- الرئيسية
- مقالات
- رأي
قراءة في تجربة «بوكو حرام»
في عام 2015 أعلنت الحركة المعروفة باسم «بوكو حرام» في نيجيريا بيعتها لداعش، متحولة إلى «ولاية غرب أفريقية» التابعة للتنظيم. وقد أصدر مركز أبحاث «سيتا» التركي دراسة بعنوان «بوكو حرام: تشريح منظمة»، من تأليف أمراه ككلي وخيري عمر وإبراهيم بشير عبد الآية. وفي ما يلي عرض لأبرز ما ورد فيه.
نالت نيجيريا استقلالها في العام 1960، وتبنت نمطاً فيدرالياً في إدارة البلاد ذات التنوع الإثني والديني. تأثرت النخب المثقفة للمسلمين، في الولايات الشمالية، بالتحولات الاجتماعية والسياسية في العالم الإسلامي، بعد عودة الطلاب الذين درسوا في جامعات البلدان الإسلامية، حاملين أفكاراً جديدة وتأويلات مختلفة، في مواجهة المفهوم التقليدي للإسلام في نيجيريا، منذ أواخر سبعينات القرن الماضي. كما أن أحداثاً كبرى هزت العالم الإسلامي؛ كاحتلال أفغانستان وغزو العراق والحرب في سورية، أثرت بقوة في مسلمي نيجيريا.
ساد حكم دكتاتوري في البلاد منذ الاستقلال إلى عام 1999، حين تم الانتقال إلى نظام فيدرالي ديموقراطي، يتناوب فيه على منصب الرئاسة مسيحي من الجنوب فمسلم من الشمال. فحكم الرئيس المسيحي أوليسيغون أوباسانجو من 1999 إلى 2007؛ وجاء بعده الرئيس المسلم عمر موسى يار أدوا في عام 2007، لكنه مات، في 2010، قبل إتمام ولايته، فحل محله نائبه المسيحي غودلاك جونثان. ما أثار جدلاً وردات فعل لدى مسلمي البلاد. وفي 2011 جرت انتخابات رئاسية فاز فيها جونثان الذي عاد إلى ترشيح نفسه مجدداً في 2015، لكنه خسر أمام منافسه المسلم محمد بخاري.
تقع ولاية بورنو، ذات الغالبية السكانية المسلمة في شمال البلاد، عند تقاطع حدود نيجيريا مع النيجر وتشاد والكاميرون، ويتحدث سكانها بعدد من اللغات المحلية (هاوسا، كانوري، فولاني). وفي المرحلة الأولى من دعوة مؤسس «بوكو حرام»، محمد يوسف، كانت تعاليمه تنقل على أشرطة كاسيت عبر الحدود بين شمال نيجريا وجنوب النيجر، وساعدت على ذلك التشابهات اللغوية والدينية العابرة للحدود. بالمقابل هناك اختلافات كبيرة بين شمال نيجيريا وجنوبها في اللغة والدين والثقافة، الأمر الذي عمقته سياسات الإدارة الاستعمارية البريطانية منذ أوائل القرن التاسع عشر. ففي حين تبنت الولايات الجنوبية التعليم الحديث البريطاني، واجهه مجتمع المسلمين في الشمال بالرفض، ونسج علاقات نشطة مع العالم الإسلامي. وهكذا حدث شرخ كبير، ذي مظهر ثقافي، بين الشمال والجنوب.
أي أن «بوكو حرام»، وسابقاتها، تغذت على غياب العدالة بين مكونات البلد، كما على الفساد الحكومي، فكانت الأيديولوجيا السلفية تقدم أفقاً متخيلاً للعدالة والمساواة، مكّنها من استقطاب الشبان الساخطين في المجتمع المسلم. وقبل «بوكو حرام» أسس الشيخ محمود أبو بكر غومي حركة سلفية باسم «إزالة البدع وإقامة السنة» (اختصاراً: إزالة) في أواخر السبعينات، في بيئة سادت فيها، قبل ذلك، التأويلات الصوفية للإسلام (القادرية والتيجانية). انتقدت «إزالة» الفساد الحكومي و«الانهيار الأخلاقي» للمجتمع، دون أن تواجه السلطة بشكل مباشر.
كما كان للثورة الإسلامية في إيران (1979) تأثيرها المهم في مجتمع مسلمي نيجيريا ونخبه المثقفة. فقامت «الحركة الإسلامية في نيجيريا» بقيادة إبراهيم زكزاكي بالترويج للمذهب الشيعي والثورة الإيرانية. ومن جهة أخرى انتشرت الأفكار الإسلامية الحديثة بين الشبان المسلمين، وكانت الترجمة الإنكليزية لكتاب سيد قطب «معالم في الطريق» من أبرز وسائل هذا الانتشار. وصار النقاش حول مفهوم المجتمع الجاهلي مألوفاً.
تبنى محمد يوسف التأويل الجهادي للسلفية، وتمتع بموهبة خطابية بارزة. بدأ يعبّر عن أفكاره منذ العام 2000، أي بصورة متزامنة مع بداية دخول العالم الإسلامي نفق العنف. وانبثقت من تعاليمه منظمة شغلت، بعملياتها الإرهابية، نيجيريا والدول المجاورة. قامت آيديولوجيا المنظمة على فكرة محورية هي أن التعليم الغربي حرام، وهذا هو معنى عبارة «بوكو حرام» في لغة الهاوسا. فقد اعتبر يوسف أن المؤسسات التعليمية في نيجيريا تدمر القيم الإسلامية وتدفع بالناس إلى الكفر. ووصف الدولة النيجيرية بالطاغوت، متهماً كل من يعمل في إطارها بالكفر، داعياً إلى محاربة النظام بكافة الوسائل المتوفرة. وإذا كانت المنظمة تعرف إعلامياً باسم «بوكو حرام»، فإن اسمها الرسمي هو «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد».
