الشاب السوري ربيع رحمون الذي أنقذ تركياً من الغرق في اسطنبول
ترجمة مأمون حلبي عن الإنكليزية | نشر الأصل في جريدة راديكال التركية
بدت المرأة ذابلةً تماماً. كان وجهها يلمس الرصيف تقريباً، وكانت يداها ترتجفان. "أنا جائعةٌ وكذلك أبنائي". إنهم جيراننا، وفقراء مدينتنا وبلدنا الجدد، يتسوّلون في الشوارع باللغات التركية والكردية والعربية.
إننا لا نعرف عددهم هنا. يقولون إنه يوجد 100000 منهم في اسطنبول وحدها. فؤاد أوكتاي، وهو مسؤولٌ تركيٌّ في إدارة الكوارث والطوارئ، قال إن العدد الإجماليّ للسوريين في تركيا قد تجاوز 900000، من بينهم 224000 في مخيماتٍ متنوعةٍ للاجئين. دعونا لا نتكلم عن النقود وتكاليف هؤلاء اللاجئين. إننا لا نعرف بالضبط كم من مئات الآلاف هؤلاء هم في الشوارع أو بالضبط في أيٍ من المدن. أيريد أحدٌ منكم أن يعرف حقاً؟
إنهم في كل زاويةٍ من اسطنبول. على قارعة الطرقات، على السلالم وفي عتبات البيوت والمباني وتحت الجسور، يرتدون ملابس باليةٍ ومهترئةٍ فقدت لونها منذ زمنٍ بعيد، وينظرون إلى المارة كما لو كانوا يحدّقون في الفراغ. إنهم ليسوا متسوّلين، مع أنهم يطلبون بعض الأشياء أحياناً. أصواتهم منخفضةٌ لدرجة أنها بالكاد تُسمَع. من الواضح أنهم لم يتسوّلوا من قبل. إنهم واقعون بين ثقل الكابوس الذي هم فيه، وبين تهديد الجوع وغياب أيّ مستقبلٍ لأبنائهم الحفاة الذين يحاولون الحصول على بضعة قروشٍ من السيارات العالقة في الزحام. إنهم شبح أمّة.
يقول إدريس أمان في تقريرٍ له إنه تم إنشاء مدينةٍ من الخيام على قارعة الطريق في منطقة بيرم باشا في اسطنبول. كانوا حوالي 100 عائلةٍ تركمانية. لم يكن يوجد ماءٌ لكنهم مع ذلك كانوا يحاولون التمسك بشيءٍ ما في خيمةٍ فارغةٍ على طرف الطريق. ما الذي حدث بعد نشر القصة؟ شرطة البلدية يقظة. لقد أخلوا الناس وحرقوا الخيام. قريباً سيدخلون التاريخ بصفتهم حارقي خيام. لقد فتحت الحرب في سوريا بوابةً لعالم موازٍ ضمن حياتنا اليومية. نحن هنا، ليس عند الحدود السورية، بل عند الساحل الأوربي لمدينة اسطنبول، نتفرّج على خيالاتٍ لسوريين مشرّدين في كل مكانٍ حولنا. الشجعان منهم يحاولون على الدوام تغيير مواقعهم، فيذهبون إلى أماكن جديدة. لكن حيثما يذهبون تكون الأمور عسيرة. منذ أسبوعين عُثر على 8 جثث في أدرنة. لقد ماتوا أثناء الشتاء. كان ذاك الحدث خبراً صغيراً. لا أحد تعمّق. "هذا ما يحدث للاجئي الحرب"، هذا ما قلناه لأنفسنا. إهاناتٌ وعنصريةٌ صريحةٌ ومكتومةٌ تلاحق السوريين في الجرائد وفي وسائل التواصل الاجتماعي، فالسوريون يُعتبرون مجرمي المستقبل. ويمكن للمرء أن يشاهد عناوين مثل "تهديد المتسوّلين السوريين". أو تحذيرات أنهم سيخطفون فرص العمل. الأسبوع الماضي قفز عجوزٌ (أو ربما سقط) إلى البحر من جسر غَلَطة في اسطنبول. كان يوجد كثير من الناس في المكان، لكن شخصاً واحداً فقط قفز واستطاع إبقاء العجوز طافياً حتى وصلت السلطات. الشخص الذي قفز كان فتىً سورياً يعمل نادلاً في المكان. رغم أنه قفز بينما كان الآخرون يتفرّجون، لم يتغيّر أيّ شئ. "السوريون الملاعين" عرضةٌ لكل الإهانات والشرور، من المدن الحدودية حتى المدن الكبرى. أحداثً كهذه لن يعترف بها أحد.
لهذه التجـــــارب تاريخٌ مــــــحليٌّ مأساويّ. آخر هجرةٍ كبيرةٍ حدثت بعد سنة 1948 نتيجة حرب تركيا على القضية الكردية، عندما هاجر الأكراد إلى البلدات والمدن. كانت الأعداد تتراوح بين 2 و4 مليون. الفقر الذي أنتجته هذه الهجرة يُعدّ فقر شعب. عوضاً عن ذلك، شهدنا دعايةً عنصريةً ضد وجودهم. الهجرة السورية الحالية لها أوجه شبهٍ مع تلك التجربة. أناسٌ مرغمون على القيام بأعمالٍ متعبةٍ وقذرةٍ مقابل أجرٍ بسيط. أقليةٌ من الناس يتلقون المساعدة. هناك يدٌ خفيةٌ تحاول أن تحمل بعض العبء، لأسبابٍ تتعلق بالعِرق أو بالدين أو بالقرابة، لكن بقية الناس ينتشرون في كل مكان تلاحقهم اللعنات ورهاب الغرباء. في الحرب فائزون وخاسرون. أولئك الذين ينامون في الشوارع هم الخاسرون، وقليلٌ من المنظمات والناس يحاولون أن يساعدوا الأبرياء على البقاء، إلا أن معظمنا غير مكترثين.