ترجمة مأمون حلبي عن الإنكليزية *
كانـــت فاطمـة. ب تعيــش أوكيزبيرغ مع والديها وثلاثةٍ من أخوتها وأخواتها، في شقةٍ تقع في الطابق الرابع من أحد المباني. يفتح والد فاطمة الباب، حمدي. ب: "ماذا تريدون؟ لقد رحلتْ". شعره مسرّحٌ بعناية. ليس من الصعب تخيّل حمدي، 48 عاماً، كرجلٍ ودودٍ، بل حتّى مرح. لكن لا شيء يملأ عينيه الآن سوى الحزن. قبل ذلك سبق لرجال الشرطة زيارة منزل العائلة ليسألوه عن اختفاء فاطمة، وقد حُدّد له موعدٌ لمراجعة المحكمة بعد وقتٍ قصيرٍ بصفته شاهداً. "لقد قلتُ كلّ ما لديّ"، يقول حمدي بإصرارٍ، كما لو أن ذلك يمكن أن يحميه من أسئلةٍ إضافيةٍ. إنها أسئلةٌ لا جواب لديه عنها. لقد ألقوا على كاهله تفسير ما لا يمكن تفسيره: حقيقة أن ابنته إحدى المسلمات الشابات اللواتي ابتعدن عن العالم الغربيّ ليبدأن حياةً جديدةً خلف النقاب في سورية والعراق؛ في عالمٍ لا وجود فيه لحقوق النساء، ولا للمياه النظيفة، وحيث لا أحد قد سمع بالتأمين الصحيّ.
وحسب مسؤولين أمنيّين ألمان، اتجّهت حوالي 100 امرأةٍ إلى منطقة الحرب. الكثيرات منهنّ سافرن مع أزواجهنّ، لكن كثيراً من الأخريات سافرن كنسوةٍ عازباتٍ يبحثن عن أزواج، وبعضهنّ أردن أن يقاتلن على خطوط الجبهات بأنفسهنّ. لا يريد حمدي أن يسمع أيّ شيءٍ من هذا. إنه يقول إن ابنته في تركيا، وهو ما يدّعيه كثيرٌ من آباء وأمهات الأبناء المفقودين ليحموا أنفسهم. يقولون للجيران أو للشرطة إن أبناءهم يقضون عطلةً في مكانٍ ما خارج البلاد. في أيّ مكانٍ، لكن ليس في سورية. إلا أن المسؤولين متأكّدون أن فاطمة انضمّت إلى الجهاديين في سورية.
معظم النسوة اللواتي غادرن ألمانيا للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية أعمارهنّ بين (16 و27) عاماً، وهنّ من كلّ أنحاء البلاد. لنعترف أن المشهد السلفيّ في أوكيزبيرغ صغيرٌ ولا يُعتقد أنه ميّالٌ إلى العنف، لكن حتى هنا، يوجد أولئك الذين ينشرون الدعوة إلى الالتزام بالشريعة. استطاع أحد هؤلاء أن يكسب مجموعةً كاملةً من النسوة الشابات في أوكيزبيرغ لصالح التوجه الراديكاليّ. فاطمة وأختها أمينة، الأكبر سناً، كانتا جزءاً من تلك المجموعة.
رأى حمدي ابنتيه تتغيّران، لا سيّما عندما بدأتا بتغطية وجهيهما. لكنه يسأل ماذا كان بإمكانه أن يفعل؟ "ليس ممنوعاً ارتداء النقاب". عدا عن ذلك، ماذا على أبٍ أن يفعل عندما تختار بناته الفضيلة عوضاً عن حياةٍ ممتلئةٍ بالفتيان والكحول؟ لكن، بعد ذلك، حاول حمدي أن يتدخل بعد أن قابلت فاطمة رجلاً من المغرب عن طريق الإنترنت. كانت تريد أن تصبح مخطوبةً. كان والداها معارضَين بشكلٍ قاطعٍ، لكن الأوان كان قد فات. اختفت فاطمة في كانون الأول 2013، وذهب والدها إلى الشرطة ليبلّغ عن فقده لها. لكن لم يكن بوسعهم أن يفعلوا سوى القليل ليساعدوه، وحالياً يعتقد حمدي أن المسؤولين عن تطبيق القانون يستحقون اللوم جزئياً عن مصير ابنته. "أيّ بلدٍ هذا، الذي يسمح لفتاةٍ دون السنّ القانونية أن تغادر دون إذن؟".
بعد شهرٍ من اختفاء فاطمة سافر والدها إلى تركيا ودخل سورية مع ابنته أمينة، واستطاعا تتّبع فاطمة إلى قريةٍ جبليةٍ ليست بعيدةً عن مدينة اللاذقية. القرية مقرٌّ لما يسمّيه المحققون الألمان (البيت الألمانـــيّ)، وهو مكانٌ يذهب إليه في البداية كثيرٌ من الجهاديين الألمان ليتكيّفوا مع سورية. استطاع حمدي وأمينة أن يُقنعا فاطمة بالعودة إلى أوكيزبيرغ، واتصلا بالشرطة الألمانية للإبلاغ عن وصولهم الوشيك لكي يتجنبوا المتاعب عند الحدود. لكنهما لم يخبرا المحققين عن الرحلة التي سبقت مغادرتهم.
كان يمكن للعائلة أن تستأنف حياتها العاديـــــة في أوكيزبيرغ، وكان من الممكن لابنتي حمدي أن تبتعدا عن النزعــــة الإسـلاموية الراديكاليــة. لكن الأمور لم تجرِ على هذا المنوال. أمينــــة، أكبر الأختين، تزوّجت شاباً وانتقلت معه إلى إقليم ويستفاليا. أما فاطمة، فيقول المسؤولون إنها لم تنجح فقط بالعودة إلى سورية، بل أيضاً حققت أمنيتها بالزواج؛ من جهادي بالطبع.
* النسخة الإنكليزية من مجلة دير شبيغل الألمانية (14 شباط 2015).