من المعروف أن معظم نزلاء سجن تدمر، ولا سيما منذ ثمانينيات القرن الماضي، كانوا من الإسلاميين، وتحديداً المتهمين بالانتماء إلى جماعة الإخوان. ولكن أكثر الشهادات المتوالية عن هذا السجن لا تلقي الضوء الكافي على تيارات وكتل "المجتمع" الإسلاميّ التدمريّ، بخلاف هذا الكتاب الذي كتبه أحد المعتقلين الإخوانيين في تدمر، ونشره إلكترونياً تحت عنوان "وأخيراً تكلم الصامتون"، باسمٍ مستعارٍ: عبد الله بن عبد الله.
يعدّد المؤلف التيارات الإسلامية داخل السجن فيما يلي:
الإخوان المسلمون:
وهم الأكثر عدداً بالطبع. وقد حملوا إلى تدمر انقسامهم السابق خارجه بين التيار الدمشقيّ والتيار الحلبيّ، وبين من كانوا يفضّلون استمرار الجماعة في العمل الدعويّ، سعياً لإقامة المجتمع المسلم، وبين من رأوا أن تضييق النظام وملاحقاته واستفزازاته لم تترك مجالاً للردّ إلا بالعمل المسلّح. وكان مصير معظم هؤلاء الحكم بالإعدام وتنفيذه داخل السجن.
التيار السلفيّ:
الذي كان يعمل على نشر أفكاره العُقَدية والفقهية في سورية بالوسائل السلمية البحتة، دون اهتمامٍ بالجوانب الحركية أو السياسية. ولكن ما أدّى إلى اعتقالهم هو أن بعضهم كان على صلةٍ بالإخوان أو ببعض رجالاتهم، أو أن حال البلد دفعته إلى الإعلان عن موقفٍ مما يجري. ويصف المؤلف أبناء هذا التيار بالغلوّ الذي دفع بعضهم –عند انقلابه- إلى تياراتٍ "خطيرةٍ" كتيار القرآنيين، أو إعلان الكفر بالإسلام كله.
التيار الصوفيّ:
وكان وقت أبنائه موزّعاً بين الأوراد الخاصّة وقراءة القرآن، وبين النقاش الحادّ مع السلفيين، الذي كثيراً ما تحوّل إلى شجارٍ وعداوة. أما ما أتى بهم إلى السجن فتراوح بين العلاقة الشخصية أو القرابة مع بعض الإخوان، وبين الانسياق العاطفيّ مع الجماعة وتقديم المساعدات المادية أو سواها.
تيار التكفير والهجرة:
وهو أقليةٌ كانت قد تأثرت بهذا الاتجاه الذي نشأ أصلاً في السجون المصرية، واستقطبت بعض "المتشدّدين والمعجبين بأنفسهم". ووصل بهم الأمر إلى درجة تكفير أيّ شخصٍ لا يعرفونه بدعوى أنه لم يبايع أميرهم الذي كان يدعى يشار شوقل. وتراجع حضور هذا الفكر بعد مناقشاتٍ إخوانيةٍ طويلةٍ، وتهديداتٍ من إدارة السجن.
تيار القرآنيين:
وكانوا يقولون بالأخذ بالقرآن الكريم فقط، دون أدنى اعتبارٍ للسنة النبوية أو للأحاديث الشريفة، التي يرون أنها فهم الرسول صلى الله عليه وسلّم للقرآن، وهو مما لا يُلزمهم، فهو بشرٌ وهم بشر. وكان داعيتهم في السجن طالباً حمصياً في كلية الطب –قبل الاعتقال- يدعى عبد الناصر تقيّ الدين.
كانت هذه التيارات تتحاور وتتصارع. وشهدت السنوات الطويلة تحوّلاتٍ طالت الكثير من الأفراد بين هذا التوجّه الإسلاميّ أو ذاك، رغم التضييق الشديد المعروف على كلّ مناحي الحياة، والذي كان أقسى بكثيرٍ حين يتعلق الأمر بالشعائر الإسلامية. فلم يكن هناك تساهلٌ تجاه الصلاة إطلاقاً. ووصل أمر منعها أحياناً إلى درجة معاقبة من يجلس جلسة الصلاة ولو كان متوجّهاً إلى غير القبلة.