- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
«طالبان الشام» فرعٌ جديدٌ للقاعدة في سورية
قضيةٌ جديدةٌ أثارت الجدل على نطاقٍ واسعٍ في أوساط المجتمع السلفيّ الجهاديّ في سورية، هي النية المفترضة لبعض الشخصيات المنشقة عن جبهة فتح الشام بتشكيل فصيلٍ جديدٍ يتخذ اسم «طالبان الشام» ويعلن بيعته لأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة.
وحسب الأنباء المتداولة مؤخراً، فإن أمير جبهة النصرة السابق في درعا ثم الساحل، إياد الطوباسي، المعروف بأبو جليبيب (أردني الجنسية)، والقيادي الأمنيّ والشرعيّ السابق للنصرة في درعا وبادية الشام، بلال خريسات، المعروف بأبو خديجة (أردني الجنسية كذلك) هما من أطلق الدعوة إلى مشروع هذا الفصيل، بتوجيهٍ من بعض المرجعيات السلفية الجهادية وعلى رأسها أبو محمد المقدسي. وراج قبل أيامٍ -وعبر مقربين من أبو جليبيب على ما يبدو- ردٌّ نسب إليه في موقع التواصل تويتر، يكذب فيه جملة من الشائعات المتعلقة به، نافياً رغباته في «التغلب» والسيطرة، واضعاً نفسه في إمرة «القيادة العامة لتنظيم قاعدة الجهاد»، دون أن يوضح حقيقة ما يذاع حول «طالبان الشام» أو أيّ فصيلٍ قاعديٍّ قيد التأسيس.
في آب الماضي، وبعد أيامٍ من إعلان جبهة النصرة فك ارتباطها بتنظيم القاعدة وتحوّلها إلى «فتح الشام»، أعلن خريسات ثم الطوباسي انشقاقهما عن التنظيم الجديد وأكدا بيعتهما للظواهري، وكذلك فعل القائد العسكريّ المخضرم في النصرة سمير محمد حجازي المعروف بأبو همام الشامي، إضافةً إلى آخرين من قادة الصف الأول والثاني للجبهة، وإن في نطاقٍ فرديٍّ ومحدود. ومن جانبها لم تبدِ فتح الشام أي ردات فعلٍ على هذه الانشقاقات طالما بقيت فرديةً ولا تهدد وحدتها. وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة اندلعت أزماتٌ عدّةٌ في أوساط الجهاديين في سورية، كان أبرزها فشل الجهود التي قادتها فتح الشام لتوحيد الفصائل والجماعات في كيانٍ واحد، وهو الشرط غير المعلن الذي فرضه الظواهري على الجولاني، أمير جبهة النصرة، لقبول فك الارتباط، وفق ما تقول بعض الشائعات. وكذلك جاءت المعارك المندلعة بين حركة أحرار الشام وجماعة جند الأقصى، ثم إعلان الأخيرة حل نفسها وانضمامها إلى فتح الشام، وتشكيك الأحرار وآخرين في جدية هذا الخطوة من جانب الجند. وجاء فشل جيش الفتح في كسر الحصار المفروض على الأحياء الشرقية في حلب، ثم تمكن قوات الأسد من تحقيق تقدمٍ ملحوظٍ على جبهاتٍ عدّةٍ هناك، ليعمق الأزمة بين الفصائل المجاهدة أو بين قادتها. وعلى هذا الأساس انطلقت الدعوات في التخاطب المباشر، أو من خلال معرّفاتٍ شهيرةٍ على تويتر، لتأسيس فرعٍ لتنظيم القاعدة «يصحح الانحرافات المتراكمة عن جادة الصواب، وينهي حالة الفرقة والتناحر بين الفصائل، ويجمعها طوعاً أو كرهاً تحت رايةٍ واحدة». وأعيد تداول المثال الأفغاني بعد هزيمة السوفييت، حين تقاتلت جماعات المجاهدين الأفغان إلى أن ظهرت حركة طالبان التي هزمتهم جميعاً وجمعت شمل الجهاد تحت رايتها. ولعل الأمنية التي بثها المقدسي أولاً لاستلهام هذا النموذج، ثم دعوته الصريحة: «أنصح من انشق عن الفصائل خوفاً من انحراف جهاد الشام أن لا يكونوا سلبيين، جمعوا أنفسكم وكونوا طالبان شامية» التي أطلقها في أيلول الماضي، كانت الضوء الأخضر لتابعيه النظريين للعمل على تأسيس الجماعة المنشودة. وفي الأسابيع الثلاثة الفائتة اشتدت الصدامات الكلامية على الإنترنت بين فريقٍ معتدلٍ –نسبياً- في فضاء فتح الشام أو من أعضائها في جهة، وأنصار المقدسي في جهةٍ أخرى، إثر النشاط المحموم للأخيرين -بأسمائهم المعروفة أو بأسماءٍ وهمية- في الدعاية لطالبان الشام، واتهام قادة الفصائل أو بعضهم -دون تسميتهم- بـ«التمييع» و«الإرجاء» والتفريط بثوابت الجهاد، فيما اتهم الطرف الآخر دعاة «طالبان الشامية» بالغلو وبث الفتنة، وأحياناً بالعمالة لأجهزة المخابرات.
