- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
أزمة السويداء.. انقسامٌ جديد والنظام يرفض الاعتذار
تتزايدُ حدّة ردود الفعل الشعبية في محافظة السويداء، أقصى الجنوب السوري، إثرَ الأزمةِ التي اشتعلَ فتيلُها قبل نحوِ أسبوعٍ بينَ ”الرئاسة الروحية لطائفة المسلمين الموحّدين الدّروز“ وفرع الأمن العسكري في السويداء. فالأزمةُ التي يُمكنُ أن توصفَ بأنّها "داخلية" بين موالي النظام، يبدو أنّها باتت تُشغلُ الحيّزَ الأكبر من الأحاديث العامّة، مُشكّلةً ما يُشبهُ رأيًا عامًا في المحافظة، التي اختطّت لنفسِها مسارًا مغايرًا عن بقيةِ المحافظات السورية منذُ اندلاعِ انتفاضة السوريين على النظام الحاكم.
غير أنّ السويداء، التي كان الانقسامُ السمة الأبرز من بين سمات الرأي العام فيها منذُ آذار ٢٠١١، لم تتخذ هذه المرّة مسارًا مغايرًا، إذ يبدو أنّ الرأيَ العامَ فيها ما زالَ يُفضّلُ الانقسام، حتّى إزاءَ الأزمة الأخيرة التي أفضت إلى الغليان في المحافظة، ذات ردود الأفعال الفاترة عادةً.
اشتعلَ فتيلُ الأزمة عندما اختُطفَ فتىً يُدعى "سراج الصحناوي" كان يُعتقدُ أنّهُ مختطفٌ لدى أحد الأفرع الأمنية، فكانَ أن اختطفَتْ في المقابل إحدى الميليشيات المحلية (تقولُ مصادر إعلامية إنها من عائلة الشاب) ضابطًا برتبةِ ملازمٍ أول ينحدرُ من مدينة القرداحة. على إثرِ ذلك تمّ التواصلُ بينَ الوجهاء المحليين والمشايخ للتوسّط وتفادي نشوب أزمة، وبالفعل تمّ إطلاقُ سراح الضابط المختطف، في مقابل وعود بإطلاق سراح الفتى. إلّا أنّ ذوي الشاب سراج الصحناوي فوجئوا، حينَ ذهبوا لاستلامِ الفتى، بردّ فرع الأمن العسكريّ بأنّ "الصحناوي" ليسَ موجودًا لديهم، فتوجّهوا إلى أعلى سلطة دينية في المحافظة، للاستفسارِ وشكوى الغدر.
يوم الأحد ٢٤ كانون الثاني، قام حكمت سلمان الهجري، وهو شيخ العقل الأول لطائفة المسلمين الموحّدين الدُّروز، أعلى هيئة روحية في المحافظة، والمعروف بمواقفه المؤازرة للنظام، بالاتصال بالعميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء، للمطالبة بالالتزامِ بوعدِ الإفراج عن الشاب، وعندئذٍ كانت البداية الفعلية للأزمة. فالردّ الذي جاء على لسان العميد العلي، جاء ”مُهينًا" حسبما نقلت عدّة مصادر داخل المحافظة، والإهانة، غير المحسوبة ربّما، لم تطل الشيخَ لوحده، بل طالت المحافظة وأهلها، بالإضافةِ إلى الشيخ الهجَري.
خروجُ تفاصيلِ المُشكلة إلى الإعلام، والذي تأخرَ لمدةِ يومين على أملِ احتوائها قبلَ ذلك، جعلَها تتصدّرُ واجهةَ الأزمات التي تزخرُ بها محافظةُ السويداء، الأمرُ الذي صعّبَ إمكانية حلِّها. فقد وُضعَ الشيخُ الهجري في موقفٍ مُحرجٍ أمام أبناء طائفته، ولم يعد، فيما يبدو، قادرًا على الرضوخِ لمطالباتِ التهدئة، إذ لم تكد تنقضي الساعات الأولى بعد تسريبِ وقائعِ المشكلة، حتّى أمّتْ جموعٌ من أبناء السويداء مضافةَ آل الهجري في بلدة قنوات، ذات الرمزية الخاصّة لدى أهل المحافظة، مطالبةً بردّ الإهانة، ومؤازرةً الشيخ في مواجهة العميد العلي.
