لماذا تهاجم داعش صهاريج النفط في دير الزور؟

تعبيرية من الإنترنت

في شهري تموز وآب الأخيرين صعّد تنظيم داعش وتيرة هجماته على الصهاريج، التي تحمل مشتقات النفط في منطقة سيطرة قسد من دير الزور. ودلّ هذا التصعيد الفجائي على أن تغيّراً ما دفع التنظيم لإعادة قطاع النفط إلى قائمة أهدافه المفضلة في المنطقة.

فوِفق أعداد صحيفة النبأ الأسبوعية الصادرة عن ديوان إعلام داعش، نفذ التنظيم في منطقة سيطرة قسد في دير الزور 9 هجمات استهدفت صهاريج نفط بين يومي 9 تموز و15 آب، سبقها هجوم مشابه يوم 26 حزيران. شجعت هذه الهجمات إعلام داعش على الادّعاء بأن التنظيم يشن حرباً اقتصادية. فنشرت النبأ، في عددها الصادر في 22 آب، إحصائية تحت عنوان "الحرب الاقتصادية" ذكرت فيها أن التنظيم نفّذ بين يومي 1 آب 2023 و15 آب 2024، 21 عملية ضد صهاريج النفط في سورية، استهدفت 66 صهريجاً. لكن التوزّع الجغرافي لهذه العمليات يثبت أن هذه الحرب المزعومة تحدث في منطقة قسد في دير الزور فقط، بينما يثبت تاريخ تصاعد العمليات أنها ليست استراتيجية ثابتة بل طارئة ومرتجلة.

التوزّع الجغرافي لعمليات داعش ضد صهاريج النفط ومشتقاته في سورية بين 1 آب 2023 و25 آب 2024

المنطقة

دير الزور

الرقة

الحسكة

حماة

عدد العمليات

16

3

1

1

المصدر: صحيفة النبأ العدد 457

من ناحية أخرى يُلاحظ أن آبار النفط كانت مستثناة من الهجمات إلا عرضاً. ما يُشير إلى أن التنظيم لا يريد تعطيل إنتاجها بل عقاب مستثمريها والتجار المستفيدين منها، وجميعهم من السكان المحليين. فمعظم، إن لم يكن جميع، الصهاريج المستهدفة تعود ملكيتها لهم، وكانت تحمل مادة المازوت بعد فرزها عن باقي مشتقات النفط في مصاف بدائية. لكن لماذا يعاقب تنظيم داعش هؤلاء بالرغم من أن ما يدفعونه إجباريّاً لخلاياه، تحت اسم الزكاة أو "سلطانيّة" أو تحت أي أسماء أخرى، يشكل المصدر الرئيسي لموارده المالية؟

قد ترتبط الإجابة عن هذا السؤال بحادثة اعتقال فيصل زياد أصفاد الملقب بمشعل العراقي يوم 13 حزيران. فهذا الرجل الذي كان متخفيّاً ونشطاً على مدى السنوات الماضية، هو القائد والمسؤول الأول للتنظيم في دير الزور حسبما يؤكد بعض المهتمين بشؤون داعش لـ"عين المدينة". وبعد أن اعتقل بدأت موجة استهداف الصهاريج. ويبدو أن القائد الجديد يريد زيادة الموارد المالية، وجعل ذلك أولوية له في هذه المرحلة، فأمر بتنفيذ هذه الهجمات غير المدمرة لمصالح المستثمرين والتجار، تمهيداً لجباية أموال إضافية منهم.

ضمن نطاق القدرات الحالية لقسد لا يبدو أنها قادرة على تحطيم قنوات وآليات التمويل المحلية الخاصة بداعش في قطاع النفط، إذ تتوزع مئات الآبار في بقعة جغرافية واسعة، كثير منها لا تستطيع قسد حمايته، فتعرضه شركة نفط الجزيرة التابعة للإدارة الذاتية للتشغيل والاستثمار مقابل مبلغ مالي شهري يُدفع للإدارة، أو مقابل توريد نسبة تتفاوت بين 70% و90% من مادة المازوت -بعد تكرير النفط- لمديرية المحروقات التابعة للإدارة والتي تتسلم المازوت حصراً في مقرها المحمي جيداً في منطقة الـ7 كم الآمنة شمال دير الزور. وتذهب النسب الباقية (10% -30%)، ومعها المشتقات النفطية الأخرى الناتجة عن عملية التكرير، للمستثمرين. في حين تشغّل شركة الجزيرة بنفسها الآبار الواقعة في المراكز الرئيسية لبعض الحقول مثل العمر والجفرة، وتصدّر إنتاجها في قوافل تسلك طرقاً آمنة ومحمية عموماً.

يصعب تقدير ما تحصّله خلايا داعش من مستثمري الآبار وتجار النفط ومهربيه إلى مناطق النظام، لكنه يزيد بالتأكيد على النفقات الحالية للتنظيم على مستوى دير الزور. فمعظم العمليات التي نفذتها خلاياه في الأعوام الثلاثة الأخيرة غير مكلفة، في حين يمكن لعناصره هناك، الذين يقدرون بالمئات، أن يؤمنوا نفقاتهم الشخصية والعائلية اعتماداً على الأموال والمساعدات العينية المفروضة على قطاعات أخرى غير النفط.

يقول مستثمر بئر ينتج 100 برميل في اليوم لـ "عين المدينة" إنه دفع مؤخراً 6 آلاف دولار لداعش التي ما يزال يسميها "الدولة". وذلك بعد أن وردته رسالة عبر "واتس أب" من رقم مجهول حددت المبلغ ووقت ومكان تسليمه لشخصين، تسلّم منهما إيصالاً مختوماً يثبت أنه دفع ما عليه من زكاة. تُدفع الزكاة سنوياً ويُكتفى بها في حالة المستثمرين الصغار، بينما يدفع مستثمرون كبار مبالغ إضافية قد تصل إلى 50 ألف دولار كل شهر أو شهرين، تحت اسم "سلطانية" أو دون أي اسم. ولا يستطيع أحد التملص من الدفع أو تخفيض ما يُفرض عليه إلا في حال توسط له شخص داخل داعش، التي يسهل على خلاياها أن تهاجم أي بئر من الآبار التي يشغّلها ويستثمرها تجار محليون، حتى وإن تمتع بعض هؤلاء بالقوة وترأسوا مجموعات مسلحة. كما هي حال محمد رمضان الضبع الذي يستثمر العديد من الآبار بين حقلي العمر والتنك النفطيين، ويترأس مجموعة مسلحة كبيرة تابعة اسمياً لقوات حماية المنشآت النفطية التابعة بدورها لقسد. فعندما قرر الضبع ألا يدفع لداعش مقابل استثماره لعدة آبار في محطة الصيجان التابعة لحقل العمر، احتل عناصر داعش المحطة واستجروا منها ما يريدون من النفط مدة ليلتين متعاقبتين، قبل أن يستسلم لما تريده خلايا داعش التي وزعت، قبل رضوخه، ملصقات جدارية تهدده بالاسم.