وتنقل مصادر خاصةٌ أنباءً غير مؤكدةٍ عن انشقاق عشرات المقاتلين في مجموعاتٍ عن جبهة فتح الشام في الجنوب السوري، بعد أن خلعت بيعتها للجولاني وأكدت أو استأنفت بيعتها لزعيم القاعدة وتحت إمرة أبو جليبيب، ثم اعتزلت القتال على أيٍّ من الجبهات ضد قوات الأسد أو ضد تنظيم داعش المسمّى هناك «جيش خالد بن الوليد»، مكتفيةً بالتدريب في معسكرٍ خاصّ. ولوحظت -حسب تلك المصادر- حركةٌ نشطةٌ من أتباع أبو جليبيب في شراء الذخيرة والسلاح والسيارات بعد أن تلقى مبالغ طائلةً أرسلت من الأردن عبر وسطاء، دون معرفة مصدرها إن كان تنظيم القاعدة أو متعاطفين محليين أو مصادر أخرى.
التغلب: تسمح فتوى التغلب لجماعةٍ ذات قوةٍ وبأسٍ بقتال الجماعات الأخرى بهدف إخضاعها وتوحيد صف المسلمين تحت رايةٍ واحدةٍ وقائدٍ واحد. وتجيز الفتوى إقرار ولاية المتغلب، وتشترط الحذر وتجنب الفتنة وإراقة الدم الحرام. وكان الإمام أبو المعالي الجويني (القرن الخامس للهجرة) أول من تحدث في هذا الباب في كتابه «غياث الأمم في التياث الظلم». واستعمل شرعيو داعش فتوى التغلب في مناظراتهم مع شرعيّي الفصائل الإسلامية الأخرى.
وفي ريف حماة، حيث ما تزال جماعة جند الأقصى تحافظ على تماسكها وعلى استقلالها العمليّ، رغم إخفاء راياتها كخضوعٍ شكليٍّ لبيعتها فتح الشام، وجد دعاة الحركة الجديدة في اجتذاب الجند هدفاً مثيراً بين أهدافهم، من غير أن تبدر عن الجند حتى الآن أيّ دلالاتٍ تؤكد استجابتهم وفق ما يشاع. لكن قد يكون التشدد الذي يتسم به الفريقان، والضرر المعنوي الذي لحق بهما -كلٌّ في سياقه- وما يولده من رغبةٍ في الانتقام، ومشاعر الغضب من «انحراف الجماعات»؛ عوامل مساعدةً في التقريب بينهما على هذا المشروع رغم اختلافهما البيّن في الموقف من داعش، إذ يميل الجند إلى تفهم غلو التنظيم، وربما تأييده في السر، بينما قاتل أبو جليبيب «الدواعش» في حوران، وتعامل بقسوةٍ مفرطةٍ مع السجناء في قبضته ممن اتهموا بالانتماء إلى التنظيم أو التعاون معه. كما ستقدم الانتكاسات العسكرية في الحرب مع قوات الأسد أعضاءً محتملين لتلك الحركة من مختلف المكونات المقاتلة بدوافع اليأس والاحتجاج على جماعاتهم وعلى الجبهات المتردية. وحتماً سترفد فئاتٌ من المغامرين، والمطرودين من فصائلهم، والعاطلين عن العمل، الحركة الجديدة إن هي أبصرت النور وتحقَّق لها ما يلزم من تمويلٍ وتنظيمٍ مناسبين. وأيضاً سيجد المفتونون بفكرة «التغلب» التي كثر الجدل حولها فرصتهم في طالبان الشام على أمل أن تتغلب على الجميع كما تغلبت طالبان الأولى.
