- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
أسواق التعفيش في حلب الغربيّة
ازدهرت أسواق التعفيش في حلب بالمسروقات من الأحياء الشرقية للمدينة التي سيطرت عليها قوات الأسد مؤخراً. لم تعد هذه الظاهرة خافيةً على أحد، بل صارت البضائع تباع «على عينك يا تاجر»، برعاية الشبّيحة الذين يتجوّلون في هذه الأسواق بأسلحتهم أو يجلسون بالقرب من البسطات والبرّاكيات، يدخنون الأرجيلة ويستلمون النقود من الباعة الذين يعملون لحسابهم.
أول أسواق التعفيش في حلب الآن في قرية جبرين شرق المدينة. وهو السوق الأكبر الذي يتمّ فيه بيع المواد المسروقة من بيوت ومحلات الأحياء الشرقية من قبل جنود الأسد وشبّيحته، ليشتريها شبّيحةٌ كبارٌ وتجارٌ على علاقةٍ مباشرةٍ بهم وبمسؤولين في الأجهزة الأمنية. وهناك يتمّ فرز هذه المواد حسب جودتها، ثم توزيعها على الأسواق أو المحلات التجارية أو إرسالها إلى مدنٍ أخرى كدمشق واللاذقية.
داخل المدينة هناك ثلاثة أسواقٍ للتعفيش؛ أكبرها في منطقة الفيض، والثاني في حيّ الجميلية عند جسر الرازي، أما الأخير فكان في منطقة الحمدانية وأغلق مؤخراً بعد الحملة الكبيرة التي شنتها صفحاتٌ مواليةٌ على السوق واتهامها القائمين عليه بتعفيش البيوت في المناطق الموالية، كأحياء حلب الجديدة ومشروع 3000 شقة و1070 شقة، بعد المعارك التي دارت هناك
تقول السيدة منى، وهي ربة منزلٍ تعيش في حلب الجديدة: «قامت اللجان بإخراجنا من بيوتنا بعد بدء المعركة بالقرب من منيان بحجة حمايتنا، ولم يسمحوا لنا بإخراج شيء. وعندما عدت إلى بيتي بعد أسبوعٍ وجدته فارغاً، حتى السيراميك والأرضيات قاموا باقتلاعها. قدمنا شكوى للمسؤولين ولكن دون ردّ، وقالوا لنا بأن الإرهابيين هم من سرقوا بيوتنا». وتكمل: «رأينا الكثير من أثاثنا يباع في سوق الحمدانية، ولكننا لم نستطع الكلام».
سوق الفيض
في جولةٍ على سوق الفيض، أو «سوق كل شيء» كما يطلق عليه الباعة، استقبلني رجلٌ عجوزٌ بصوتٍ جهور: «يا لطيف! يا ويلهن من الله» وهو يغادر. يزيغ بصرك أمام كمية المعروضات؛ غسالات وبرادات وأجهزة كمبيوتر وشاشات تلفزيون وساعات حائط وألبسة وأسرّة وغرف نوم كاملة وألعاب أطفالٍ وأدوات منزلية من مختلف الأنواع، فناجين كاسات شاي قدور. ما يدهشك أنك تجد حتى المسامير والبراغي والحنفيات.
يمتد هذا السوق من زاوية بستان الزهرة ما يقارب 500 مترٍ باتجاه الفيض. ويتألف من بسطاتٍ على الطرقات وبرّاكياتٍ على الأرصفة. معظم الباعة يرتدون بزّاتٍ عسكرية، بذقونٍ طويلةٍ ووجوهٍ قاسية. تتوزّع البسطات على مجموعاتٍ مؤلفةٍ من ثلاث إلى أربع بسطاتٍ يقف عليها الباعة، ويجلس بالقرب منهم رجل مسلّحٌ على كرسيٍّ وأمامه طاولة، يستلم النقود ويراقب الناس. أثناء مروري جاءت سياراتٌ، يقودها رجالٌ يرتدون الزيّ العسكريّ، مليئةٌ بالبضائع التي أنزلوها في زاوية السوق.
معظم الباعة يتكلمون بلهجةٍ حلبية، أما المشترون فأكثرهم من الفقراء والمعدمين، فالأسعار زهيدةٌ جداً، إذ لا يتجاوز سعر البراد 50000 ليرة وقطعة الألبسة 300 ليرة.
سألتْ إحدى النساء عن سعر طقم فناجين قهوة محلى بالفضة فأجابها البائع 1000 ليرة. حينها قالت إن هذا الطقم من بيتها، وإنها أتت به من دبي وليس له شبيه. لم يكترث البائع وأجاب: «إذا بحكيلك قصتي بتبكي عليّ... يا اشتريه يا روحي من هون. كلنا بيوتنا راحت».
في السوق أيضاً تجارٌ يتسوّقون بالجملة، إذ لا يكاد يخلو متجرٌ في المدينة من البضائع المسروقة. أخبرني صاحب متجرٍ في حيّ الأشرفية، عندما رأيت في دكانه بضائع تعود لبعض المؤسّسات الإغاثية التي كانت تعمل في حلب الشرقية: «نشتري هذه البضاع بالجملة من سياراتٍ تدور على المحلات». وسألني إن كنت أريد شراء أشياء مميّزة، فلها محلاتٌ خاصةٌ ولا تعرض للعموم، ولكن باستطاعته تأمين أي شيء.
سوق الرازي
يمتد من زاوية جسر الرازي حتى سوق الخضرة، على صفٍّ واحدٍ فقط. أولى البائعات كانت امرأة، أما معظم الباعة فذكورٌ بثيابٍ مدنيةٍ، يتقنون البيع وترتيب البضائع، ويتجوّل بعض الشبيحة في السوق دون أسلحة.
تختلف البضائع هنا عن سوق الفيض، وتمتاز بأنها جديدةٌ ومتنوعة وكأنها مسروقةٌ من محلاتٍ بالأصل، وتبدأ من أجهزة الخليوي والبطاريات والشواحن. تغطي بدلات السهرة جانباً كبيراً من السوق، وتثير انتباهك ألبسة العرائس وجهاز الفضة والمعاطف النسائية والتحف والسجاد والمولدات.
على إحدى البسطات وجدت ألبومات صورٍ فارغة، وبراويظ لوحاتٍ فارغة، وساعةً قديمةٌ من الخشب ببندولٍ متوقف.