ما الذي تغيّر بعد دخول التنظيم؟
منذ دخول تنظيم الدولة إلى مدينة دير الزور والخوف من الموت يزداد شيئاً فشيئاً. وهو ما يظهر في أحاديث الأهالي اليومية، بالإضافة إلى كلام الكثير من الفاعلين الاجتماعيين والمقاتلين ممّن ترك السلاح أو ممّن لا زال يحارب إلى جانب التنظيم.
نتيجة وقوع أغلب خطوط التماسّ بين النظام والفصائل المقاتلة في مدينة دير الزور، شكّل الخوف من القصف هاجساً يومياً لمن بقي من سكانها. وما جعل الخوف مركّباً أن مركز المدينة بقي مهدّداً باجتياح قوّات النظام، لذلك فإن غالبية من عايش مراحل المعارك في المدينة كان يفضّل الموت تحت القصف أو في اشتباكٍ على أن يقع أسيراً أو يصاب إصابةً خطيرة. الأمر الذي كان يُعبَّر عنه كثيراً، حين يقف شبح الموت في اليوم القادم أو القذيفة الأخرى أو الخطوة التالية، ليتراجع عن كونه التحدّي الأكبر، وتصبح كيفية الموت هي العقبة التي تؤرّق سكان المناطق الواقعة تحت نيران جيش النظام المباشرة، والمهدّدة بالاجتياح في كلّ وقت.
أما اليوم فقد انقلب الوضع، ليرجع الموت مقدّماً على كيفيته، كما يبدو من كلام الكثيرين. وقد لمس هذا الشعور أغلبية من عمل في المجال العامّ، من ناشطين وإعلاميين وغيرهم. فيرى أحدهم، وهو ممرّضٌ، أن الموت الآن "مجاني... أحسّ أنو راح أموت ببلاش". رغم أنه لم يكن يحسب حساباً للموت في السابق، وقد واكب القتال منذ بدايته. أما عن السبب فيرى أحد العاملين السابقين في الإغاثة أن الطمأنينة التي كان يعيشها كان مصدرها ثقته بالجيش الحرّ، مما جعل القصف هو الخطر الوحيد وقتها، أما هؤلاء "فما تعرف إيمت ينسحبون، لأنو مو سائلين عنّا".
بعد تفكيرٍ يتكلم أحد العاملين في المجال الطبيّ عن السبب فيقول: "قبل كنت جاهز للموت لأني كنت أدافع عن قضيتي، أما اليوم إذا متّ فراح أموت منشان قضية مو قضيتي". ويعبّر أحد الإعلاميين العاملين في الخفاء عن ذات الفكرة بلغةٍ أخرى: "الدولة لا تعبّر عن الناس وأفكارهم وآمالهم، لكن عن طموح القائمين عليها. لذلك فالناس لاشعوريا اتخذت موقف المتفرّج مما يجري، مما يفسّر دعاءهم "اللهم اضرب الظالمين بالظالمين". يضاف إليه الموقف السلبيّ لهم وهم عاجزون أمام القصف لا يستطيعون شيئاً تجاهه". بينما يرى إعلاميٌّ آخر متحمّسٌ للتنظيم أن السبب هو "أن القصف الآن فتاك"، مشيراً إلى دخول البراميل المتفجّرة كسلاحٍ يلقيه الطيران كثيراً في الآونة الأخيرة، ما دفع بعض العائلات إلى النزوح عن المدينة.
أما المقاتلون الذين سألناهم عن الموضوع فأغلبيتهم تؤكّد أن الخوف من الموت قد تضاعف، رغم أن بعضهم تعرّض لأكثر من إصابةٍ قبل دخول التنظيم، لكنه لا يعرف سبباً لخوفه الكبير اليوم. بينما يربطه مقاتلون آخرون بالخوف من النتائج، فيقول أحدهم: "اللي يروح يروح من كيسو. والناس صارت تخاف بعد ما شافت حال الجرحى". في حين يرى البعض أن منسوب الخوف لم يتغيّر.
أغلبية الأهالي تشاطر الفاعلين ازدياد خوفهم. وهم يعبّرون عنه أحياناً بقلة الإيمان أو الإخلاص أو بالركون إلى الحياة، بينما لا يجد بعضهم تفسيراً له. ويربطه قسمٌ منهم بالبراميل المتفجّرة؛ يقول أحد الشبان: "أشعر أني كنت بغيبوبة والبراميل صحّتني"، رغم أنه لا يفكر في مغادرة المدينة.
ولا نغفل بالطبع عن خوفٍ من نوعٍ آخر يلقي بظلاله على سكان المدينة خاصّةً، وهو الخوف من الاعتقالات الكثيرة التي تمارس بحقّهم لأبسط الأسباب، كنوع اللباس وطول الشعر، وقانون التنظيم المماثل لقانون الطوارئ، والذي يشبه منطقةً مظلمةً قد يجد الشخص نفسه فيها دون علمه.
رغم أن البراميل شكّلت عاملاً أساسياً في ازدياد الخوف، إلا أن معايشة سكّان المدينة لحملاتٍ عسكريةٍ شرسةٍ نفذها النظام في أوقاتٍ سابقةٍ، وانتظارهم الموت المحتّم في أكثر من حملة، وتعرّض الكثيرين منهم للإصابة ورفضهم ترك المدينة حتى الآن؛ كلّ ذلك يبقي السؤال عن ازدياد الخوف من الموت مفتوحاً.