لورا ستارتشيسكي/ الشبكة الإذاعية الأميركية NPR - الأول من آذار
ترجمة مأمون حلبي
عندما فرَّ الفنان السوريّ محمد العماري، 27 عاماً، من الحرب الأهلية في بلاده، الشتاء الماضي؛ لم يستطع حمل الكثير. فقط بعض الملابس وقليلاً من الأشياء الأخرى، كما يقول. إلا أنه استطاع أن يجلب بعض الألوان المائية وبعض ألواح الطباشير، وحتى بعض لوحاته. العماري وزوجته لم يكونا يريدان مغادرة بيتهما في محافظة درعا. لقد بقيا هناك في أول ثلاث سنواتٍ من الثورة، وأخيراً انتقلا من قريتهما إلى قريةٍ أخرى كانت أبعد عن النزاع. لكنهما وصلا، في العام الماضي، إلى نقطةٍ لم يستطيعا عندها أن يبقيا أكثر.
العماري مدرّسٌ لمادة التربية الفنية في مدرسةٍ ابتدائية، لكن في تلك القرية لم يكن أحدٌ يذهب إلى المدرسة. يقول: "لم تكن لديّ نقود، ولا مكان للعمل فيه، ولا شيء أفعله لأعيل نفسي وعائلتي. لقد بدا كما لو أن الحياة برمّتها قد توقفت". وهكذا قاما برحلةٍ خطرةٍ استغرقت 15 ساعة. مضيا بالسيارة إلى الحدود الأردنية، ثم مشيا لينضمّا إلى 3 ملايين سوريٍّ على الأقلّ، كانوا قد تركوا بلدهم كلاجئين. حالياً يعيش العماري وزوجته ووليدهما في مخيم الزعتري، وهو مدينةٌ حقيقيةٌ في صحراء الأردن، يقطنه أكثر من 83 ألف لاجئ. ومن جديدٍ أخذ العماري يدرّس الفنّ كمتطوّعٍ، كل يومٍ لبضع ساعات. ولكي يملأ وقته فإنه يلتقط الحياة السورية –المجمّدة- في فنه. الانتظار موضوعةٌ كبرى. ما الذي سيحدث تالياً؟ ومتى؟ هذا السؤال يلحّ على معظم الناس في المخيم، يقول العماري. ولأنه عالقٌ ضمن حدود مخيّمٍ ممتلئٍ بالغبار مساحته خمسة أميالٍ مربعة، فإنه يتوق لتغيير المشهد الطبيعي حوله. "أحياناً نشعر وكأن المخيم سجن. يستغرق الأمر 5 شهورٍ لاحتمال حصولك على إذنٍ بمغادرة المخيم لمدة يومٍ أو يومين فقط، والذهاب إلى عمّان لمجرّد الخروج من هذا الجوّ، إذا وافقت السلطات المحلية". بعد ذلك، هنالك ذاك النوع الأكبر من الانتظار، وهو مؤشرٌ لفقدان اليقين الذي يواجهه السوريون. لا فكرة لديهم متى يمكن للحرب أن تنتهي، أو متى سيكونون قادرين أن يستأنفوا أيّ شيءٍ يشبه الحياة الطبيعية. يرسم العماري وجوه الأطفال والنساء ووجه جدته. جميع هذه الوجوه تشترك في هذا الشيء، الانتظار. يشرح العماري الأمر بالقول: "عندما أرى الانتظار على وجوههم وأرسمه يكونون في انتظار لحظةٍ يستطيعون العودة فيها إلى الحياة كما كانت، جميلة. نأمل أن يكون المستقبل أجمل. لكن في نفس الوقت أشعر بالهاوية. الطريق أيضاً قد يمضي بنا إلى الأسوأ". من الصعب أن يبقى المرء مفعماً بالأمل، لكن من السهل أن يشعر بالحنين.
في المخيم، قابل العماري فنانين آخرين. ومعاً يغوصون في الذاكرة ويرسمون ما يتذكرون. فأحياناً يرسمون صروحاً سوريةً لها رمزيتها يخشون أن تدمّرها الحرب، كالمسرح الرومانيّ في بصرى، أو جدران المدينة القديمة في دمشق. يقول العماري: "إننا نلتقط صورةً لسوريا؛ كيف كانت، وكيف بدت القرى والمدن قبل الحرب". غير أن العماري مصممٌ على فعل ما هو أكثر من مجرد الانتظار. فهو يقول لنفسه إن كثيراً من الفنانين عملوا في ظروفٍ عصيبة، وبمقدوره، هو وأصدقائه الفنانين، أن يفعلوا الأمر نفسه. وهو يأمل أن يؤثر عمله في الموجودين في المخيم، حيث دعمت منظمة "الغوث والتنمية الدولية" الفنانين هناك بالتجهيزات وبمكانٍ يعملون فيه. رسم الفنانون لوحاتٍ جداريةً على الخيام القماشية ونظّموا أربعة معارض. يقول العماري إنه من المحتمل أن إيصال رسومه إلى العالم، كما حصل في هذه المعارض، من عمّان إلى كاليفورنيا، سيؤدّي إلى نوعٍ من تغيير وضع اللاجئين السوريين. صديقه، محمود الحريري، يوافقه على ذلك، ويقول: "عن طريق الفن، عملنا على مشاركة كثيرٍ من الرسائل، محاولين أن نساعد على تحسين الحياة في المخيم وإظهار الألم الذي يشعر به المرء كلاجئٍ وتصوير الحزن والدمار داخل سوريا". لكن أهو تغييرٌ فعليّ؟ تلك لعبة انتظارٍ أخرى لهؤلاء الفنانين.
يوضح الحريري قائلاً: "في المحصّلة، لم تغيّر هذه الرسائل أيّ شيءٍ بشكلٍ فعليّ، وذاك ما هو مفقود. الأمر يشبه كتابة رسالةٍ، لكن لا أحد يعطيك جواباً"!