- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
أصحاب الشهادات إلى «الصنعات» والأطفال أكثر حظاً في كيليس
لا يشعر الزائر لولاية كيليس التركية بالغربة في شوارعها المكتظة بالسوريين، خاصة أبناء حلب وريفها، الذين صبغوا الولاية بلغتهم المحكية، إضافة إلى اللغة العربية والأسماء التجارية المعروفة لأهالي حلب على واجهات المحلات التجارية، إلّا أن سكانها وحدهم يدركون صعوبة الحياة في الولاية، خاصة مع انعدام فرص العمل وارتفاع أسعار المعيشة في كيليس، المدينة الصغيرة التي تغيب فيها المعامل والمؤسسات والورش الكبيرة، وتضم أكثر من 180 ألف لاجئ سوري.
أصحاب الشهادات العالية (صنّاع في مهن يدوية)
سقوط مدينة حلب بيد نظام الأسد 2016، دفع مالك الحلبي (ماجستير في الاقتصاد) إلى القدوم إلى كيليس باحثاً عن فرصة عمل، «سيرتي الذاتية موجودة عند معظم المنظمات والجمعيات في الولاية، دون أن أتلقى رداً حتى الآن». بعد أن انتهت مدّخراته القليلة، كان على مالك البحث عن فرصة عمل في أماكن أخرى، حتى لو كانت لا تُناسب اختصاصه العلمي ولا تتعلق به «رفَضَت المحلات التجارية والمعامل التي طرقت بابها توظيفي، أكثر ما صدمني تلك اللافتات المعلقة على أبواب المحلات، بتحديد عمر صاحب فرصة العمل بما لا يزيد عن 15 عاماً. وأحياناً تحديد الجنس بفتاة». الظروف القاسية قادت مالك للبحث عن عمل يدوي على «دوارات كيليس، مندريس وأردوغان» الشبيهة بعمال المياومة في باب أنطاكية بحلب «بعض الأحيان كنت أحظى بعمل في ورشات البناء أو الدهان أو الزراعة، وبأجرة يومية لا تزيد عن 35 ليرة تركية».
عشرات أو مئات من أصحاب الشهادات الجامعية يبحثون عن فرصة عمل في الولاية، دون جدوى. بعضهم احتال على ظروفه بالعمل في ورش البناء والنجارة والحدادة، وآخرون اعتمدوا على مدخراتهم لافتتاح مشروع صغير (دكان سمانه –تكسي أجرة...)، رغم القوانين الصارمة التي تؤدي إلى إغلاق هذه المحلات أو حجز السيارات، ودفع مخالفات باهظة في حال تم تطبيق القوانين التركية التي «تتغاضى الحكومة التركية عنها خلال السنوات السابقة»، على حد قول أحمد الدرويش (سائق تاكسي).
قوانين صارمة وغياب التطبيق
ليس حال السوريين غير الحاصلين على شهادات علمية بأفضل من سابقيهم، إذ يعاني حتى أصحاب المهن من قلة فرص العمل، وربما انعدامها في بعض الأحيان، إضافة إلى الأجور القليلة التي يتقاضونها، وزيادة ساعات العمل التي قد تصل إلى 12 ساعة يومياً. فـ أبو علي (يعمل في محمصة منذ سنتين) تمتد ساعات عمله، من السابعة صباحاً وحتى الثامنة مساء، بإيجار أسبوعي لا يتجاوز 300 ليرة تركية؛ وهو أقل من الحد الأدنى للأجور الذي حددته وزارة العمل التركية بـ 1603 ليرة تركية. إلّا أن الحاجة دفعت الكثير من السوريين للقبول بأي راتب للحصول على عمل.
معظم السوريين العاملين في تركيا لم يحصلوا على إذن عمل، ولا يتم منحهم الضمان الاجتماعي والصحي. فبحسب دراسة أكاديمية نشرتها صحيفة حرييت التركية، باستبيان ضم 604من العمال السوريين، في آب 2017، قالت «إن 99.6 من الرجال السوريين العاملين في تركيا، و100% من النساء السوريات العاملات في تركيا، غير مسجلين بشكل رسمي». كما أقرّت الدراسة، بأن 33% من السوريين يحصلون على رواتب أقل من الحد الأدنى للأجور في إسطنبول. و«تزيد النسبة في غازي عينتاب وكيليس والولايات الحدودية، خاصة مع فرض القوانين التركية على أصحاب المعامل والمؤسسات السورية والتركية أن لا يتجاوز عدد العاملين الأجانب فيها (غير الأتراك) 10% من عدد العمال، وهذا ما زاد الأمر تعقيداً»، على حد قول المحامي أحمد الحمدو.
الأطفال السوريون أكثر حظاً في العمل
في تقرير نشرته BBC، في تشرين الأول 2016، حول عمالة الأطفال في تركيا «إن أكثر من 400 ألف طفل سوري يعملون في قطاع النسيج وحده في تركيا». لا يحتاج الأمر للكثير من البحث، ففي جولة ميدانية لأي شارع من شوارع كيليس، تجد أن معظم العمال في مختلف المحلات أطفالاً لا يتجاوز عمرهم 16 عاماً، ناهيك عن الإعلانات التي تتصدّر المحلات وصفحات الفيس بوك، والتي تطلب تلك الأعمار للعمل. علماً أن القانون التركي يُجرّم عمل الأطفال دون سن 15(يُحظر عمل الأطفال دون سن 15 سنة. وتُفرض عقوبة السجن لعام كامل بحق أرباب العمل، وغرامة مالية تتجاوز 1600 ليرة تركية، كما ويعاقب ذوي الطفل). وعند سؤالنا عن السبب، أجابنا صاحب أحد المحلات التركية للأدوات المنزلية، بأن «الطفل السوري بحاجة للعمل ليساعد في إعالة عائلته، كما أنه يعمل بجد ودون كلل أو ملل، وهو يتعلم أصول العمل ويتقن لغة البيع والتعامل بسرعة، على عكس كبار السن أو الشبان سواء أكانوا أتراكاً أم سوريين».
ولهذه الظاهرة أسباب أخرى تتعلق بالأجر الذي يحصل عليه الطفل من العمل، والذي لا يتجاوز 600 ليرة تركية. بالإضافة إلى ترك عدد كبير من الأطفال واليافعين للمدرسة، وبحثهم عن عمل من أي نوع، حتى وإن كان بشروط مجحفة.
ازداد عدد العاطلين عن العمل في ولاية كيليس بعد قرار البلدية الأخير بمنع (بسطات) البيع (الخضار والألبسة) في شوارع المدينة، منذ بداية 2018، في الوقت الذي يتنامى الشعور عند الأتراك أنفسهم بالحقد على العمال السوريين الذين سلبوهم أماكن عملهم، بحسب استبيان صحيفة حرييت، الذي بيّن أن 73% من العمال الأتراك و60% من العاملات، أعادوا سبب انخفاض رواتبهم إلى العمالة السورية.