- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
الحياة في إدلب مختلفة عن سيناريوهات الساسة والمحللين
يبدو الفارق كبيراً بين إيقاع الحياة في محافظة إدلب وعالم فيسبوك أو الصحافة الإلكترونية والإعلام المتلفز، حيث تكثر التحليلات بشأن السيناريوهات التي من الممكن أن تشهدها المحافظة معقل الثورة الأخير، بينما يعيش الناس دون التفات إلى كل ذلك.
قرابة ثلاثة ملايين نسمة باتت تقطن المحافظة الصغيرة في حجمها مقارنةً بباقي المحافظات السورية، ولكنها مازالت تكبر بحيث يكون اسمها حاضراً على طاولات المفاوضات وفي لقاءات الساسة والمحافل الدولية.
وفي إدلب المدينة تعج المحلات بالبضائع، وتزدحم الأسواق بالمارة، حيث يتوفر كل شيء يساعد على بقاء الحياة، وتفتتح المطاعم والمقاهي، ويعاد ترميم الحدائق.. يقول الحاج أبو حسن من أبناء إدلب "الحياة ستستمر، ولن يوقفنا شيء". "سمعنا كتير عن النظام وانو بدو يحشد. بس ما بصير أكتر من يللي صار" مستأنفاً الاهتمام بشؤون محل الحلويات الذي مازال يملؤه بصواني الشعيبيات والبقلاوة. نظرة "الحاج" للأمور تكاد تلخص وجهة نظر الكثيرين ممن التقتهم (عين المدينة) في أسواق إدلب. يكمل أبو حسن كلامه: "بحياتي مافكرت سكر محلي، أو اطلع برات البلد. أنا مو خايف. والنظام أجبن من انه يحاول يجي على إدلب" بهذه الكلمات يختم محدثنا (وجهة نظره) كما يسميها.
بالابتعاد قليلاً عن مركز المدينة إدلب، يخطر المجلس المحلي ببلدة سرمين الأهالي باستئناف افتتاح (البازار) في البلدة كل يوم ثلاثاء بشارع الكورنيش الشرقي، كما كان سابقاً. والقرار جاء بعد أن تم توقيف (البازار) بسبب مشاكل أمنية داخلية. أما في مدينة بنش، فيعلن المسؤولون عن ملعب كرة القدم عن إغلاقه لعدة أيام، ريثما يعاد (تأهيل عشب الملعب)، ويتم الإعلان عن دوري جديد لكرة القدم يضم فرقاً من مناطق مختلفة.
أبو محمد، المهجّر من ريف دمشق، يقرر أن يعود لمهنته القديمة، فيفتتح صالون للحلاقة في البلدة التي يقطنها مع عائلته بريف إدلب. وفي المحل يجلس عدد من الزبائن، بينما يعمل أبو محمد في قص شعر أحدهم، ويشارك الموجودين شكواه من بعد محله عن مركز البلدة "لم أوفق باختيار المحل. بعيد عن التجمع، لازم دور على غيرو". فيدور الحديث عن محل آخر (قريب من تجمع الناس) يصلح ليكون صالون؛ في حين يعرض التلفاز، الذي وضع على طاولة في أول المحل، تقارير عن سيناريوهات إدلب، واجتماع ترامب/ بوتين، ولكن أحداً لم يكن يسمع شيئاً، لأن صوت التلفاز كان مكتوماً.
بدا أبو محمد مسروراً في نهاية الحديث، بعد أن أمّن له أحد الزبائن محلاً مناسباً، وقرر أن يستأجره. "منيح تمام. هاد المحل ممتاز. لح حاول أخدو قبل العيد، لأنو موسم وبصير بينعرف المحل وبيتحسن الشغل" تناول جهاز التحكم ورفع صوت التلفاز، وعاد للحديث مع زبائنه من جديد، وعلى التلفاز انتهت نشرة الأخبار، وبدأت القناة ببث برنامج عن حياة الحيوانات.
هذا الصيف كان موسم استثمار جيد لأهالي إدلب. أبو سعيد أنشأ مزرعة تحوي مسبحاً كلفته آلاف الدولارات، ليبدأ بتأجيرها للعائلات الراغبة بقضاء عطلة الأسبوع بعيداً عن الحر الشديد. الإقبال على (مزرعة أبو سعيد) محدود نوعاً ما، بسبب ارتفاع قيمة الإيجار اليومي. فيخطط أبو سعيد بصوت مرتفع "ادرس خطة لتخفيض أجرة المسبح ليزيد الإقبال. في هذا المشروع وضعت رأسمالي، وأعتقد أنه سيتكلل بالنجاح" دون أن يرى مجازفة بوضع رأسماله في مشروع كهذا، وبمثل هذه الظروف "ماهي الظروف التي ترى أنها صعبة؟!.. ما في أي شي يوحي بالخوف. يللي مر علينا أصعب، ومالح يجي أصعب منو" ينهي الحديث في الموضوع رافعاً يده بحركة لا مبالاة.
عبادة صحفي من ريف دمشق، يقيم الآن بريف إدلب، يقول ل(عين المدينة) "بحكم تواجدي وعملي مع الأخبار، وقراءتي الكثير من المقالات عن سيناريوهات مخيفة لمستقبل إدلب، أشعر بالتوتر الدائم، ودائماً ما أفكر بالمصير وكيفية النجاة منه، ولكن عند نزولي للشارع تختفي هذه الأفكار وأشعر بالارتياح".
لا يسمع عبادة عند نزوله للشارع أي آراء أو أحاديث سلبية من الأهالي، كما يقول. بالغالب تكون الأحاديث الدائرة عن الأسعار، ولماذا البطيخ انخفض سعره بينما يرتفع سعر البندورة، وكل حديث يتعلق بقضايا ومشاكل سياسية ينتهي بمقولة "مالح يصير غير المكتوب" "الحياة بدها تمشي" أنهي جولتي وأعود للبيت بجرعات من التفاؤل واللامبالاة، يختم الصحفي الشاب.
محللون للأخبار وكتاب رأي ومطلعون متفائلون قد يعولون على اختلاف وضع إدلب، وقربها من الضامن التركي، أما الأهالي فيصنعون الطمأنينة ويعيشون حياتهم الطبيعية، وهم يدركون أن القريب خذلهم قبل البعيد، وأن السياسة مصالح، ولم يعد أحد يهتم لمصالح الشعب السوري، وضامنهم الوحيد هو الله.