عدسة محمد | خاص عين المدينة | أطمة - الحدود السورية التركية
تبدي السلطات التركية كثيراً من التسامح مع السوريين الذين يعبرون بالآلاف الحدود المشتركة يومياً وقريباً من البوابات الحدودية تنشط حركة العبور غير القانونية ولأغراضٍ شتى، بمساعدة السكان في المناطق و القرى الحدودية.
«لأعبر على تركيا... وأشرب تتن وأكيِّف»*
لم يكن الصبي اليافع، الذي قادنا عبر الأرض الزراعية إلى الأسلاك الشائكة، يشبه صورتنا عن المهربين في شيء، ولكنه من أتيح لنا على كل حال. نحن الأربعة الذين تجمّعنا من دون سابق معرفة، بهدف عبور الحدود السورية التركية بطريقة غير مشروعة، نتيجة نقص وثائق سفرنا أو انتهاء صلاحيتها أو فقدانها من الأساس.
أجلسَنا الصبي خلف شجيرة في حالٍ من الترقب ريثما يغفل ـ أو يتغافل متواطئاً، بحسب ما زعم دليلنا ـ الجندي التركي. حبَسنا أنفاسنا بدرجة من الجدية لم تبدُ على وجه صف الضابط التركي الذي حطّ علينا بسرعةٍ وهو يضحك ماداً يده وهو يطالب: هڤية. أعطيناه هوياتنا مستسلمين، وقد انتقل إلينا شيء من مرحه. فبعد كل شيء، كان «القبض علينا» خلاصاً من الوقت الذي استطال ونحن جالسون على التراب النديّ، وأحدنا يروي عن مقتل عمه منذ أيام وهو يحاول عبور الأسلاك، بينما ينافح آخر بأن هذا تصرف فردي من مطلق النار التركي، الذي سيواجه عقوبة بالسجن قد تصل إلى تسع سنوات.
لم نكن مستعدين للموت بالطبع، حتى لو سُجن العسكري التركي الذي قد يطلق علينا الرصاص! عندما اقتادنا «القومندان»، كما صار مهرّبنا المذعور يناديه، اكتشفنا أننا جزء من عددٍ أكبر من المجموعات التي حاولت عبور الحدود تهريباً في الاتجاهين اليوم، وأن الأتراك قد خصّصوا لأمثالنا خيمة مؤقتة يتم تجميعهم فيها، وأن الأمر هيّن، فبعد تجمع عدد وافرٍ تأتي «الجندرمة» التركية ـ مرتان في اليوم، بحسب ما أفادنا بعض من رأيناهم في الخيمة، وسبق لهم المرور في هذه التجربة ـ لتصطحب هذه القافلة الصغيرة عبر المعبر الرسمي إلى داخل الأراضي السورية. وبهذا يكون من أراد العبور من تركيا قد وصل إلى غايته فعلياً، أما من أراد العبور إليها فقد عاد إلى مربعه الأول. هكذا إذاً؟!! لا قتل ولا ضرب ولا سجن ولا إهانات؟!! تساءلنا مستغربين، نحن أبناء «سوريا الأسد»!
في الخيمة... مجتمع صغير نشأ على عجلٍ ودون تخطيط من أحد. عائلات قليلة تجمّعت حول طاولات بلاستيكية، غير أن أغلب الموجودين كانوا من الرجال من أعمار مختلفة ومقاصد متنوعة، إذ يهدف أغلب الشباب إلى العبور إلى تركيا بحثاً عن عمل، بينما للأكبر سناً غايات أخرى كالزيارة أو متابعة بعض الشؤون العامة أو الشخصية.
يتباهى شابان بكونهما من عناصر الجيش الحر. بينما يقول شابان آخران إنهما لا يحملان هويات مدنية، لأنهما منشقّان عن الجيش. ولا يملكان ما يمكن أن يثبت شخصيتيهما سوى التصريح الذي يمنحه الجيش الحر في مثل هذه الحالات. يسألهما رجل: «وماذا ستفعلان في تركيا؟ روحوا قاتلوا». لا يبدوان مرتاحين وهما يجيبان أنهما يريدان البحث عن عمل. يعاود الرجل: «وما سبب الانشقاق إذن؟ لماذا تركتما جيش بشار؟!». يحتدّ أحدهما وهو يجيب، وكأنه يتحدث عن
زعيم محلي أو قائد ميليشيا: «يا ليت ما تركناه! بالقليلة كنا نأكل عنده ونأخذ مصاري!».
في حلقة أخرى تبدو امرأة ثلاثينيّة لا تخلو من الحسن غاضبة ويائسة، فقد صادر الأتراك حمولتها من «كروزات» الدخان التي كانت تنوي تهريبها. يتبرع الكثيرون لمواساتها بينما تلتفت هي إلى شابٍ صغيرٍ لتسأله عن سبب وجوده.
يجيب الشاب بحماس إنه من الجيش الحر. لا تأخذه المرأة بالجدية التي قدم بها نفسه، بل تمد يدها إلى شعره تمسحه بيدها قائلة: «جيش حر! أنت صغير! مثل ابني! عمره 13 سنة وهو يقول إنه يريد أن يصبح من الجيش الحر لينتقم من الذين قتلوا أباه بقذيفة طائشة قدّام البيت بحلب».
أثناء حديث عارضٍ عن قصر الصلاة وجمعها، يتدخل شابٌ ملتحٍ، مبيناً «الحكم الشرعي الصحيح». يسأله الآخرون عن لهجته التي يتضّح تطعيمها بالفصحى وبلهجات عربية أخرى، فيجيب باقتضاب وتهذيب: «أنا من الكتائب الإسلامية».
*مقطع من أغنية رائجة.