هل بشار الأسد أقلّ شعبيةً من والده، لأنه حاز على نسبة 97,29% في الاستفتاء الذي أجري على منصب رئاسة الجمهورية في تموز 2000، في حين حاز حافظ الأسد، في استفتاء شباط 1999، على نسبة 99,987%، المنافية للعقل؟ تندّر ساخرون عندما أعلنت السلطات السورية النتائج، التي جاء فيها أن 219 سورياً قالوا لا لبشار!
في هذا الكتاب الصادر عام 2003، يستعرض آلن جورج حصيلة حكم آل الأسد لسورية حتى تاريخ انتهاء بحثه. فهو لا يرى أن شيئاً جدياً قد تغيّر في السنوات الأولى لحكم بشار، الذي ورث والده تحت شعار "التغيير في إطار الاستمرار"، الذي قد يعني كلّ شيءٍ وقد لا يعني شيئاً، كما أثبت الواقع السوريّ. فقد ظلت البلاد محكومةً من مجموعةٍ من الرجال الأقوياء المحيطين بالرئيس، عبر أجهزة المخابرات والقوى العسكرية، وتحت المظلة الدستورية لقيادة حزب البعث. فيما ظلّ مجلس الشعب مجرّد نادٍ للكلام، مهمته الرئيسية "البصم" على قرارات الرئيس. وبقي القضاء والتجمعات المهنية والمدنية عبيداً للسلطات، أي للرئيس نفسه.
فقد فصّل حافظ الأسد السلطة على مقاسه. وقبل وفاته كانت صوره مع أبنائه، بالبزّات العسكرية، وبنظاراتٍ سوداء، تنتشر في الشوارع وعلى المؤسسات الحكومية، رغم أنها تظهرهم كعائلةٍ مسلحةٍ من المافيا. ولم يكن حكم الأسد الأب شمولياً بل استبدادياً فردياً، فقد خُفّفت أو مُيّعت فكرة البعث والقومية العربية إلى درجةٍ لا تقف فيها حجر عثرةٍ أمام براغماتية النظام وعبادة شخص الرئيس، بما فيها اختراع كاريزما له تنتقل إلى أولاده وأحفاده، تطلب السلطة من جميع المواطنين التسليم المعلن بها، وعدم التشكيك بالزعامة المطلقة للرئيس.
أما الاقتصاد فطالما كان ثانوياً ضمن ترتيب أولويات النظام، الذي عني بشكلٍ رئيسيٍّ باستقراره وبقائه، ثم بالسياسة الخارجية إقليمياً وعالمياً. وكان جُلّ ما فعله حافظ الأسد في هذا المجال هو استجرار الدعم بذريعة المواجهة مع إسرائيل، ثم نتيجة مشاركته في حرب الخليج عام 1991، والتوسّع في استخراج البترول من حقول وادي الفرات منذ الثمانينيات. ورغم ذلك شهد هذا العقد أزمةً اقتصاديةً كبيرةً في سورية، نتيجة انهيار أسعار البترول، وهبوط سوية المساعدات الخليجية، وسنواتٍ من القحط ضربت القطاع الزراعيّ. وحاولت السلطات معالجة ذلك بالحدّ من المصروفات الحكومية وبتقييد الاستيراد، الأمر الذي نشّط حركة تهريب البضائع إلى البلاد، تحت إدارة وإشراف بعض الشخصيات الحكومية. وحسب رواية المؤرّخ حنا بطاطو، اقترح أحد المندوبين إلى المؤتمر القطري لحزب البعث عام 1985 إغلاق تجارة السوق السوداء من لبنان، الذي كان تحت السيطرة السورية، فوقفت إحدى المشاركات لتتساءل بدهشة: كيف يمكن منع هذه السوق، وكلّ الحاضرين هنا يغتنون منها؟! وكانت ردّة فعل الأسد قهقهةٌ عالية. ورغم أن عقد التسعينيات لم يكن مرضياً بشكلٍ كافٍ، إلا أنه كان أحسن حالاً من سابقه. فقد شهد خطواتٍ حذرةً لتخفيف وطأة الاقتصاد الموجّه والسير في اتجاه الحرية الاقتصادية والمالية، بما في ذلك بعض التشجيع للقطاع الخاصّ. أما أكبر التحدّيات التي تواجه بشار فهي الإصلاح الاقتصاديّ، في ظلّ بنيةٍ مهترئة، ومحاولات ترقيعٍ من هواةٍ من دون خبرة، وأعدادٍ كبيرةٍ من الذين يدخلون سوق العمل سنوياً (200 – 250 ألف شخص)، يبقى معظمهم عاطلاً عن العمل نتيجة ندرة الفرص، مما يهدّد بتحوّلهم إلى محتجّين عنيفين، قد يهزّون "أساس" النظام نفسه.
وعبر لقاءات مطوّلةٍ مع رموز المعارضة السياسية السورية، ومنهم رياض سيف وميشيل كيلو وهيثم المالح وعلي صدر الدين البيانوني؛ يستعرض المؤلف التجربة القصيرة والمجهضة لربيع دمشق، والتي أدّت إلى سجن عددٍ من الناشطين فيه، وأعادت إغلاق الفرجة الصغيرة من الأمل بإصلاح النظام سياسياً، التي تبدّت لهؤلاء المعارضين وسواهم إثر تولي بشار الأسد السلطة ووعوده بالتغيير في طريقة حكم البلاد، وما تبع ذلك من بيانات المثقفين والناشطين ومنتدياتهم وبوادر صحافتهم التي طالتها يد الإغلاق.
في أكثر من مكانٍ من كتابه، يستذكر الكاتب رواية جورج أورويل (1984)، حيث لا تعني الكلمات ذات المحمول السياسيّ معناها العادي، وحيث لم يعد هــــناك أي شيءٍ غير قانونيّ، لأنه لم يعد هناك قانون. كما في سورية، التي تقرّ المادة 12 من دستورها أن "الدولة في خدمة الشعب"، ويوجد فيهـــــا عنصر مخابراتٍ أو مخـــــبرٌ لــــكل 153 تجاوزوا عمر الخامسة عشرة من السكان، يجبرون الجميع على أن يكونوا في خدمة الرئيس.