ويبدو أنّ ردود الأفعالِ المتصاعدة فاجأتْ مسؤولي الدولة، إن كان في السويداء أو في دمشق، فقد بدأ السعيُ الحكوميّ للمصالحة بعد يومين، بإرسال النظام وفدين من مسؤولي المحافظة إلى مضافة الشيخ الهجري للاعتذارِ عمّا بدر، إلّا أنّهما عادا بخُفّيْ حُنينْ، بعد رفضِ اعتذارهما من قِبلِ بعضِ المُتحدّثين من الحضور (ممثلو بعض الفصائل المحلية والعائلات) باعتبارِ أنّ ”من أخطأ لم يعتذرْ، لا هوَ ولا من عيّنهُ في هذا المنصب“.
وعلى الرغم من أنّ الخلافات بين ممثلي النظام العسكريين وممثليه المدنيين في محافظة السويداء ليست جديدةً منذُ بدءِ الثورة السورية، وعلى الرغمِ من أنّ استصغارَ ممثلي الدروز، سواء كانوا مشايخَ أم زعماء زمنيين، ليس جديدًا هو الآخر، إلّا أنّ احتواء كلّ الخلافات السابقة جعلها تأخذُ شكلَ "المواقف المتباينة" أكثر من كونها أزمة، ولعلّ خروجها إلى العلن هذه المرّة جرّدها من احتمالية الخلافِ الذي "لا يُفسدُ للودّ قضية". ذلك بالإضافةِ إلى ما قرأهُ أبناء السويداء من استصغارٍ في سلوك النظامِ تجاههم، حيثُ أنّ المُهينَ هوَ رئيسُ فرع الأمنِ العسكريّ في السويداء، وهو رجلُ إيران في المنطقة الجنوبية وصاحبُ الدورِ الرئيسيّ في اتفاقيات المصالحة مع الفصائل المحلية في درعا أواسط العام ٢٠١٨ والذي أفضى إلى إعادة إحكام النظام والقوّات المُساندة لهُ قبضتهم على مهدِ الثورة السورية. وهوَ نفسُهُ، العميد لؤي العلي، الذي سبقَ وذُكر اسمُهُ في تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش في العام ٢٠١١ المُعنون بـ "لم نرَ مثل هذا الرعب" كأحدِ المسؤولينَ عن الجرائم التي تُرتكبُ بحقّ المدنيين في درعا، أي أنّ العميد العلي، خليفةُ وفيق ناصر (ضابط الأمن سيئ الصيت في السويداء)، هو رجلُ بشّار الأسد في المنطقة، فإذا كانَ هذا الرجلُ هو الذي أهانَ "الدروز" فما الذي يدفعُ السلطة إلى إرسالِ محافظِ السويداء وأمين فرع الحزب للاعتذارِ عنه؟ من ثمّ، ما هو مُبرّرُ إرسال اللواء "ياسر الشوفي" عضو اللجنة المركزية في حزب البعث، وهو من أبناء السويداء، للاعتذارِ إلى شيخِ العقل، محملًا برسالة اعتذارٍ من الأمين القطريّ المساعد للحزب هلال هلال؟
لعلّ ترسيخَ الإهانةِ يكمنُ في مفاجأةِ السلطةِ من ردّة الفعل الشعبية إزاء ما جرى في السويداء، وكأنّ السلطةَ لم تملّ من السؤال: أيُعقلُ أن نُهينكم وتحتجون؟!.
يبقى أنّ هذه الأزمة لم تُساهم هي الأخرى بأخذِ موقفٍ واحدٍ في السويداء، ففي حين يعتبرُ البعضُ ما جرى إهانةً يجبُ ألا يُسكتَ عنها، وإن كانت موجهةً لشيخ العقل الأكثر التصاقاً بالنظام السوري، وأنّ تمريرَها بدونِ حساب سيفتحُ الطريق أمام إهانة الجميعِ بدونِ حسابٍ أيضًا، ولهذا الرأي أنصار حتى في صفوف المعارضة السورية من أبناء السويداء، على الرغم من خلافِهم مع الشيخ الهجري. فإنّ البعضَ الآخر يرى أنّها مشكلة بين أزلامِ النظام، وهي على ذلك "شأن داخلي" لا حاجةَ للتدخلِ فيه، باعتبارِ أنّ "زيتَ النظامِ في عجينِه".