في الماضي، وبالنسبة إلى رجل "القهوة" التقليديّ الذي استقرّت به الحياة وتأكّد أنه لن يغيّر مهنته وبيته وزوجته؛ لا يكتمل اليوم على طبيعته إلا بساعةٍ أو أكثر على كرسيّ الخيزران، مع إسناد الظهر إلى الحائط، والاتكاء على الطاولة، ونقل القدم داخل "الكلاش" أو فوقه أو إلى العارضة السفلية للطاولة. وطبعاً، ليس أفضل من "الكلابية" البيضاء النظيفة زيّاً عملياً ومريحاً في القهوة أو أثناء السير إليها مشياً على الأقدام أو بالدرّاجات الهوائية أو النارية.
هناك شرائح أخرى من الزبائن تخرق النموذج أو تتهيأ له، هي أصغر سناً في غالب الحالات، لكنها تنمو سنةً بعد سنةٍ لتدخل هي الأخرى في نادي الرجال الناضجين الذين أسّسوا حلقات أصدقاء وعشرة عمرٍ لا يهلكها إلا الموت أو المرض المُقعد في البيت. وأصغر من هؤلاء جميعاً يأتي اليافعون من مراهقين أو ممن اجتازوا عتبة سنّ الرشد حديثاً، سواءً اعتادوا التدخين أو ما زالت تربيتهم المنزلية تكافحه، ليشغلوا، هم أيضاً، عدداً لا بأس به من الطاولات. ويدور الساقي على الجميع، نشطاً وذكياً في حفظ خصوصيات كلٍّ منهم في المشروب المفضّل والموقع المفضّل والأصدقاء المقرّبين.
قد يبدو مجازفةً تحديد نسبة الذين يرتادون المقاهي يومياً من أبناء دير الزور، لكنها كبيرةٌ إلى الحدّ الذي يعتبر فيه من لا يرتادوها أقليةً قلقةً وغير متماسكةٍ وضعيفةٍ، في موقف دفاعٍ وتقديمٍ دائمٍ للمبرّرات عن لا جدوى "القهوة" ولا جدوى التردّد إليها.