرورهما في ذلك الوقت. استخدمنا طرقاً بدائية في ذلك، إذ نقلنا المياه بالأواني المنزلية. واستطعنا أخيراً السيطرة على الحريق بعد مشقةٍ وتعب. وعند انتهائنا من ذلك توقفنا لنشرب الشاي
ونتعارف، أنا وكلٌ من شريكيَّ في عملية الإطفاء، أبو محمد وعمر. تحدثنا ساعتها مطولاً عن عالم الإطفاء، الذي لم يعمل أحدٌ منّا فيه من قبل، ولكننا تحمّسنا للتفرّغ لهذا العمل وتشغيل الآليات الموجودة في المركز، وهكذا تشكّل فريقنا لتبدأ المعاناة بعد ذلك. ويشرح علي أهم المشاكل والعقبات التي تواجه عملهم بالقول: توجد خمس آليات إطفاءٍ في المدينة، أربعٌ منها معطّلة، باستثناء الآلية التي نعمل عليها. تواجهنا مصاعب كبيرة في عملنا، فنحن لا نملك بدلات اقتحام الحرائق، وهي من أساسيات عمل رجل الإطفاء، ولا نملك حتى أبسط الأدوات كأحذية الـ safety، والعدّة اللازمة للاقتحام، فكما تعلم هناك منازل مغلقة ونضطر في بعض الأحيان إلى هدم الجدران لكي نصل إلى الحريق. كما أن الوقود غير متوفرٍ بالكميات الكافية لكي نقوم بواجبنا على أتمّ وجه.
أما أبو محمد، وهو الرجل الذي شارك علي في مهمّته الإطفائية الأولى، فيعلّق على مهنته الجديدة: أنا لم أحمل السلاح، وبقيت في هذا البلد أبحث عن دورٍ لأقوم به، فوجدت أنني أجاهد في هذه الثورة من خلال هذا العمل. وعن سؤالنا كيف تطوّع لهذا الأمر يقول أبو محمد: كنت أعمل كسائق آلياتٍ ثقيلة في إحدى الدوائر الحكومية، وعندما قررت العمل كرجل إطفاءٍ تطوّعت لقيادة الآلية. ولكن ضعف الإدارة وتقصير المجلس المحلي يسبّبان لنا مشاكل جمّة، ففي إحدى المرات، التي خرجنا فيها لإخماد أحد الحرائق، تعرّضت لإصابةٍ نتجة انفجار أسطوانة الغاز في المنزل... لو كنّا مجهزين بعدّة الإطفاء لما حدثت الإصابة.
يفسّر السيد سليمان الهايس، مدير مكتب الدفاع المدني في المجلس المحلي بدير الزور، العوائق أمام عمل وحدة الإطفاء، قائلاً:
سيارات الإطفاء موجودةٌ عند بعض الكتائب. عرضنا على تلك الكتائب إصلاح هذه الآليات لكنهم قابلوا طلبنا بالرفض لأسبابٍ عديدةٍ، فاعتمدنا على الآلية التي يستخدمها علي ورفيقاه. نحن نقوم بتزويد طاقم الإطفاء بالوقود. وطلبنا من الجهات الداعمة تقديم عدّة إطفاءٍ منذ أشهر، ولا زلنا بانتظار قدوم المعدّات.
وبالعودة إلى العنصر الثالث في فريق إطفاء دير الزور، الشاب عمر، الذي بدا متحمساً وهو يتحدث عن مهنته التطوعية كرجل إطفاءٍ محترف: بسبب القصف المستمر على أحياء المدينة تواجهنا عادةً العديد من الحرائق، بمعدل وسطي عشرين حريقاً أسبوعياً. نحن نوجد غالباً بالقرب من سيارة الإطفاء. وعندما يشبّ حريقٌ في أحد الأماكن نتلقّى الخبر، إما من الأهالي أو يحدث عادةً أن يقوم الجيش الحرّ بإبلاغنا بمكان نشوب الحريق.
أصبح ثلاثي الإطفاء، المؤلّف من علي ورفيقيه، ثلاثياً مشهوراً في المدينة، فلقد اعتاد الأهالي رؤية سيارة الإطفاء الوحيدة تجوب الشوارع بحثاً عن الحرائق لتخمدها. ويصف أحد السكان هذا الفريق المتطوّع بأنهم مقاتلون حقيقيون، فهم يعملون ستّ عشرة ساعة في اليوم من دون مقابل. ويضيف مازحاً: "ويطفئون أكبر الحرائق وأخطرها. وسيدخلون حتماً في موسوعة جينيس للأرقام القياسيّة بعدد الحرائق التي أطفأوها".