- الرئيسية
- مقالات
- رأي
حملات المُناصرة
لم تنجح حملة مناصرة في تحقيق هدفها إلا في حال كان الهدف يتّسق مع خطط النظام، كما حصل في حلب، حين تحولت اعتصاماتنا ومظاهراتنا من فك الحصار إلى إخراج المدنيين من حلب الشرقية، وكما حصل في دير الزور، حين طالبنا بإسقاط المساعدات الغذائية على المدنيين المحاصرين في مناطق النظام حصاراً مزدوجاً من قبل النظام وتنظيم داعش.
ولحداثة عهدنا بحملات المناصرة كان الأجدر بنا أن نضبط تعريفها، لتمييزها عن غيرها من مفرزات المجتمع المدني، وهي «محاولة منظمة لتغيير سياسة أو ممارسة أو موقف ما، عبر تقديم الأدلة والحجج حتى يتسنى إقناع جهة ما بكيفية وسبب ووجوب حدوث التغيير. أو هي فعل مقصود وموجّه نحو تغيير السياسات أو المواقف أو البرامج في أي نوع من القرارات المطلوب تطويرها أو تغييرها أو التأثير على أساليبها أو حتى إلغائها»، كما يُعرّفها كُتيب صدر عنها، لذلك ربما تحتاج حملات المناصرة إلى أحزاب سياسية أو نقابات لم تكن موجودة في ضفة الثورة.
حلّ بدلاً منها منظمات المجتمع المدني، التي لم تكن على حالة من الودّ فيما بينها تجعلها قادرة على حشد مظاهرات كبيرة واعتصامات أمام سفارات الدول المؤثرة في القرار، بل كانت تشغلها تجاذبات سياسية غير معلنة، ومناطقية في كثير من الأوقات، فأصبح من الطبيعي أن ترى منظمات صمتت عن حلب وانتفضت لأجل الغوطة، ومنظمات صمتت عن دير الزور والرقة وانتفضت لأجل حلب والغوطة. علاوة على أن تلك المنظمات تفتقر، بشكل طبيعي لحداثة نشوئها، للعلاقات مع الأحزاب وقوى المجتمع المدني في دول الغرب، ما جعل تأثيرها محدوداً.
وهذا لا ينفي أننا، ورغم كل ما سبق، استطعنا في كثير من المواضع إيصال الفكرة لحكومات الدول الصانعة والمؤثرة على القرار، لكنهم آثروا اتّباع مصالح دولهم، حتى ولو كانت على دماء وأشلاء السوريين.
ليس جديداً القول إن غالبية حملاتنا كانت ارتجالية، بأقل قدر من التخطيط، ويعود ذلك في جزء منه إلى التبدل السريع في الظروف الميدانية وموازين القوى في سوريا. وفي الحملات التي خُطط لها بعناية، من تجهيز البوسترات والتقارير والصور والفيديوهات اللازمة، وجمع أكبر قدر ممكن من الشركاء (منظمات ومؤسسات إعلامية وأفراد مؤثرين) أُخرجت مظاهرات -خجولة مقارنةً بالحدث- في بعض المدن والعواصم الأوربية.
أحد مؤسسي حملة «طلعت ريحتكن» في لبنان، ومدرب المناصرة للجيل الأول من النشطاء السوريين عماد بزي، رأى خلال تلك الورشات أن ما نقوم به هو حملات إعلامية وليس حملات مناصرة، فالأخيرة تحتاج لهدف قابل للتطبيق وفق خطة تدعمها الحملة الإعلامية، لكننا كنا ننظر لهذا الكلام بعين الريبة، ونعتقد أنه يتحدث من واقع تجربته في بلد مستقر يتمتع بشيء من الحرية والديمقراطية مثل لبنان، وظل هذا الاعتقاد سائداً حتى تقدم النظام في حلب وقطَع نارياً طريق (الكاستيلو)، وحُوصرت الأحياء الشرقية، فاستُدعي عماد بزي للتخطيط من أجل فك الحصار عن حلب.
وبالفعل أُطلقت حملة «درب حلب»، وهدفت إلى جمع الأموال اللازمة لتدشيم طريق الكاستيلو، رافقها حملة إعلامية لتسليط الضوء وإثارة ضجة حول قضية حصار حلب. لم تنجح الحملة كمثيلاتها بسبب السيطرة السريعة للنظام مدعوماً بالمليشيات الطائفية والقوة الهمجية الروسية على الأوتوستراد، لكن عماد نجح في برهنة وجهة نظره في الاختبار الأول، وربما الوحيد له في سوريا.
في وادٍ آخر، ذاع في أوساط المنظمات الإعلامية والتنموية وحتى الإغاثية نوع مختلف من الحملات، ممول من المانحين، محدود بإطار زمني، ومرتبط بأهداف قابلة للقياس، كحملة للتوعية من الألغام، أو حملة طفل لا مقاتل. مثل هذه الحملات لها بداية ونهاية وخطة موضوعة يُمنح على أساسها التمويل، وتستهدف شرائح مجتمعية للحدّ من أخطار غير متعلقة بشكل مباشر بالصراع الدائر مع النظام أو التنظيمات الجهادية، وتنتهي الحملة بتاريخ محدّد أو ببلوغ الهدف المعلن، كتوعية مئة عائلة من الألغام في منطقة ما، أو ببلوغ عدد معين من التغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الحملات محسوبة أيضاً على المناصرة، وعلى ما يبدو أنها كذلك، وقد تأخذ الدور الأكبر بعد الانتهاء من الاقتتال بمعارك كبيرة، والوصول إلى حالة من التهدئة في سوريا المقسمة إلى مناطق نفوذ دولية وإقليمية.
نهايةً، تداولنا كثيراً جملة «نحتاج تطوير أدواتنا» في نقاشاتنا بعد وأثناء كل حملة مناصرة لم تأتِ بنتيجة، حتى صارت لازمة يقولها البعض للتهرب من المشاركة في حملات بات واضحاً عدم نجاعتها، في حين حاول البعض الآخر، كالدكتور محمد كتوب من منظمة (SAMS)، اجتراح بعض الحلول لتطوير الأدوات أثناء ندوة عُقدت ضمن الحملة الأخيرة لإنقاذ الغوطة الشرقية: «ينبغي الضغط على داعمي مؤسسات الأمم المتحدة، كألمانيا التي تدفع 10% من قيمة المساعدات الخاصة بسوريا، والتي يستحوذ على غالبيتها النظام، وهؤلاء -أي الدول المانحة- يستمعون لشركائهم من منظمات المجتمع المدني، وعلينا إخبارهم أين تذهب أموالهم».
لكن، وبعد أن ضاعت غالبية المناطق المحررة، وقضى مئات الآلاف من السوريين، وفشلت جميع حملاتنا، وأصبحت مراجعة الأدوات ضرورة، فإن أحداً منا لم يجب على السؤال الجوهري: كيف نطور تلك الأدوات؟