بعد ثلاثة شهورٍ على عزل أبو شدّاد، الأمير الأشهر لحسبة مدينة دير الزور، لم ينقص مقدار القسوة والحمق وغرابة الأطوار في سلوك عناصر الحسبة من ذكورٍ وإناث، ولكن طرافة قصص أبو شدّاد ما زالت متداولةً في أحاديث أهالي المدينة.
بخلاف أمير الحسبة الجديد أبو حفص الجزراويّ –سعوديّ الجنسية- المتكتّم على حياته الشخصية، كان أبو شداد شفافاً بعض الشيء. إذ يعرف معظم سكان المدينة عدد زوجاته ومن هنّ؛ فأم شدّاد هي الزوجة الكبرى التي جاءت معه من الريف، فيما تنتمي الزوجتان الثانية والثالثة لعائلتين من المدينة. عملت النسوة الثلاث إلى جانب الزوج في جهاز الحسبة، حتى أنه نادراً ما شوهد في "أوقات العمل" وحده، ونادراً أيضاً ما تحدّث الناس في دير الزور عن قصةٍ من قصصه الكثيرة دون نسائه. ودوماً كان المشهد متكرّراً، أبو شدّاد وزوجاته في دورية حسبةٍ واحدة، هو الزوج والسائق وقائد الدورية وأمير الجهاز، إلى جانبه في المقعد الأماميّ أم شدّاد، فيما تجلس الزوجتان الثانية والثالثة في المقعد الخلفيّ. تتحرّك السيارة ببطءٍ وتنشغل ستة عيونٍ بالتفتيش في كلّ اتجاه، تمسح كلّ شباكٍ وبابٍ وزقاق، وتفحص كلّ امرأةٍ من الحذاء إلى الرأس. وأمام أيّ خللٍ في قانون الزيّ الخاصّ بداعش، مثل عباءةٍ غير فضفاضةٍ، أو حذاءٍ ذي كعبٍ، أو جوارب ملوّنة، أو غير ذلك، تسرع السيارة -ولو كانت على مسافة أمتارٍ من الضحايا- ثم تتوقف بفرملةٍ مثيرةٍ، وتترجّل نساء أبو شداد للقبض على صيدهنّ. وفي معظم المرّات تذهب محاولات الإفلات أو المقاومة سدى، إذ يعجز المارّة عن حماية الضحية، وخاصّةً مع صيحات أبو شداد السريعة عبر قبضة اللاسلكي بطلب مؤازرة. تتراوح العقوبة بين سجن المرأة أو جلدها -على يد أم شداد غالباً- أو جلب ولي أمرها ليكون بديلاً عن المخالِفة في تلقي العقاب. وقد يكون العقاب انفعالياً وفورياً، كما حدث في حالة شابةٍ شوهدت على باب بيتها وهي تحمل الجوّال. حاولت الدورية اعتقال الفتاة فقاومت وشتمت أبو شداد الذي لحقها إلى داخل البيت، لينتقل الشجار هناك إلى شقيقها الذي سُجن وعُذّب بشدّةٍ بدلاً عن أخته. المفارقة أنه أُبلغ، وهو تحت التعذيب، بإسقاط أبو شدّاد حقه الشخصيّ، وأن ما يتعرّض له هو الحقّ العام!
عزل أبو شداد بعد أن تآمرت عليه مجموعةٌ من عناصر داعش تعرف بـ"مافيا الدخان"، لأنها تسهّل تهريبه، كما يقول بعض المطّلعين على الصراعات الداخلية. إذ اتهم بضرب امرأةٍ حاملٍ مما أدّى إلى إجهاضها. ويقول آخرون إن الشكاوى الكثيرة، والمدعومة من "رؤوسٍ كبيرة" في داعش، ضدّ أبو شداد قد أطاحت به، ليُنقل إلى الجبهات كمقاتلٍ عاديٍّ، وتُحرم المدينة من مشهد زوجاته الثلاث المسلحات دوماً بالبنادق أثناء ترجلهنّ من السيارة أو انطلاقهنّ برفقته لاصطياد فريسة، أو وقوفهنّ على حاجزٍ لتفتيش العابرات وإذلالهن.