- الرئيسية
- مقالات
- ترجمة
حي الشيخ جراح: صدامات، مناوشات، نزاع.. كلمات يستخدمها الإعلام الغربي لتلطيف قباحة عنف إسرائيل
بيلين فيرنانديز
10 أيار عن موقع Middle East Eye
ترجمة مأمون حلبي
لو كان الإعلام مهتماً بقول الحقيقة، لفضحت قضية الشيخ جراح كل الفضح حجم نفاق إسرائيل وخداعها.
لنتخيل تقديم تقرير إخباري خصب الخيال في زمن الحرب: "في 26 نيسان 1937 (تصادم) سكان مدينة غيرنيكا الإسبانية مع طائرات حربية ألمانية تلقي مواد شديدة الانفجار وقنابل حارقة، وقد تم مسح المدينة من الوجود أثناء تلك (المناوشات) مع مقتل 1600 شخص". من الواضح أن الأسطر السالفة لا يمكن أبدا أن تُكتب من قبل أي شخص سليم الذهن، لأن طبيعة علاقة القوة بين أجسام البشر من ناحية، ووحوش الجو التي تنفث القنابل من ناحية أخرى، واضحة تمام الوضوح.
مع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالنزاع الإسرائيلي/الفلسطيني -وهذا ذاته تعبيرٌ تلطيفي لحرب إسرائيل المستمرة على الفلسطينيين- لا تُفوّت المؤسسات الإعلامية الغربية فرصة أن تتحدث بصفاقة عن الوحشية التي من طرف واحد بوصفها "صدامات" و"مناوشات".
لنأخذ على سبيل المثال مسيرة العودة الكبرى، وهي مظاهرات سلمية إلى حد كبير بدأت في قطاع غزة في آذار 2018؛ وفقاً للأمم المتحدة قتل الجيش الإسرائيلي 214 فلسطينياً (46 منهم كانوا أطفالاً) في سياق المسيرة الكبرى، وجرح أكثر من 36100، أثناء نفس الفترة "قُتل جندي إسرائيلي واحد وجُرح 7 جنود آخرين"، والتقارير الإعلامية عن نفس هذا الحدث قال: حصلت "صدامات".
مفردات لغوية مفضلة
في الوقت الحاضر يواجه 40 فلسطينياً، من بينهم 10 أطفال، الطرد من منازلهم في حي الشيخ جراح ليحل محلهم مستوطنون يمينيون وافدون، وهذه آخر جولة في حملة إسرائيلية عمرها عقود من الزمن تهدف لإعادة تهجير قسرية لعائلات فلسطينية لاجئة منذ عام 1948.
وكما لو أن الظلم لم يكن طويلاً ومريراً بما يكفي، ردت الشرطة الإسرائيلية على المحتجين في الشيخ جراح، من ضمن أشياء أخرى، بالهجوم عليهم بالخيل و بإغراق المنطقة بالغاز المسيل للدموع والماء الملوث، الذي وصف بأنه "يُشبه مزيجاً من الغائط والغاز السام وحمار متفسخ".
والأدهى من هذا، هاجمت قوات الأمن الإسرائيلية المصلين في المسجد الأقصى وأطلقت عليهم الرصاص المعدني المغطّى بالمطاط والقنابل اليدوية التي تشل الحركة، ما أدى إلى جرح العشرات منهم. لكن بالنسبة لوسائل الإعلام، فقد حصل كل هذا في "مناوشات" ليست خارج ما هو عادي.
حصلت "مناوشات" و"صدامات" في صحيفة الواشنطن بوست، وصحيفة الغارديان، وقناة فوكس نيوز، وموقع ABC الإخباري. أما الBBC من ناحيتها، فقد أبقت جمهورها مع آخر التحديثات بخصوص "الصدامات" و"المواجهات"، بينما استمرت بإصرارها أن الشرطة الإسرائيلية بإطلاقها القنابل اليدوية الشالَّة للحركة، وما يشبه ذلك، إنما كانت بكل بساطة تتصرف "رداً" على الاستفزازات الفلسطينية.
في نفس الفترة ذَكَرَت مقالة نُشرت في جريدة نيويورك تايمز في 7 أيار حول "مواجهات الشرطة الإسرائيلية مع المحتجين الفلسطينيين"، أن وزارة الخارجية الإسرائيلية قالت أن "السلطة الفلسطينية والإرهابيين الفلسطينيين كانوا يصورون نزاعاً عقارياً بين فرقاء على أنه قضية وطنية، وهذا من أجل التحريض على العنف في القدس" .
النفاق والخداع
منذ البداية ارتكز نجاح المشروع الإسرائيلي على سياسة تطهير عرقي- نفس السياسة يجري تطبيقها الآن في حي الشيخ جراح. لكن عملية الربط التاريخي، وبالتالي تقديم صورة ضمن السياق عن تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم بوصفها صورة متعارضة مع "مواجهات" محلية الطابع- أمرٌ لا يبدو أنه مهمة جريدة نيويورك تايمز والمطبوعات ذات الذهنية الشبيهة. إضافة إلى ذلك، باقتباسها تصريحات وزارة الخارجية الإسرائيلية المثيرة للسخرية دون إيضاح مدى سخافتها الكاملة الأركان، تساعد جريدة نيويورك تايمز ببساطة بالتسويق الدعائي للسردية الإسرائيلية وتطبيع الاحتلال.
المقارنة مع حالة جورج فلويد
بعد ذلك بالطبع، لدينا المداخلات الإعلامية التي تجعل التغطية الإعلامية الغربية السائدة رزينة بالمقارنة معها، كمداخلة كارولين غليك في جريدة Israel Hayom. تأخذنا كارولين أبعد من الصدامات والمناوشات، وتصل بنا إلى "قنبلة موقوتة مدمرة، بفضل واشنطن". الحصيلة النهائية وفقا لكارولين هي ليس فقط أن الرئيس الأمريكي بايدن والديمقراطيين يمكّنون الإرهابيين على امتداد الشرق الأوسط، وإنما هناك أيضاً "هجوم فلسطيني- غربي مُنَسّق ضد السيطرة الإسرائيلية على القدس".
إضافة إلى ذلك، ارتكب الناشطون الفلسطينيون عملاً شنيعاً عندما أضافوا ترجمة إنكليزية لفيديو يظهر فيه رجال شرطة إسرائيليون يثبّتون فلسطينياً على الأرض، بينما هو يقول "إنكم تخنقوني". تستشيط كارولين غضباً قائلة: "الغرض من هذا الفيديو واضح، الفلسطينيون يحاولون رسم خط مباشر بين قتل الشرطة لجورج فلويد في منيا بوليس وتطبيق القانون الإسرائيلي في القدس، وهذه المحاولة أخذت تُثمر".
بهذا لا تذهب الجائزة المستحقة للإساءة الجنائية رقم 1 إلى التطهير العرقي الذي تقوم به إسرائيل، أو صَليات رصاصها المطاطي، أو خنق الفلسطينيين من قبل شرطتها. هذه الجائزة جديرٌ بها –لابد أنك حزرت- ترجمة الفيديو.
وبما أن الخط المباشر بين مراكز الاضطهاد الأمريكية والإسرائيلية لا يُظهر أي إشارة على الإبطاء والتراخي، فإن أي وسيلة إعلامية لم تلتزم بهذه السياسة ستكون نافعة بالتأكيد.