- الرئيسية
- مقالات
- ترجمة
كيف تنشر الحربُ العنفَ كثقافة في حياة الناس اليومية
ألياندو مويا
جريدة El Espectador الكولومبية
20 شباط
ترجمة مأمون حلبي
لقد طال أمد النزاع الأهلي في كولومبيا، لدرجة أن كثيراً من الناس العاديين أخذوا ينظرون إلى العنف الغير مبرر، بصفته أمراً اعتيادياً، وحتى أمراً جديراً بالإعجاب في بعض الحالات.
بالأمس القريب، تحدثت الصحافة الكولومبية عن فتاة في الثانية عشر من العمر، تم طعنها بمقصّ من قبل طالبة أُخرى في مدرسة جوزيه فيليكس. كانت المعتدية تكبر زميلتها بسنة واحدة. لقد تم تقديم هذه الحادثة على أنها حالة أُخرى من حالات التنمر والزعرنة. رغم الاعتراف بخطورة هذه الحالة، إلا أن قراءةً أعمق تستطيع اعتبار هذه الحادثة نتيجةً غير مباشرة لنصف قرنٍ من النزاع الأهلي. لقد أضعفت الحرب النسيج الأخلاقي للأمة. وحالات عنف كهذه، غير متناسبة مع مسبباتها، حيث أدى خلاف بسيط في المدرسة إلى تهديد حياة فتاة، هي مؤشرات على الأذى العميق والخفي الذي لا تزال الحرب الأهلية توقِعُه.
لقد لاحظت الدراسات الاجتماعية، منذ سبعينيات القرن الماضي، ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الجريمة بعد النزاعات المسلحة. إحدى أول التقارير، وأكثرها اكتمالاً بهذا الخصوص، تمت كتابتها من قبل كل من دان آرتشر وروزماري غارتنر، اللذان كشفا عن ارتفاع في نسبة أعمال القتل والاعتداءات في أكثر من 100 بلد عانت حروباً أهلية، أو ضد دولة أُخرى. كانت الجرائم تُرتكب من قبل أناس عاديين، لم يكونوا ضحايا أو سجناء دورات الكراهية والانتقام، ولا بالضرورة مقاتلين سابقين أتخمهم العنف حدّ القرف. في تسعينيات القرن الماضي، أطلقَ عالم الاجتماع يوهان غالتونغ على هذه الظاهرة اسم «العنف الثقافي». يُفهم هذا التغيير، في وقتنا هذا، على أنه محصلة معايير وممارسات واعتقادات اجتماعية تشجع العنف كوسيلة كافية لتسوية النزاعات، عوضاً عن المحظورات التقليدية التي كانت ُتقيد العنف، وتعتبره ملاذاً أخيراً. إنها عملية تحول كُلي لم يَعُد فيها إيقاع الأذى بالآخرين من الأمور المحرمة، ولا عرضة للرفض أو الندم، وإنما وبشكل متزايد مصدر قوة ومكانة ومال ورضى أخلاقي – مصدر مقبول ومرغوب.
العنف كثقافة، هو نتاج التعرض الشديد لمستويات خطيرة من العنف، وسيل الرسائل التي تبرر وتشجع وتمجد العدوان. وهو ينبع من مشاهدة المرء للعنف، ومن ثم اعتياده عليه، وأيضاً من الإصغاء للذات، وإقناعها أن هذا أمر جيد وضروري. ينتج عن هذا، أن التغير الثقافي يتضح من العنف المادي المتجلي في إحصائيات النزاع، ومن العنف الرمزي، وضمنه الإشارات الشفهية التي تنحاز للنزاع. الدراسات الأحدث التي قدمتها كريستينا ستينكامب، تسلط الضوء على دور النظام القضائي في تنمية العنف الثقافي. فالنظام القضائي، بصفته أداة ضبط اجتماعي، يمتلك إمكانية زيادة الروح العدوانية، بل وحتى إقناع الناس أن إيذاء الآخرين أمرٌ حسن. هذا المنظور يجعل المعايير ذاتها مصدراً للعنف الثقافي. إن مجتمعاً يُمجد استخدام القوة وتدمير الأعداء باستخدام القوانين، يزرع الأوهام في أذهان الناس، ويُشرعِن أفكار التخلص من الآخرين، وتشويه صورتهم، أو النظر إليهم كأجسام سامة تفتقر للحقوق والإنسانية، أو كنماذج شيطانية ثابتة.
قبل عشر سنوات خَلَت، قال عالم الاجتماع والقانوني الألماني بيتر فالدمان: بِحقّ، إن كولومبيا قد اُبتُليت بشكل خطير بالعنف الثقافي، بسبب طول حربها الأهلية. في الوقت الحاضر، تؤكد الأحكام العرفية والأرقام المتعلقة بالعنف نظريته. الأرقام المُحدَّثة الصادرة عن مكتب قاضي التحقيق والشرطة الوطنية وسجل الضحايا، تُظهر أنه في العشرين سنة الماضية، كانت 40% فقط من وفيات العنف ناتجة عن الحرب. لقد كان للقوانين الكولومبية الناظمة للنزاع ارتدادات مباشرة على معدلات الإصابات والصدامات، وعلى معنى الحرب ومضامينها الأخلاقية. وبالتالي، على التصورات الجمعية للحياة والموت. وبخلاف المعايير السائدة وقت السّلم، وضعت سياستنا العسكرية اعتبارات النصر فوق اعتبارات حقوق الإنسان، وفرضت التفريق في تصنيف المتحاربين. سياسةٌ العالم فيها منقسم بين الأصدقاء والأعداء. لقد صنّفت «قواعد الاشتباك» المعتمدة من القوات المسلحة الكولومبية مقاتلي حرب العصابات، بصفتهم كائنات مؤذية بالمطلق، وتهديداً دائماً وفتاكاً لا يمكن تحييدها أو اعتقالها. لذا، ولأن الحرب هي التي تحدد المعيار الذي يتبعه المجتمع، فقد تبنينا قراءة مدمرة لنزاعنا –قراءة لا تهدف إلى حل الخلافات، بل إلى البقاء على حساب تدمير الخصم. هنا، ليس ثمة فسحة للحوار.
إن النمو الشاذ للعنف كثقافة ليس أمراً مدهشاً في بلد أصبحت فيه الحرب هي الوضع الطبيعي للأمور لفترة طويلة. لم نعد مشدوهين أمام مواطن عدواني، بل نُعجب به ونستمتع بالأذى الذي يّلحقه بأيّما شخص يشاء. وبدون نقاش عام حول التأثيرات المستمرة للحرب، فإن العنف اليومي بين الناس أمرٌ حتمي، مثاله الطالبة التي وجدت في حقيبتها علاجاً بسيطاً وحاداً لمشكلة صغيرة مع فتاة أُخرى اختلفت معها.