كريستوف روتر | ترجمة مأمون حلبي عن الإنكليزية
تسيطر قوّات الأسد على حلب الغربية، وتلقي البراميل على النصف الشرقيّ كلّ يوم. الموت حاضرٌ على الدوام. مجلة «دير شبيغل» الألمانية قضت أسبوعاً في ما أصبح مدينةً للأشباح.
عندما تتقدّم سيارتك في الأحياء الطرفية للمدينة، تبدأ قفارٌ شبحيةٌ بالظهور. الشوارع ونصف المباني السكنية فارغة، والأصوات الوحيدة تصدر عن لوحاتٍ معدنيةٍ تحرّكها الرياح، وعن قصفٍ متقطّعٍ لمدفعيةٍ بعيدة. حلب الشرقية قد هجرها سكانها عملياً، وأولئك الذين بقيوا يفضّلون أن يتجمّعوا في بيوتٍ مواجهةٍ لخطوط القتال، التي أصبحت جامدةً عملياً في السنتين الأخيرتين. من المفارقة أن الناس يشعرون أن العيش ضمن مدى رماية دبابات العدو ونيران قنّاصيه أكثر أمناً لهم. هكذا هي قواعد الأمان في حلب، لأن الطوابق الدنيا على طول خط الجبهة ما زالت تقدّم بعض الحماية من قذائف المدفعية. والأهم من هذا، لا سقوط للبراميل هنا، فالبراميل غير دقيقةٍ، إلى درجةٍ يمتنع معها السلاح الجويّ من استعمالها على مقربةٍ من قوّاته. أما بقية حلب الشرقية فهي عرضةٌ لكل المخاطر. فالبراميل المتفجرة يمكنها أن تدمّر مباني بكاملها، والجيش قد استخدم تصاميم متنوّعةً منها. تظهر الهيلوكوبتر يومياً في الصباح وقبل المساء في نفس التوقيت عادةً، وتدور في الجوّ لبرهةٍ، على ارتفاع 4 إلى 5 كم، قبل أن تلقي بحمولتها الانفجارية. صوت البراميل المتساقطة يمكن سماعه فقط قبل ثوانٍ من انتشار تأثيرها – وقتٌ يكفي ليعرف المرء أنه على وشك الموت، لكن لا يكفي ليهرب. وحتى لو كان ثمة وقتٌ للهرب، لا يتوافر ملاذٌ آمنٌ فعّال. قوانين حلب واقعيةٌ إلى حدّ الاستفزاز. ماذا بوسع المرء أن يفعل عندما يمكن للموت أن ينهمر من السماء في أيّة لحظة؟ منذ أواخر 2013 فرّ حوالي 90% من أهالي النصف الشرقيّ من حلب، حين بدأ الإلقاء الممنهج للبراميل المتفجّرة، ومنذ ذلك الوقت، حصدت المواد الانفجارية أرواح 2500 شخص. مع ذلك، ما زال 200000 إلى 300000 شخصٍ يعيشون هنا. البعض يقول إنه لا يريد أن يرحل، بينما يقول آخرون إنهم لا يستطيعون الرحيل، وهناك أيضاً أولئك الذين يرون أنه لا جدوى من الفرار. إنهم يقولون: إنْ كان للموت موعدٌ مع المرء فالموت سيجده، وإن لم يكن ثمة موعد، فالموت لن يعثر عليه. لذا يمكثون حيث هم وينتظرون. بعد ثلاث سنواتٍ من بدء الثورة ضد ديكتاتورية عائلة الأسد، وبعد سنتين من نشوب القتال في حلب، تنقسم المدينة إلى قسمين. يسيطر النظام على الأحياء الأغنى الواقعة غرب المدينة، وعلى مقرّات القيادة العسكرية والاستخبارية هناك. يكتظّ في هذا النصف حوالي مليوني شخص، وكثيرٌ من هؤلاء فرّوا إلى هنا، تتملكهم رغبةٌ جامحةٌ للنجاة من احتمال الموت الهابط من السماء. في شرق المدينة، هناك صعوبةٌ أكبر في تحديد من يسيطر على ما تبقى من أحياء الطبقة المتوسطة والفقيرة هناك، بالإضافة إلى مركز المدينة التاريخيّ. فهناك الآن نصف دزينةٍ من الألوية الكبيرة. لا توجد حكومةٌ مركزيةٌ في هذا القسم، لكن يوجد مجلسٌ للمدينة ووحداتٌ للشرطة ومتطوّعون في الدفاع المدنيّ، وهم يقومون بأعمال الإنقاذ.
الوضع في حلب دراماتيكيّ، إلا أنه على هذه الحال منذ شهور. الأخبار عن المعارك المتواصلة في أماكن أخرى من البلاد، وعن الأراضي التي يكسبها الثوار أو الانسحابات التي يقومون بها، تصل إلى المدينة الشبحية، لكنها تبدو باهتةً وبعيدة. عندما لا يوجد إطلاق نار، تكون المدينة هادئةً بشكلٍ غريبٍ ومخيف، بينما يتدبّر الناس بصمتٍ أمور حياتهم اليومية. الأصوات الطبيعية غائبةٌ كلياً: حركة المرور، أصوات البشر، الموسيقى، العصافير.