حتى الآن لم يتأكد قبول القاعدة البيعات من سورية أو رفضها، ولم تصدر عن أيٍّ من شخصيات الطبقة العليا في التنظيم أيّ إشاراتٍ مشجعةٍ أو مستنكرةٍ ازاء نشاطات أبو جليبيب. لكن بعض التكهنات تذهب إلى فرضية تعاطف القيادي التاريخيّ «سيف العدل» مع تأسيس فرعٍ جديدٍ لقاعدة بلاد الشام، بعد أن استأنف دوره عقب إطلاق سراحه من الإقامة الجبرية في إيران في آذار من العام الماضي. وتستند هذه التكهنات إلى موقف سيف العدل الرافض بشدةٍ –قبل أن يتراجع- لفك الارتباط عند طرح القضية على قادة القاعدة قبل أشهرٍ من الإعلان عنها، حسب ما أشيع وقتها تبريراً للتأخر. وفي المستويات الأدنى من سيف العدل قد تجد طالبان الشام اهتماماً خاصاً من مجاهدٍ أردنيٍّ مخضرمٍ هو أبو القسام، خالد العاروري، رفيق أبو مصعب الزرقاوي منذ التسعينات وزوج أخته ونائبه في العراق، الذي أطلق سراحه مع سيف العدل ضمن الخمسة المفرج عنهم من إيران، ويعضد هذا الرأي نشأة العاروري المبكرة على يد المقدسي.
تقف في وجه طالبان الشام أو دعاتها جملةٌ من العقبات، أبرزها تاريخ أبو جليبيب في قيادة جبهة النصرة في الجنوب، حيث فشل في الحفاظ على وحدة التنظيم، وتسبب في انشقاقاتٍ جماعيةٍ وفرديةٍ متتالية، كانشقاق لواء اليرموك، ومجموعةٍ كبيرةٍ أخرى أسمت نفسها «جند الملاحم»، وأخيراً انشقاق عشرات الأردنيين بعد سجنه لشيخٍ أردنيٍّ هو محلّ احترامهم وتقديرهم وتعذيبه حتى الموت. كما يتهم أبو جليبيب بالمسؤولية عن عشرات عمليات الاغتيال التي وقعت في درعا العام الماضي، ثم فشله في التصدي لتوسع تنظيم داعش مما أدى إلى احتلاله وادي نهر اليرموك وجزءٍ كبيرٍ من الريف الغربيّ في المحافظة. كذلك يشكل حرص الجولاني المتنامي على وحدة تنظيمه عائقاً قد يفشل أيّ محاولة توسعٍ محتملةٍ لأبو جليبيب داخل الكتلة الرئيسية فتح الشام. وسيكون عجز طالبان الشام المتوقع عن تحقيق انتصاراتٍ عسكريةٍ هامةٍ مع النظام في أشهرها الأولى عاملاً في خسارتها الزخم المرافق للولادة. وقد يؤدي ضيق الحيّز الجغرافيّ المناسب إلى هامشية الحركة وتعرضها المبكر لتهديداتٍ ومخاطر هائلةٍ بينها غارات التحالف الدوليّ، ومواجهات غير متوقعةٍ مع التشكيلات الأخرى.
قد يولد فرعٌ جديدٌ للقاعدة في سورية، خلال الأسابيع أو الأشهر القادمة، باسم طالبان الشام أو بأيّ اسمٍ آخر، لكنه لن ينجح حتماً في تحقيقه أهدافه المبتغاة، بل سيشكل عبئاً جديداً على لوحة الصراع السوريّ المعقدة.
سيف العدل: يرجح ان اسمه محمد صلاح زيدان. كان ضابطاً في الجيش المصريّ قبل أن يتهم بصلاته بحركة الجهاد الإسلاميّ، ليلتحق بعد ذلك بالمجاهدين العرب في أفغانستان أواخر ثمانينات القرن الماضي، ويلعب في العقد التالي أدواراً مهمةً وتأسيسيةً في نمو تنظيم القاعدة واتساع قدرته القتالية. لجأ إلى إيران واعتقل هناك في العام 2002، وأطلق سراحه في العام الفائت ضمن صفقةٍ مقابل أن يطلق فرع تنظيم القاعدة في اليمن سراح دبلوماسيٍّ إيرانيٍّ اختطفه عام 2013.