- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
(أم الشهداء).. لقب تتنافس عليه مدن وقرى الساحل السوري
خسرت مدن وقرى الساحل السوري الكثير من الشباب كقتلى إلى جانب قوات النظام، بعد تطوعهم في الجيش أو تشكيلات مختلفة للقتال ضد الثوار وقوات المعارضة، وقد شيعت هذه المدن قتلاها بشكل يومي خلال الأعوام الماضية، واليوم يتصارع سكانها على لقب "أم الشهداء"، إذ يعتبر سكان كل مدينة أو بلدة أو قرية أنها تستحق هذا اللقب بسبب ما قدمته من قتلى، رغم أن اللقب لا يغير من واقعهم شيئاً، حتى إذا حاولوا ذلك باستخدامه.
يبدو استخدام قسم كبير من أهالي الساحل لقب "إم الشهداء" للدلالة على مدنهم وقراهم، إضافة معنوية تدل على واقع حالهم وما خسروه من شباب في ظل وقوفهم مع النظام، إذ يُعرف الكثير من الموالين للأسد أنفسهم بأسماء مدنهم وقراهم بالقول إنهم "من أم الشهداء مدينة كذا"، كذلك يظهر الأمر واضحاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال تسمية الصفحات (فضلاً عن المجموعات والغرف) بأسماء المدن مع إلحاق هذا اللقب بها، إضافة إلى الصراع والتنافس عبر التعليقات التي تحاول إثبات الأحقية بحسب عدد القتلى.
يوضح الصحفي من أبناء مدينة جبلة حسام الجبلاوي في حديث لـ“عين المدينة“، أن لقب أم الشهداء هو صيت منتشر في كل جبلة وريفها وينسبه أبناء كل بلدة وقرية إلى أنفسهم، في ظل منافسة على من قدم عدداً أكثر من القتلى، خاصة في المناطق التي تحملت العبء الأكبر من القتلى (مثل بيت ياشوط، عين الشرقية، الدالية، الشراشير)، حيث حمل السلاح "كل من استطاع" ذلك! حسب تعبير الجبلاوي.
ويرى أن الظاهرة تعبر عن محاولة تحصيل كسب رمزي بتخليد قتلاهم، خاصة أن "النظام لم يقدر هذه التضحيات ولم يتم تعويضهم بأي شيء حقيقي"، لذلك فإن اللقب هو وجه عملة تململ لذوي القتلى من الوضع، بعد أن خسروا أبناءهم لصالح من يطلقون عليهم "الفاسدون (المسؤولون والكبار)"، وهم من قاموا بسرقة سوريا منهم، من وجهة نظرهم.
يستخدم موالو النظام في الساحل عدد قتلاهم من الأقارب أو أبناء المنطقة كورقة ضغط عند الحاجة، مثل تأخر أمر خدمي أو أي طلب، أو حتى عند الانتظار في الدوائر الحكومية لتمرير معاملات أو أوراق، لكن رغم ذلك لا تقدم هذه الوسيلة لهم أي جدوى، في ظل منطق المحسوبية والرشوة المترسخ الذي تسير وفقه مؤسسات الدولة، ليبقى لقب "أم الشهداء" أمراً يشكل لهم بعض الفخر فيما بينهم.
يوضح الشاب يحيى أحد أبناء مدينة اللاذقية، أن أبناء مدن وقرى الساحل يبالغون كثيراً في موضوع القتلى، بحيث أنه يدخل في كل موضوع يتحدثون فيه، ويربط بكل المناسبات الاجتماعية، فضلاً عن وضع أسماء القتلى على العلم وصورهم في الشوراع وعلى الجدران. لذلك لا يمكن الركون إلى أعداد القتلى التي يتداولها المؤيدون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تذكر أن بيت ياشوط وحدها فقدت حوالي الألف قتيل، وأن طرطوس فقدت 40 في المائة من شبابها.
يربط الموالون للنظام طلباتهم الخدمية والمعيشية والاقتصادية بمدنهم "مدن الشهداء"، وعند أية مناشدة منهم يجب البدء بالحديث عن قتلاهم، ويجدون أن هذا سبب لتحسين واقعهم، لأنهم قدموا أبناءهم ليبقى النظام، وهو مجبر على رد الجميل وتقديم ما يحتاجونه، الأمر الذي انعكس على وسائل التواصل الاجتماعي.
ففي صفحة "شبكة أخبار جبلة لحظة بلحظة" المتابَعة بشدة بين جمهور الموالين على فيسبوك، كتب أحد الموالين متحدثاً عن الوضع الخدمي وحاجاتهم في القرية "أنا يائل علي نحنا أهالي قرية حرف الساري ريف جبلة ام الشهداء والجرحى والمفقودين شوف بعينك هي العيشة يلي عايشينا ولادنا ما فينا نبعتن عالمدارس كل فصل الشتاء حتى الخبز ما منقدر نجيبو ليلة أمس طافت الدنيا وماعاد فيه الواحد يطلع برى بيتو وكل هاد التقصير من بعض المسؤولين نحنا قدمنا أولادنا شهداء للوطن وعنا مفقودين وعنا إصابات عجز“. ثم تابع الشرح بعد هذا التقديم الذي صار يتخذه الموالون مؤخراً مثل كليشيه.
أما عن موقف الرقابة الأمنية التي يفرضها النظام على البيئة الموالية، فيتحدث ناشطون عن أنه يترك هذه المساحة لأسر القتلى ليتحدثوا فيها على هواهم، لكي لا يكون لديهم أية ردة فعل قوية، خاصة أن التجمعات التي تحدث في تشييع أبنائهم ما زالت مستمرة، ما يجعله يحتاط من استغلالها من قبلهم للتظاهر أو المطالبة بحقوقهم.