لم يلتحق يوسف نفسه بالمدارس الحديثة، بل تلقى تعليماً دينياً في المدارس التقليدية، وكان يتقن اللغات المحلية (هاوسا وكانوري)، وتعلم اللغتين العربية والإنكليزية. انضم إلى حركة «إزالة» التي كانت علاقته بقادتها إشكالية. فمن جهة كانوا معجبين بقدراته الخطابية فعينوه مدرساً للتفسير في أحد الجوامع، لكنه، من جهة ثانية، ظل ضعيفاً في العلوم الشرعية، فكان الخاسر دوماً في النقاشات العلمية التي خاضها مع قادة الحركة الذين أقلقهم تطور أفكار يوسف فحاولوا إقناعه، لكنه تمسك بأفكاره. ونتيجة ذلك تم، بدءاً من 2008، طرد أنصاره من الجوامع التي تسيطر عليها «إزالة». كانت هذه نقطة القطيعة التامة بين الطرفين، وبداية تحول التيار اليوسفي إلى منظمة «بوكو حرام».
ليس هناك اتفاق حول تاريخ تأسيس «بوكو حرام». فهناك من يعود به إلى 1995، مقابل روايات تحدده بالعام 2003 حين تشكلت أول نواة للحركة في ولاية «يوبي» شمال غرب نيجيريا، من مجموعة شبان أطلقوا على أنفسهم اسم «طالبان نيجيريا»، وتمركزوا في منطقة غابات تصعب السيطرة عليها، وبدأوا منها أولى هجماتهم المسلحة ضد المؤسسات الحكومية.
Reuters
في العام 2005 قام يوسف بزيارة السعودية، بعد قمع الحكومة النيجرية لتمرد «كاناما» بعنف شديد. وبعد عودته استأنف نشر الدعوة التي التحق بها مزيد من الأتباع. ويقال إن رجال السياسة المحليين استثمروا في شعبية يوسف وحركته مقابل نيل تأييدهم في الانتخابات. هذه العلاقات التي أقامها يوسف مع الساسة المحليين، والدعم المالي الذي تلقاه منهم، سيساعدانه على الانتقال من حركة دعوية إلى منظمة جهادية.
لوحقت «بوكو حرام» بعنف فانتقلت إلى العمل السري، مع بنية قائمة على إمارة ومجلس شورى ومجلس تنفيذي على المستوى العام، ومثلها في كل منطقة على حدة. وبدأت عملياتها باغتيال المخبرين، كما استهدفت رجال الأمن والقادة المحليين للحزب الحاكم في ولاية بورنو ذات الغالبية المسلمة.
وفي العام 2009 تعرضت الحركة لقمع شديد، قتل نتيجته نحو 700 من أفرادها، بمن فيهم مؤسسها محمد يوسف. لكنها تمكنت من ترميم نفسها بسرعة، ونجحت، في العام 2010، في تنفيذ عملية للسيطرة على أحد السجون فحررت المئات ومن بينهم عدد كبير من أنصارها. بعد ذلك أقامت الحركة صلات مع منظمات جهادية عالمية، وتلقى أعضاؤها تدريبات عسكرية، ثم أخذت عملياتها تشبه عمليات منظمات كالقاعدة.
وحتى اليوم قتل في الحرب التي أطلقتها «بوكو حرام» نحو عشرين ألف شخص، وخرجت من الخدمة مزارع ومدارس ومستشفيات ومؤسسات خدمية أخرى، ونزح نحو مليونين من ديارهم، كما تأثر بأحداث العنف نحو عشرين مليون إنسان في عموم الإقليم.
في أواخر 2016 أعلن الرئيس النيجيري محمد بخاري سيطرة قوات الأمن على آخر معاقل «بوكو حرام». لكن رأس المنظمة وقتها، أبو بكر شيكاو، أعلن، بعد مدة قصيرة في تسجيل مصور، أن الحرب مستمرة حتى إقامة الخلافة الإسلامية في نيجيريا. تلا هذا الإعلان قيام المنظمة بعدة هجمات، بينها عمليات انتحارية، أشهرها الهجوم على جامعة ميديغوري في كانون الثاني 2017.
قامت المنظمة بعمليات كثيرة ومتنوعة، كالاغتيالات والهجمات المسلحة على المؤسسات الحكومية والمدارس والجوامع والكنائس، والعمليات الانتحارية والسيارات المفخخة. وتوسع ميدان عملياتها جغرافياً باتجاه الجنوب وصولاً إلى العاصمة أبوجا نفسها. لكن العملية التي لاقت الصدى الإعلامي الأكبر وطرحت اسم «بوكو حرام» على مستوى عالمي كانت اختطاف 270 تلميذة من إحدى المدارس في العام 2014. فقد قامت مظاهرات احتجاج في مختلف مدن العالم ضد هذه العملية، وأطلقت ميشيل أوباما -زوجة الرئيس الأميركي السابق- حملة على وسائل التواصل الاجتماعي طالبت فيها بإطلاق سراح المخطوفات.
AFP